الجهاز المناعي جهاز فوق العادة للقيام بمهام فوق العادة ولكن حيويته ونشاطه يحتاج الي عادات يومية صحية من خلال أسلوب حياة وليس مجرد مواسم عند الضرورة


الجهاز المناعي جهاز فوق العادة للقيام بمهام فوق العادة ولكن حيويته ونشاطه يحتاج الي عادات يومية صحية من خلال أسلوب حياة وليس مجرد مواسم عند الضرورة


أصبح الجهاز المناعي حديث المدينة وحديث البيوت، الصغير والكبير والغني والفقير والوزير والغفير بعد أن أيقن الجميع الأهمية القصوى لهذا الجهاز خاصة بعد أن طال فيروس كورونا كل ارجاء العالم المتقدم والنامي والنائم بالهلع والخوف والقلق والتطلع إلي أي علاج فعال.


ولخوف الناس علي صحتهم وتلهفهم لمعرفة أي جديد عن تقوية جهازهم المناعي، فكثيرا ما يسألني الناس وخاصة رجال الإعلام في اللقاءات الإعلامية: كيف نقوي جهاز المناعة حتي لا تهزمنا الميكروبات وتتغلب عليها بلا أدوية؟ وبالطبع أقوم بإعطاء بعض الإرشادات الجيدة والمعروفة علمياً بناء علي دراساتي العلمية في هذا التخصص وقراءاتي وكتاباتي في تبسيط العلوم عامة وعن المناعة والميكروبات والسرطان خاصة. ورغم كل ما قلته وقاله المتخصصون علميا وطبيا واعجاب الناس بما يُقال من ارشادات، إلا أن معظم الناس تتبع هذه الارشادات لفترات قصيرة ومتقطعة ثم ينسوها تماما وكأنها نصائح وعادات موسمية وليست اسلوب حياة يومي في كل صباح وعصر ومساء.


ولا أُخفي علي نفسي وعليكم مشاعر الاحباط التي تنتابني عندما أجد معظم الشعب المصري وخاصة من الاطفال والشباب وحتي الآباء يفعلون كل شيء ضد الجهاز المناعي، وكأن الخلايا المناعية ليست بخلاياهم وكأنهم ليسوا بمسئولين عنها، وكأنهم يظنون أن قليل من العادات الصحية من وقت لآخر كافٍ بإرضاء غضب وحزن الخلايا المناعية وشكواها الغير مسموعة من الإهمال ليل نهار.


وبسبب هذا الغضب الذي يتملكني و يتنامى بداخلي بسبب الأسلوب المعاكس لمعظم المصريين الذين يظهرون الاهتمام بالجهاز المناعي وفي نفس الوقت يفعلون كل شيء ضده اللهم عندما يتعرضون لعدوي ميكروبية، قررت أن يكون عنوان هذا المقال الصادم "كيف تقضي علي مناعتك" حتي يفيق الناس من غيبوبة استخدام الفهلوة واللامبالاة والشطارة والسطحية واسلوب مشي حالك مع الجهاز المناعي الذي لا يعرف الا الجدية المطلقة وإستراتيجية "أكون أو لا أكون" وقت الحروب واستراتيجية "عليّ وعلي أعدائي" وقت الغضب.

فالجهاز المناعي لا يعرف المُزاح بل هو جهاز جاد جداً ولا يفكر إلا في المصلحة العليا لجميع الأجهزة ككل. ولذلك فهو يختلف تماما عن باقي الأجهزة الأخرى:

· أنسجته موزعة جغرافيا في كل ارجاء الجسم بجوار كل عضو وفي كل ملليمتر تحت الجلد وعند مدخل ومخرج كل فتحات التنفس والغذاء والإخراج.

· يتكون من أكثر من ١٥ نوعاً من الخلايا المناعية يتعاملون سوياً في تعاون وتكامل وتناغم تام وجدية غير عادية فلكل نوع وظيفته المحددة في توقيت محدد ومكان محدد.

· خلاياه المناعية متحركة في جميع ارجاء الجسم من أخمص القدم حتي منبت الرأس وفي الدم وبين الأنسجة باحثة عن كل ما هو غريب وتسلل إلي الجسم.

