"تمثل الإشارات العلمية في القرآن الكريم دعوة عامة ودائمة إلى تحفيز العقل للتفكر وللتأمل والتفكر والبحث العلمي"


الإشارات والمفاهيم العلمية في القرآن الكريم

الطريق إلى البحث العلمي

القرآن الكريم، في اعتقادي الخاص والله أعلم، ليس كتابا علميا في المقام الأول، بل هو كتاب يمثل منهاجا وشريعة لينظم حياة الفرد والجماعة وخاصة الحياة الاجتماعية للناس بكل تفاصيلها. وهو أيضا كتابا مملوء بالعديد من الإشارات والمفاهيم العلمية لتعظيم إيماننا بالله من جهة ولفتح أبوابا واسعة ومحددة للبحث العلمي من جهة أخري بغرض تعمير الكون وتطوير الحياة العملية اليومية وتحقيق رفاهية الإنسان في الأرض.


ولأن الايمان بالله سبحانه وتعالي يتطلب إعمال العقل من خلال التدبر والتأمل في أنفسنا وفي الكائنات الحية وفي الآيات الكونية، ولذلك احتوي القرآن الكريم على العديد من الآيات التي تحتوي على العديد من الإشارات والمفاهيم العلمية المختلفة التي تحفز العقل علي التفكير والتأمل في المعاني العميقة والحكمة الدفينة والمقصودة في هذه الآيات بعيدا عن المعني اللفظي للنقل. وتتنوع هذه الإشارات والمفاهيم من العلمية إلى التاريخية، والجغرافية، والاجتماعية، وغيرها. القرآن على العديد من الإشارات العلمية التي خاطب الله فيها الناس جميعا، وأخرى التي خاطب فيها المؤمنون خاصة. وهذه الإشارات تمثل نظريات علمية يستطيع العلماء المتخصصون في موضوع كل إشارة علمية العمل على اثباتها علميا. كما أن العديد من هذه الإشارات العلمية تحث على البحث العلمي البيني المبني على تعاون التخصصات المختلفة باستخدام المنهج العلمي المناسب.


ففي العديد من الآيات الكريمات يخاطب الله سبحانه وتعالى الناس، والمؤمنين خاصةً، لاستخدام عقولهم بالتدبر والتفكر والتأمل بهدف استكشاف وفهم وبحث الظواهر الطبيعية في الكون عمومًا، وفي النفس البشرية وسائر الكائنات الحية خصوصًا. وما هذه الإشارات العلمية إلا لحث عقل الناس عمومًا والمؤمنين خصوصًا على البحث العلمي ليكون قادرًا على حل المشكلات والتحديات بصورة عملية وعلميّة ومن المصادر الطبيعية المتاحة. نعم، هي دعوة للبحث العلمي في تلك النقاط والتوسع فيها رأسيًا وأفقيًا ليس فقط لمعرفة آيات الله، ولكن أيضًا لإعمار الكون بالعلم، والمعرفة، والصناعة، والتكنولوجيا من أجل رفاهية الإنسان ككل من قِبَل العقل المسلم الواعي وليس المتواكل والمجادل معتمدا على الكلام تاركا أرض الابداع لغير المسلمين لينحصر دور المسلم علي دور التابع المستخدم لصناعة الغير.


واعتبار هذه الإشارات العلمية كنظريات علمية وليس فقط فرضيات له دلالة علمية مهمة ومؤثرة، بل وفارقة لصالح دقة وسرعة الاكتشافات العلمية. فهناك فارق جوهري بين مفهوم النظرية والفرضية في مجال البحث. فعلميا الفرضية تسبق النظرية، فكل نظرية كانت في الأساس فرضية علمية والتي يتم عندما يتم اختبارها واثباتها تصبح نظرية علمية يستند إليها. ولكن الإشارات (المفاهيم) العلمية في القرآن في نظر العالم المؤمن تمثل نظريات (وليست فرضيات) لأنها مبنية على الإيمان المطلق بها حتى قبل اختبارها في المعمل وتأكيد صحتها. ولذلك فالإشارات العلمية تمثل للباحث المؤمن فرصة عظيمة للانطلاق العلمي والاكتشافات العلمية الكبرى عندما يتأمل تلك الإشارات بعيون العالم ليبني عليها فرضيته العلمية وهو مؤمن بها وذلك على عكس الفرضيات الوضعية من قبل العقل البشري والتي بالطبع يقف الباحث أمامها غير متأكد من صحة فرضيتها حتى يتم اثباتها في المعمل.


