كيف يمكن أن تشرح للغير أنك ما عدت تصلح للأحاديث اليومية السطحية وانك مدمر لدرجة انك تحتاج فسحة من الوحدة كي ترمم الحرب بداخلك

لا أحب البدايات إنها ترهقني . البدء بأي نشاط جديد أصبح أمرٌ صعب للغاية بالنسبة لي أصبحتُ أحب الاعتياد والروتين لستُ مستعدة للقيام بأي أمر جديد فكما قال أُنسي الحاج "انه و في طريق الوحدة يشعر المرء بأنه اعتاد غادرته الحاجة إلى الرفقة إلى الأُنس يتساوى النوم و الأرق يصبح اللقاء بشخص آخر مؤلماً كالغربة"اعتقد أن هذا أكثر ما يصف حالي الآن . رافقتني الوحدة طوال سنوات حياتي في مدرستي ، والجميع اعتاد عليّ هكذا الفتاة الوحيدة والكئيبة و الأكثر من كل هذا كنتُ فتاة فاقدة للثقة بنفسها و التي لا تستطيع تقبل نفسها او حتى أن تحبها . في ذلك الوقت اقتربت أن أكون طالبة جامعية و كان عليّ أن أبدأ بجعل الآخرين يفهموني . سأخوض نقاشات لا أرغب بها و سوف ابدأ بالتعرف على شخصيات جديدة و علي ان اقنع الجميع بأن هذه أنا .

لا زلتُ أذكر أول أيامي الجامعية ، استفزتني الوجوه المبتسمة وأزعجني صوت الضحك زاد كرهي لنفسي بعد أن رأيت كمية الثقة التي يمتلكها غيري .أزعجني الاكتئاب الذي تملكني والذي جعلني غريقة به ، كنت الوحيدة التي تغرق بينما كان الجميع يطفون على السطح ومستمتعون بالحياة . لقد كان واضحاً ومنذ يومي الأول أن هذا المكان لا يناسبنيو كان واضحاً بأنني لا أنتمي له . لكنني الآن أحبها أحب جامعتي جداً ، لا زلتُ أذكر رائحة رواق الجامعة وأذكر يومي الأول بتفاصيله أذكر جميع وجوه الطلاب سواء أكنت اعرفهم أم لا . فذاكرة المكان لا تبلى . أصبحتُ أحب أن اعيش حاضري من خلال تذكري للماضي . أن أذكر الحالة التي كنت بها بيومي الاول والحالة التي اصبحت عليها الآن هو شيء يمدني بالقوة .

عندما دخلتُ إلى قاعة المحاضرات توجهت للمكان الذي اعتدت دوماً الجلوس فيه الدرج الاخير بجانب النافذة لكنه كان محجوزاً من فتى يرتدي الاسود بالكامل وهو ذات اللون الذي كان يغطيني مع قبعة تغطي وجهه كاملاً والذي اتضح بعد مدة أن اسمه آدم .انتبه إلي بعد فترة من وقوفي أمامه ، وأعتقد انه انتبه الى أننا متشابهين بطريقة ما ، تعابير الوجه نفسها ، نفس النظرات الخالية من الحياة و لكنه لم يعرني اهتماماً و بقي جالساً بمكانه . كنا متشابهين بكل شيء سوى أن آدم قوي و يحب نفسه وهو الأمر الذي لم ينطبق علي .

و لا زلتُ أذكر عُمر الفتى المشرق السعيد ذو السترة الصفراء والتي أكثر شيء مزعج رأيته خلال سنواتي الثمانية عشر والذي لا يمكن أن تمر دقيقة بدون أن يضحك كان الاشراق الذي يتمتع به مرهق بالنسبة الي كان كالتحديق في الشمس تماماً لا يمكنك عندما تحدق به أن تنظر لشيء آخر . عمر الفتى الوسيم والذي كان تحت انظار جميع فتيات الجامعة وعلى ما يبدو أن عمر كان لا ينظر الا اليّ . الأمر الذي استغربته في البداية والذي زادني ثقة في نهايته .

حاولتُ الابتعاد عنه بأكبر قدر ممكن ، كان هناك دائماً شعوراً بداخلي يحثني على الابتعاد لم أكن مرتاحة بوجودي معه أبداً .لكنه ورغم رفضي الشديد له ورغم ابتعادي المستمر عنه لم يبتعد و لم يمل .

حتى هذا اليوم ما زلتُ أذكر الهدية التي وجدتها بداخل خزانتي والتي احتوت على سترة زرقاء اللون ، اللون الذي كان مختلفاً تماماً عن الألوان التي أرتديها بالعادة ، ولكن الغريب بالأمر هو أنني أحببتها و أردتُ حقاً أن أجربها .

