أَبُو القَاسِم مُحَمَّد بنِ عَبد الله بنِ عَبدِ المُطَّلِب رسول الله إلي الإنس والجن"


منذ صغري وأنا عاشق لقراءة التاريخ ، وكانت حصة التاريخ بالنسبة لي هي أمتع الحصص في جميع المراحل الدراسية. وكان كتاب التاريخ - خاصة الصف الأول الثانوي -هو من أقرب الكتب لي التي كنت أحتفظ بها لمدة سنوات حبا فيها. ففي قراءة التاريخ أستطيع أن أري جوانب القوة والضعف في الشخصية. وقد تختلف مع الشخصية أو تتفق حسب الموقف وحسب قناعاتك الشخصية. وكثيرا ما انبهرت بمواقف بعض الشخصيات في مراحل معينة من حياتها وسرعان ما ينقلب هذا الانبهار إلي ضده بمجرد أن أقرأ مواقف أخري في حياته..

ولكن ما من مرة قرأت فيها جزء من سيرة الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم في أي مرحلة من مراحل حياته إلا وتملكني الإعجاب والتوافق عن اقتناع بقراراته ومواقفه سواء تجاه أصحابه أو أهله وعشيرته أو الأغراب ولو كانوا من غير ملته. ويتملكني هذا الإعجاب علي طول الخط من قبل بعثته ونزول الوحي عليه منذ أن كان طفلا ثم صبيا أو شابا كما حدث في واقعة رفع الحجر الأسود لمكانه بالكعبة عندما احتكم إليه كبراء قريش قبل أن يتحول الخلاف بينهم إلي قتال. وكذلك حينما اكتشفت الجميع بعد وفاته صلي الله عليه وسلم رهانه لدرعه عند أحد اليهود في المدينة مما يدل علي العلاقة الإنسانية الرائعة فعلا وليس كلاما.

وما بين سيرته قبل البعثة ووفاته صلي الله عليه وسلم الكثير من المواقف التي تجعلني أقف إجلالا واحتراما وتقديرا لشخص الرسول الكريم بجانب حبي الكبير له. فلا أنسي موقفه من أحد أهل قريش ممن إعتاد أن يؤذي الرسول عمدا بوضع القاذورات علي ظهره أثناء الصلاة لنتفاجأ بالرسول يسأل عنه عندما مر يوم أو يومان دون إيذاء. ولا أنسي موقفه من صبره وجلده عندما تم محاصرته هو وأصحابه وأهل بيته في شعاب مكة بالرغم من الظلم الواضح عليه ولكنه صبر من أجل مبدأه وقناعته. ولا أنسي إصراره علي النجاح رغم الأذى الشديد من أهل الطائف عندما سألهم العون واللجوء إليهم هو وأصحابه من بطش قريش ولكنه لم يدعُ عليهم بالرغم من تعمدهم إيذاءه نفسيا ورده ردا مهينا


..ولا ننسي ما حدث له في الطائف الذين أنكروا دعوته بشدة ورفضوا الإيمان برسالته بل انهالوا عليه بالسب هم وأهل الطائف. ووصل الأمر أن رموه بالحجارة على قدميه الشريفتين حتى أدموا قدميه وسال منهما الدم. وظلوا يلاحقونه بغلظة حتى وصل إلى بستانٍ لعُتبة وشيبة فدخل فيه هو وغلامه زيد يختفيان من ملاحقة أهل الطائف. وهناك دعا الرسول الكريم ربه دعاء مؤثرا تنخلع له القلوب. وهو يمسح الدماء عن وجه الكريم. ولك أن تتخيل نفسك في هذه الظروف الشديدة الصعوبة وأنت تعلم أنك نبي الله.


ولا أنسي موقفه منذ دخوله المدينة وطريقة معالجته للأمور بين المهاجرين والأنصار من ناحية وبينه وبين اليهود من ناحية أخري. فكم كان حكيما عندما أمر الناقة أن تختار مكان المسجد عندما رأي تنافسا شديدا واختلاف في الآراء قد يؤدي إلي فرقة غير مقصودة. ولا أنسي حكمته البالغة في عقد المعاهدات مع اليهود من بني قريظة علي سبيل المثال. ولا أنسي كيف كان يوزع الأدوار بين الشباب في قيادة الجيوش في الغزوات والأخذ برأي ومشورة الجميع في التخطيط كما حدث مع سلمان الفارسي في غزوة الخندق والتي سميت علي اسم فكرة سلمان في حفر الخندق حول المدينة كنوع من الدفاع الذكي.


ولا أنسي موقفه العاقل والحكيم من حادثة الإفك التي أوذي فيها نفسيا عظيمة بسبب الإشاعة المغرضة التي ألقاها عبد الله بن أبي بن سلول في شرف زوجة الرسول السيدة عائشة. ولا أنسي أبدا صداقته المخلصة لسيدنا أبو بكر وحبه له ليكون رمزا خالصا مدي الدهر لصديقه. ولا أنسي كم كان صلي الله عليه وسلم حنونا علي أصحابه مؤلفا بين قلوبهم ومتواضعا جل التواضع بلا أدني تكبر.

ولا أنسي موقفه في صلح الحديبية عندما قبل وهو الأقوى شروط قريش المجحفة حينئذ والتي لم يرض عنها معظم الصحابة ولكنه بحكمته البالغة وافق علي الشروط والتزم بها كما أرادت قريش. ولا أنس موقفه يوم فتح مكة عندما جاءها بأصحابه منتصرا بإذن الله ولكنه لم يهين أو يؤذي أهله في قريش بل علي العكس أكرم أبو سفيان العدو اللدود وجعل كل من يقصد داره في مأمن ليعطي مثلا رائعا في العلاقات الإنسانية حتي بين المسلم والمشرك.

وهناك الكثير والكثير من المواقف التي لا يتسع لها المجال وتحتاج صفحات وصفحات ومجلدات لكي نقدمها لنبرهن علي الأسباب التي تجعلني دائماً منبهرا بشخص الرسول علي طول الخط. حتي في اللحظات والمواقف النادرة التي عاتبه فيها الله مثل إعراضه وبنية طيبة وبغرض المصلحة العامة عن ذلك الرجل الكفيف عبد الله بن أم مكتوم الذي جاءه ليسأل عن شيء في الإسلام فأعرض عنه الرسول برهة لانشغاله ببعض المشركين لإقناعهم بالإسلام. فقد كان إعراض الرسول مؤقت ومن أجل المصلحة العامة من أجل تقوية شوكة المسلمين بسعيه لضم مسلمين جدد..


وهكذا نظل نتعلم من الرسول الكريم الحكمة والموعظة والحنكة وحسن المعاملة مع القريب والبعيد والصديق والعدو ليصبح الإنسان بين الناس وكأنه ولي حميم.


صلي الله عليك يا خير الأنام.


تحياتي

د. محمد لبيب سالم



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد لبيب سالم أستاذ جامعي واديب

تدوينات ذات صلة