أسباب الجريمة , نظرية النوافذ المحطمة والحد من نسب الجريمة.


في الثمانينات انتشرت فكرة جديدة عبر ميدان العدالة الجنائية تتعلق بتأثير البيئة الاجتماعية للشخص على معدلات الجريمة. الفكرة كانت أن الفوضى في الحي تؤدي إلى زيادة السلوك المعادي للمجتمع وفي النهاية إلى حدوث جرائم خطيرة. ففي أغلب القرن العشرين ، كان تركيز الشرطة في الولايات المتحدة بالمقام الأول على الجرائم الخطيرة مثل الاغتصاب والقتل والسرقة دون نجاح إجمالي يذكر في الحد من معدلات الجريمة المرتفعة. "النوافذ المكسورة" ، تشير إلى أن الكبائر تبدأ بالصغائر، أو أن عظيم النار من مستصغَر الشرر، يرى جيمس ويلسون وجورج كيلنج أن " الجريمة هي نتاج الفوضى وعدم الالتزام بالنظام في المجتمعات البشرية. إذا حطم أحدهم نافذة زجاجية في الطريق العام، وتُركت هذه النافذة دون تصليح، فسيبدأ المارة في الظن بأنه لا أحد يهتم، وبالتالي فلا يوجد أحد يتولى زمام الأمور، ومنه فستبدأ نوافذ أخرى تتحطم على ذات المنوال، وستبدأ الفوضى تعمّ البيت المقابل لهذا النافذة، ومنه إلى الشارع، ومنه إلى المجتمع كله. لا تقتصر النظرية على النوافذ المحطمة، بل تشمل أيضاً السيارات المهجورة، ومراتع القمامة، والأركان المظلمة من الحواري والطرقات. وقد تكون البداية من مشكلات بسيطة نسبياً مثل الفوضى العامة، لكنها في الواقع تمثل دعوات إلى المزيد من الجرائم الخطيرة. فكم من شيء بدأ كمشكلة بسيطة ثم تطورت في تعقيدها بعدد من المراحل والدوائر لتصبح نقطة تحول لنوع من الجرائم الخطيرة المنظمة، فيجب أن تردع تلك الأفعال من البداية قبل تفاقمها وتطورها وأخذها منحنيات أخرى." لذا ذهب التفكير بأنه إذا ألغت السلطات الفوضى ستسقط الجرائم الخطيرة.

خلال التسعينيات ، طبق مفوض شرطة نيويورك في الولايات المتحدة وليام براتون نظرية النوافذ المكسورة بقوة على أحياء مدينة نيويورك . هاجم قسمه الجرائم البسيطة مثل الشرب في الأماكن العامة والتسول (التسول من أجل المال) والدعارة ( الجنس مقابل المال) وأنواع أخرى مختلفة من السلوكيات غير المنضبطة .وكانت نتيجتها أنه بمجرد انخفاض الجرائم البسيطة بشكل كبير في منطقة ما ، انخفض عدد الجرائم الخطيرة فيها أيضًا. انخفضت القضايا الجنائية بنسبة 27 في المائة بعد عامين فقط. أحد العوامل التي وجدوها هو أن العديد من الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم بسيطة كانوا أيضًا من يرتكبون جرائم أكثر خطورة. على سبيل المثال ، من خلال قمع الأشخاص الذين يتهربون من رسوم مترو الأنفاق ، وجدت الشرطة أن العديد من الجناة يحملون أسلحة غير قانونية ولديهم أوامر اعتقال معلقة. انخفضت جرائم مترو الأنفاق من جميع الأنواع بشكل كبير بعد فرض تحصيل الرسوم.

هذه النظرية قلبت الموازين في العقد الماضي، وغيرت في قوانين الإدارة عموما وفي الإدارة المدنية خصوصاً، فعلى مستوى المدن الأمريكية مثلا فُرضت الضرائب على كل من يرمي المخلفات في الشوارع مهما صغر حجمها، ونُظفت الجدران يوميا من كل مايكتب عليها، وغُسلت وسائل المواصلات يوميا ونظفت، فأحسّ الناس أن من واجبهم المساهمة في الحفاظ على هذا الإنجاز الحضاري، وعلى مستوى المرور فُرضت الضرائب على كل مخالفة صغيرة (مهما صغرت) فقلّت المخالفات الكبيرة واختفت الحوادث، وعلى المستوى الأمني تحوّلت نيويورك تلك المدينة المعروفة بالإجرام والسطو والفوضى في حقبة الثمانينيات - بعد تطبيق هذه النظرية - إلى مدينة أكثر أمناً ونظافة وترتيباً .. ثم تبنّت الإدارات الحكومية والمؤسسات الخاصة هذه النظرية كأساس مهم في فن الإدارة لتطوير العمل ورفع الإنتاجية والارتقاء بالمنتج"


حمد الدوسري


باحث علم الجريمة والعدالة الجنائية



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات حمد الدوسري

تدوينات ذات صلة