ومن جهة أخرى و بعد تكرار لقائي بآدم أصبح من الممكن أن يُطلق علينا أصدقاء ، لا اعتقد بأنني التقيت بأحدٍ كان يفهمني بالمقدار الذي يفهمني به عندما اكون معه اشعر بأن قيودي جميعها قد تكسرت وأني أستطيع أن أكون نفسي بدون أي غطاء آخر أحببت تفكيره وعمق أفكاره و بينما كان جميع من بعمره يحملون الغباء والمعايير التافهة كان آدم شخصٌ عميق جداً بإمكانه أن يجعلك تذهب بعيداً عندما يتحدث معك بأمر ما يستطيع أن يجعلك ترى الامور بأكثر من بعدٍ واحد وبطريقة لم يفكر بها أحد يوماً . كانت محادثاتي معه كالسحر تماماً لا أستطيع أن أفكر بأي شيءٍ عندما يتحدث فقط أشعر وكأنه علي تسجيل كل كلامه بعقلي حتى لا أنسى حرفاً منه


آدم: الحياة عبارة عن مكان مظلم يشعرنا بالوحدة، بالرغم من جميع الأشياء الجميلة التي نفعلها لنشعر خلاف ذلك، عندما نجد شخص يمكننا الحديث معه سوف لن تجد كلمات لتقولها فيسيطر عليك شعور العزلة بطريقة فظيعة لا يمكنك مقاومتها : من قال ذلك ؟ :إنها سيلڤيا بلات: الوحدة أمر مقيت أليس كذلك ؟ : على العكس تماماً : كيف ؟ : أن تكون قادراً على أن تعيش وحيداً هو أمتياز يتطلب صلابة لا يمكنك أن تجديها عند معظم البشر الوحدة تعني اكتشاف وتقبل ذاتك أن تعيش مع نفسك فقط دون أن تشعر بالملل ، الوحدة هي الشعور المرضي بالذات وهو الوقت الذي بإمكانه أن يعلمك العديد من العادات السيئة والاهم من كل هذا بأنه الادراك التام بأنك وحيدةً أكثر عندما تكونين بين مجموعة من البشر وليس عندما تكونين وحدك فقطوأن نفسك هي الرفيق الوحيد الذي يفهمك .

عندما لا تجد أي شخص لتصنع له كأساً من الشاي، عندما لا تجد شخصاً بحاجتك، عندها أعتقد بأن الحياة قد انتهت هكذا قالت أودري هيبورن

وكما قال هاروكي كوراكامي "ين الحين والآخر سأشعر بالعزلة القاتلة، يمكنني سماع هذا الصوت الذي يناديني عندما يصمت العالم أجمع في فجر كل يوم

: أنت تعرف الكثير : ليس الكثير فقط لأنني ألقي لك ببعض الاقتباسات أبدو لك كذلك : لكن هذا لا ينفي إنك شخصٌ مطلع : انا لا أعرف الكثير أنا فقط أصف لك ما أشعر وما أعتقد أنك تشعرين به و ما شعر به البشر الذين فهموا الواقع

وفي منتصف النقاش رأيت عمر واقفاً ينظر باتجاهنا وكان واضحاً بأن هنالك شيء ما يرغب بأن يبوح به و كان يريد أخذي بموعد لحديقة الزهور بينما ارتدي السترة الزرقاء

في ذلك اليوم بين منتصف الزهور أخذ على عاتقه جعلي سعيدة بالحياة . و لم يخذلني أبداً ، بينما أكون معه أصبحت أشعر بالسعادة اعطاني شعور الثقة بنفسي أصبحتُ انسانة مختلفة جداً وكأني نسخة أخرى من نفسي القديمة . كانت السعادة التي يتمتع بها سعادة معدية وجعلني أُصاب بها ، أصبح منظوري للحياة مختلفاً كان كالمحطة في منتصف حياتي وكالمظلة في منتصف الليل الماطر . استطعت أن أعيد السيطرة على حياتي مرة أخرى و أن أكون انسانه ناضجة و من أهم قراراتي كان أن أُكمل حياتي مع آدم أكثر شخص من الممكن أن يفهمني و أن أكون سعيدة معهبالرغم من أن قراري هذا كان مؤذياً لعمر الا أنني كنت أعلم أن هذا القرار المناسب لكلينا حتى نكون أكثر سعادة . لم أُريد ان اجرح مشاعره لكن ببقائي معه رغماً عني سيكون بمثابة الخيانة له اؤمن انه بيوم من الأيام سيجد الشخص الذي يفهمه والذي يلائمه . فلا شيء أهم من أن تعثر على الشخص الذي يفهمك .

Monasaleem

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

هذا نص وجداني مذهل ! مؤثر ! فيه شجن غريب ! فيه توثيق متقن للنمو الذي تتعرض اليه العاطفة حين تسلمها فترة زمنية الى فترة زمنية اخرى ، ابدعتِ حقا فشكرا وثيرا لهذا الجمال .

إقرأ المزيد من تدوينات Monasaleem

تدوينات ذات صلة