· خلاياه ساهرة ودوارة ولا تعرف النوم.

· خلاياه متجددة كل يوم بمعني أنها تموت وتجدد نفسها حتي تبقي شابة ويحل محلها خلايا جديدة أكثر شبابا وحيوية.

· تُبقي الخلايا المناعية علي عدد محدود جدا لبعض منها لتصبح خلايا مُعمرة، ولكنها لا تشيخ حاملة في طياتها علامات كل الميكروبات التي خاضت المعارك ضدها لتكون علي أهبة الاستعداد للتعامل معها فور دخولها الحدود مرة أخري، أي خلايا قادرة علي التذكر ببراعة كما تفعل الخلايا العصبية.

هذا باختصار شديد الجهاز المناعي العظيم الذي خلقه الله لكي يحمينا من كل غريب، والذي يغضب من الاهمال وعدم المسئولية والتواكل وينزوي ويضعف ويترك صاحبه فريسة لكل من هب ودب من الميكروبات الغازية.


وبناء علي سلوك الخلايا المناعية المسئول، وسلوك عامة الناس الغير مسئول تجاه الخلايا المناعية رغم كل النصائح والارشادات التي حفظوها عن ظهر قلب، فقد قررت أن أقدم هذه النصائح علي غرار الطريق المعاكس لعل قومي يعقلون. فمن عَقل وأراد خيراً لجهازه المناعي فعليه القيام بعكسها، ومن أراد شراً لخلاياه المناعية فعليه بتنفيذ هذه النصائح بحذافيرها.


وإليكم العشرة نصائح الصادمة:

١- تعود علي السهر ولا تهتم بدورة النوم علي الاطلاق.

٢- احرص علي البقاء متوترا ومهموما وحزينا حتي لو منحك الله كل ما يجعلك سعيدا ولو لبضع دقائق، استغل هذه الدقائق لكي تزيد من شكواك والتعبير عن همومك، ببساطة كن كئيبا.

٣- لا تضحك علي الإطلاق بل احرص علي مظاهر التجهم وبقاء ملامحك غاضبة ورسمية، وألا تتسلل ابتسامة واحدة إلي عينيك أو شفتيك، ببساطة كن قاسيا علي نفسك.

٤- لا تمارس أي نوع من أنواع الرياضة علي الإطلاق، حتي المشي والركض لا تفعله. ببساطة كن كسولا ولا تتحرك كثيرا كلما استطعت.

٥- لا تتناول غذاء صحي علي الإطلاق بل احرص علي أن يكون معظم وجباتك من المعلبات ومن الوجبات الخفيفة السريعة التي تخزن في اكياس المصنوعة من "الفويل" والمعرضة لأشعة الشمس طوال النهار والمضاف اليها كل أنواع المكملات والاضافات الغذائية من المواد الكيميائية المضرة. وإذا استطعت أن تدخن سجائر فلا مانع فسوف يساعدك ذلك علي زيادة قدرتك علي اضعاف جهازك المناعي بسرعة وقوة.

٦- احرص علي عدم تناول الخضروات والفاكهة المتاحة بألوانها الخمسة (الاخضر والاحمر، والاصفر، والابيض، والبنفسجي) في كل موسم وخاصة الخيار والطماطم والفلفل والسبانخ والكوسة والبصل والثوم والليمون والبرتقال، ابتعد عنهم تماما كلما استطعت.

٧- احرص كل الحرص علي عدم تناول الفيتامينات أو العناصر المهمة مثل الحديد والزنك، فهذه المواد معروفة انها مهمة جدا لوظائف الخلايا المناعية ، فاحرص علي تجنبها حتي تستطيع تحقيق هدفك بقوة وببراعة وهو تحطيم القدرات الدفاعية والهجومية لجهازك المناعي.

٨- احرص كل الحرص علي تناول الدهون المشبعة وخاصة النباتية واحرص علي تناول كم كبير من اللحوم الحمراء، وابتعد عن تناول لحوم الأسماك. فقد اثبتت الابحاث العلمية أن كثرة تناول الدهون المشبعة واللحوم الحمراء تضر بشدة بالجهاز المناعي وتجعله ضعيفا، ببساطة لا تهتم بكل ما هو خفيف علي المعدة والأمعاء بل كن قاسيا عليهم وبشدة.