وقد وردت هذه الإشارات العلمية في القرآن الكريم مرة بأسلوب تقريري "أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِر} (الغاشية: 17: 22).11‏أو خبري للتأمل والتدبر والتفكر كما في قوله تعالي في الآيات من 12-14 من سورة المؤمنون "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ"، ومنها ما جاء بأسلوب الأمر مثل قوله تعالى في الآية 20 من سورة العنكبوت "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير"، ومنها ما جاء بأسلوب الاخباري في المستقبل كما في قوله تعالي في الآية 53 من سورة فصلت "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ"، أو أسلوب استفهامي كما في قوله تعالي في الآية 59 من سورة الواقعة "أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُون", وغيرها من الآيات الكريمات في القرآن الكريم.


ولذلك فأنا أرى أن القرآن الكريم مثل الدستور - مع فارق التشبيه – الذي أنزله الله وبه أساس الشرائع الدينية ومعها العديد من الإشارات أو المفاهيم العلمية والاجتماعية والتاريخية والجغرافية والطبية، والهندسية، والكيميائية، وغيرها. فمن ناحية، يأتي علماء الشريعة ليستنبطو منه ويصيغوا شريعة ومنهاجا وقواعد لأخلاقيات الناس، ومن ناحية أخري، يأتي علماء العلوم التجريبية المختلفة شاملة العلوم الأساسية والتطبيقية من كيمياء، وفيزياء، وعلوم الحياة، والفلك، والطب، والزراعة، والهندسة وغيرها من العلوم التطبيقية لاستشراف الأبحاث العلمية من رحم الإشارات والمفاهيم العلمية والخروج منها بقوانين بعد اثباتها معمليا

وقد يسأل سائل هنا، هل يحتوي القرائن الكريم على أي إشارات للبحث العلمي. والاجابة الصريحة "نعم", فهناك العديد من آيات القران الكريم التي فتح الله الباب من خلالها إلى ضرورة اجراء البحوث العلمية للتنقيب على ظواهر طبيعية بعينها. فهناك الكثير من الإشارات العلمية في القرآن الكريم التي ذكرها الله مرة كإشارة عابرة مثل:


  • صناعة اللبن سورة النحل الآية 66 {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ}.
  • وصناعة العسل سورة النحل الآية 69: "وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ".
  • وخيوط العنكبوت الآية 41 من سورة العنكبوت: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}،
  • وأهمية الماء (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) [المؤمنون: 18] ودوره في خلق الكائنات الحية الآية 30 من سورة الأنبياء في القرآن الكريم، وهي: "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ".
  • وفي إحياء الأرض بعد موتها "وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا" (النحل: 65)، وحركة الجبال "وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ" (سورة النمل، الآية 88)،
  • وغيرها من الإشارات العلمية الخاطفة، ولكنها مبهرة ومضيئة للعقل الذي يستطيع أن يبني عليها مشروعات علمية عملاقة تحتاج إلى فرق بحث علمي بينية تشمل كل التخصصات.


ونجد الإشارات العلمية في مواقع أخرى في القرآن الكريم مفصلة كما ذكر الله سبحانه وتعالي في آيات خلق الكون (السماوات والأرض)، وآيات خلق الإنسان، وآيات خلق الجنين. كما ذكر الله سبحانه وتعالى في بعض الآيات أساس الطريقة العلمية لصناعة السدود (سد يأجوج ومأجوج كمثال) من خلال صهر الحديد والنحاس وصبهم بالطريقة المثلى.


ولم تنحصر دعوة الله سبحانه وتعالى لإعمال العقل عند الأمور والإشارات العلمية وحسب، ولكن امتد الأمر إلى الأمور العلوم الإنسانية في تخصصات التاريخ، والجغرافيا، والقانون، والحساب، والفلك. فهناك العديد من الإشارات التاريخية مثل النصر والهزيمة في الحروب بين فارس والروم (والروم غير الرومان وقد كان القرآن دقيقًا في ذلك)، وكذلك التقلبات التاريخية في ممالك بني اسرائيل وغيرها من الأحداث التاريخية في آيات القرآن الكريم.


ولنا في لقاء سيدنا موسى مع الله سبحانه وتعالى في الوادي المقدس طُوَى المثل. فقد هيأ الله الأسباب (النار) في مكان قريب من موضع سيدنا موسى، ثم نادى عليه ليقترب منه، ثم جعله يدرك أين هو (الوادي المقدس طُوى بسيناء مصر)، ثم عَرّفَهُ بأن هذا المكان مقدس وعليه أن يخلع نعليه. ولم يتوقف الأمر على العلم بالمكان، بل سأل الله سيدنا موسى عما في يديه - وهو يَعْلَمَهُ – بغرض تدريبه على كيفية استخدام العصا (بأمر الله) في المستقبل عندما تتحول إلى ثعبان، وعندما يشق بها البحر، وعندما يضرب بها الحجر لتتفجر ينابيع الماء ليشرب قومه. ولم يتوقف الأمر عند العصا، بل زاد الله من أسئلته لسيدنا موسى ليدربه على كيفية تغيير لون يده واختفاء داء البَرَص الذي كان يعاني منه لتكون آية عندما يقابل فرعون ويطلب منه خروج بني اسرائيل. بل، وافق الله لسيدنا موسى على طلبه الاستعانة بأخيه هارون ليكون له وزيرًا.