٩- توقف عن تناول المشروبات المضادة للأكسدة، مثل عائلة الشاي والليمون والجنزبيل والكركم والنعناع والينسون والجينجر. فقد اثبتت الأبحاث العلمية أن تناول هذه المشروبات باستمرار يزيل عوامل الاكسدة المُضرة أولاً بأول، وينظف الجسم منها باستمرار لاحتواء هذه المواد علي مواد فعالة مضادة للأكسدة. فكن حريصا علي اهمال كل هذه المشروبات الرخيصة والمتاحة للجميع طوال العام. ببساطة احرص علي زيادة عمليات الأكسدة في جسمك من خلال تناول الغذاء المعلب والسريع والجاهز، وفي نفس الوقت البعد عن تناول مضادات الاكسدة.

١٠- لا تهتم بتناول الزبادي والبر وبيوتك (البكتيريا النافعة) لأنه يحافظ علي توازن وظائف الأمعاء والخلايا المناعية هناك. بل احرص علي عاداتك السيئة من تناول الأدوية بدون استئذان الطبيب، وخاصة المضادات الحيوية. فقد ثَبُتَ علميا من سنوات طوال أن المضادات الحيوية تفقد توازن صحة الامعاء وخلاياها المناعية تماما. ببساطة كن حريصا علي احداث بلبلة بين الخلايا المناعية في الأمعاء.


وبهذا أكون قد قدمت عَشرة نصائح مهمة لمن يتربصون بجهازهم المناعي ويريدون القضاء علي خلاياه المناعية بسرعة وقوة وببساطة. وبنظرة سريعة في الواقع، لاحظت أن معظم المصريين ملتزمون بكل هذه النصائح حتي أصبحت أسلوب حياة معاكس تماما لمًا يجب أن يكون من أسلوب الحياة المطلوب للحفاظ علي الجهاز المناعي وتقويته. ولذلك فلن يجد الكثيرون صعوبة في تطبيق هذه النصائح المدمرة لأنهم بالفعل يقومون بها بإخلاص.


أما من يريد أن يقوي جهازه المناعي والحرص علي وظائفه، فعليه بالقيام تماماً بعكس هذه النصائح العشرة أعلاه، وهو الأمر الذي أشك في أن يطبقه أو يتحمله الكثيرون. فللأسف قد تغلّب اسلوب الحياة الجديد علي اسلوب الحياة السليم. وللأسف اعتاد الناس الشكوى دون أن يطبقوا الحلول رغم علمهم بها مسبقاً.


الأمر في النهاية متروك لكل ذو عقل رشيد، فمن شاء فليهتم بجهازه المناعي للحفاظ علي نفسه وعلي الأخرين، ومن شاء فليهدم جهازه المناعي ليضر بنفسه والأخرين. ولأن صحة المواطن عامةً، وصحة الجهاز المناعي خاصة أمن قومي، اقترح علي أولي الأمر ألا يتركوا العادات الصحية عرضة لاختيار الناس، بل اقترح أن يتم تطبيق العديد من الاجراءات الملزمة التي تضمن الحفاظ علي صحة الجهاز المناعي للأفراد والمجتمع ليكون قويا وقادرا علي صد الغزوات الميكروبية خاصة وقت حدوث جائحة فتاكة مثل جائحة كوفيد. وهناك العديد من الدول التي قامت بالفعل بتطبيق اجراءات صارمة لإلزام الناس علي الحفاظ علي صحتهم، فقد تعلمت بوضوح أن التوعية وحدها لا تكفي في احداث تغييرات سريعة ومهمة في سلوك الناس، بل لا بد من اجراءات مالية أو ادارية.


وكلمتي الاخيرة، حافظ علي جهازك المناعي فهو قطعة منك، ولا تهمله حتى لا يُهملك.


مع خالص تحياتي

ا.د. محمد لبيب سالم

استاذ علم المناعة بكلية العلوم جامعة طنطا

عضو اتحاد كتاب مصر




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد لبيب سالم أستاذ جامعي واديب

تدوينات ذات صلة