كل هذه الأحداث كانت في أول لقاء بين سيدنا موسي والله سبحانه وتعالى، والتي تعطينا المثل والدافع بأن نكون موضوعيين، وعمليين، ومدربين، وبألا نخجل من طلب العون كما فعل سيدنا موسى وهو نبي الله وكليمه. أما المجادلون فلا يفلحون حتى ولو كانت نيتهم في النهاية الإيمان بالله. ولنا في ذلك المثل في قصة البقرة التي جادل فيها قوم سيدنا موسى كثيرًا ولم ينصاعوا لأمر الله بذبحها، ولم يفعلوا إلا بعد مجادلات طويلة عن لونها ووصفها بدقة. وكذلك في قصة المائدة من السماء التي طلبوها من سيدنا موسى كنوع من الجدال والعناد، وكذلك جدالهم في نوع الطعام وطلبهم المن والسلوى، وأيضًا جدال بني اسرائيل سيدنا داوود (طالوت) عند عبورهم النهر معه، وغيرها من القصص التي تبين الفرق بين المؤمن العملي، والموضوعي، والمؤمن المجادل بالكلام وقت العمل.


وكذلك الإشارات الجغرافية الذي ذكرها الله وجعلها معلومات مفتوحة (غير محددة الأماكن) لنبحث فيها، مثل ملتقي النهرين في قصة سيدنا موسي والخضر، ومثل عين الحمأ في قصة ذي القرنين، وكما في مكان سد يأجوج ومأجوج، وكما في البحر الذي تم فلقه نصفين في قصة خروج سيدنا موسى من مصر، الوادي المقدس طُوى، وطور سيناء، ومكان يأجوج ومأجوج، ومكان قوم عاد وثمود، وبناء الكعبة، وغيرها من الأماكن الجغرافية التي ذكرها الله وتركها مفتوحة للبحث العلمي فيها.


وقد امتدت الدعوة إلي اعمال العقل في القرآن إلي مجال التنمية البشرية ومنها العلاقة بين الأب وابنه كما في وصايا لقمان لابنه، وبين الابن ووالديه كما في آيات البر والتوصية بالوالدين، وكما في تعارف الشعوب والقبائل، وبين التلميذ والأستاذ والعكس كما في قصة سيدنا الخضر وسيدنا موسي، وبين الأخ وأخيه كما في قصة سيدنا موسي وسيدنا هارون، وبين القائد وعامة الناس كما في قصة سيدنا محمد وسيدنا عبد الله بين مكتوم (الأعمى) عندما عبس في وجهه بدون قصد سيدنا محمد، وغيرها من القصص المهمة مثل قصة حادثة الإفك وكيفية تعامل الزوج مع زوجته في حال اتهام الآخرين لها في سمعتها، وبين الإخوة وبعضهم البعض كما في قصة سيدنا يوسف وإخوته، وفي مواقف الإغراء كما في قصة سيدنا يوسف وزليخة امرأة العزيز، وكيف يدار الحوار العقلاني كما في قصة سيدنا موسي وفرعون من ناحية وفي حوار الرجل المؤمن وفرعون من ناحية أخرى، وغيرها من المواقف التي تحث على تنمية الذات وتطويرها.


وهكذا نرى أن الله سبحانه وتعالى جعل من القرآن دستور شامل لحياة المؤمن يعتمد على العقل وليس النقل، العقل الذي هو أثمن عضو في الجسم الذي لم يستطع الإنسان سوي فك بعض من شفراته بعد ما يزيد عن ٥٠ ألف سنة، العقل المنوط بالتأمل في المفاهيم العلمية المذكورة في القرآن، العقل الذي خلقه الله وعلم آدم به الكلمات لكي يعي مخلوقات الله ويكون قادرًا على فهمها وإدراكها والبحث فيها.


ولذلك، أودع الله العقل في جمجمته في مكان فوقي بعيدًا عن باقي أعضاء الجسم، وجعله مكونًا من خلايا لا تشيخ إلا إذا مرضت، خلايا خاصة في تركيبها ووظيفتها، خلايا تزداد إمكانيتها وعمقها كلما زاد العمر، خلايا تفكر لنفسها وللخلايا الأخرى، خلايا هي في حد ذاتها معجزة كبرى تحتاج آلاف المعامل لفك ولو جزء قليل من شفرتها العقلية.


ومن منطلق خصوصية دور العقل، ومن منطلق دعوة الله لنا بطريق مباشر وغير مباشر على إعمال العقل وعلى البحث العلمي، تأتي المسئولية الكبرى كتكليف إلهي على كل مؤمن بأن يسعى بشدة وعن نية لإعمال العقل كل في ميدان كل على قدر علمه وعمله وتخصصه وبطريقة عملية وليس فقط نظرية. وتبقي المسئولية الأكبر على عاتق العلماء المتخصصون في العلوم الأساسية والتطبيقية ليتأملوا ويتدبروا هذه الإشارات والمفاهيم العلمية في كل عصر طبقا للغة العلمية والأدوات والمعارف العلمية المتاحة في كل عصر، وذلك من أجل التجديد المعرفي للعامة بما يتناسب مع التقدم العلمي والتكنولوجي المعاصر. ويتطلب ذلك التواصل الفعال والمستمر بين علماء الدين وعلماء العلوم الأساسية والتطبيقية حتى يحدث تناغم وتجديد في التفسيرات الدينية أخذا في عين الاعتبار التفسيرات العلمية الجديدة.


وعملية التجديد المعرفي هذه لا تتعارض مع المعاني العميقة والدفينة في المفاهيم العلمي في القرآن لأن العلم بطبعه متجدد ومتغير، ولكن كل تجديد أو تغير سيفيد المفهوم العلمي القرآني، وذلك لأن الله جعله في صورة مفهوم يعطي الأساس العلمي مع ترك الباب مفتوحا ليستوعب التقدم العلمي في كل عصر حتى يعلمنا الله ويحثنا على استعمال العقل والوسائل المتاحة في تنفيذ الأعمال في أفضل صورة. وإعمال العقل هنا ليس معناه الوقوف على التفكير النظري في النفس وفي الكون، ولكن الأهم هو الابداع في التفكير وتحويله من أفكار إلي منتج عملي من خلال بحث علمي رزين.


فالعقل هو جوهر الدين، فكل الكائنات سواء حية أو جامدة تسبح لله وتدعوه، ولكن يبقي الإنسان متفردًا عن باقي مخلوقات الله بقدرته على العمل والتسبيح وليس التسبيح فقط. ثم يأتي تفرد العلماء خاصة في دورهم في البحث العلمي ولذلك جعلهم الله دون غيرهم ورثة الأنبياء لأنهم هم العارفون بالله من خلال البحث العلمي في آيات خلقه. ولذلك، فإن استخدام العقل في الأمور السطحية التابعة التي تشوه فكر الإنسان وسلوكه وتضيع وقته وشخصيه وهويته المسلمة والمؤمنة لهو إثم كبير يُغضب الله سبحانه وتعالى أيما غضب.

الخلاصة:

تمثل الإشارات العلمية في القرآن الكريم دعوة دائمة إلى تحفيز العقل للتفكر وللتأمل والتفكر والبحث العلمي بأسلوب علمي مبني على قاعدة علمية يرشدنا إليها الله سبحانه وتعالي. وتؤكد ورود هذه الإشارات في القرآن الكريم أن الإسلام دين يشجع على البحث العلمي والاكتشاف، كما أن هذه الإشارات العلمية تعزز الإيمان بعظمة الخالق وتحقق التوازن بين العلم والدين واثبات الإعجاز القرآني.


وكما فعل العلماء المسلمون الأوائل مثل الرازي والطبري بتفسير بعض الظواهر العلمية المذكورة في القرآن الكريم بأسلوب عصري نسبيًا. فهناك ثلة من العلماء المعاصرون من يسيروا على هذا النهج وربط الآيات والاكتشافات العلمية الحديثة، الأمر الذي يحتاج المزيد نظرا للتقدم العلمي والتكنولوجي الهائل الذي يحدث كل دقيقة، ولكن مع التأكيد على ضرورة الحذر من ليّ النصوص أو التكلف في تأويلها.


ومن الفوائد الكبرى للتدبر والتفكر في الإشارات والمفاهيم العلمية في القرآن الكريم تحفيز اعمال العقل العربي وهي القضية التي تشغل المفكرين العرب منذ عقود طويلة من أجل التخلص من التبعية العلمية، والثقافية، والتكنولوجية، والمعلوماتية للغرب الذي قفز قفزات علمية وتكنولوجية كبري نتيجة اعمال العقل ليل نهار ومن قبل الكبار والصغار، وحتى نكون قادرين على صناعة جيلًا جديدًا يعتمد في أقواله وأفعاله على البحث العلمي والمعرفة كما أراد الله.


د. محمد لبيب سالم

أستاذ علم المناعة كلية العلوم جامعة طنطا

وكاتب وروائي وعضو اتحاد كتاب مصر



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد لبيب سالم أستاذ جامعي واديب

تدوينات ذات صلة