"حسب اعتقادي الشخصي، أظن أن الأحلام تمثل بخر العقول وتفريغ لشحناتها السلبية أو الإيجابية سواء بطريقة منظمة أم عشوائية".
"إن العقل وحده، وليس الكمبيوتر، هو الذي يحلم".
هناك احلام تحدث مرة واحدة واحلام تتكرر. فهل وراء التكرار سبب نفسي أو جسدي أو محض الصدفة!!. فقد اتضح أن حدوث نفس الحلم مرارًا وتكرارًا قد يعكس بالفعل حالة نفسية يعبر عنها العقل بطريقته. وظاهرة الأحلام المتكررة بنفس السيناريوهات هي ظاهرة معروفة عند العديد من الناس.
احصائيا، وجد أن ما يقرب من ثلثي البشر يعانون من حدوث الأحلام المتكررة بسيناريوهات نموذجية ومتشابهة مثل المطاردة، أو العثور على نفسك عاريًا في مكان عام أو في وسط كارثة طبيعية، أو فقدان أسنانك أو نسيان الذهاب إلى الفصل لفصل دراسي كامل. لكن من أين تأتي هذه الظاهرة؟
يُظهر علم الأحلام أن تكرار الأحلام قد يعكس صراعات غير محلولة في حياة الحالم. وغالبًا ما تحدث الأحلام المتكررة في أوقات التوتر، وقد تتكرر بنفس أحداثها على مدى فترات طويلة من الزمن، وأحيانًا عدة سنوات أو حتى مدى الحياة. ولا يقتصر الأمر على أن هذه الأحلام لها نفس الأحداث فحسب، بل يمكنها أيضًا تكرار نفس الحلم ليلة بعد ليلة. فهل من الممكن أن التعامل مع الأحلام المتكررة كعلامات تعكس الحالة النفسية أو الجسدية لصاحبها وبالتالي تتطلب تدخل علاج طبي أو نفسي!!!
وعلى الرغم من أن المحتوى الدقيق للأحلام المتكررة يختلف من فرد إلى فرد، إلا أن هناك موضوعات مشتركة بين الأفراد وحتى بين الثقافات في أزمنة مختلفة. فعلى سبيل المثال، من بين السيناريوهات الأكثر شيوعًا، أن تحلم بأنك مطاردًا من شخص ما، أو بالسقوط من مكان مرتفع، أو بعدم الاستعداد للامتحان، أو بالوصول متأخرًا عن موعدٍ مهم، أو الفشل في القيام بشيء ما بشكل متكرر.
وغالبا ما تحتوي معظم الأحلام المتكررة على محتوى سلبي من المشاعر مثل الخوف والحزن والغضب والشعور بالذنب. ووجد أن أكثر من نصف الأحلام المتكررة تنطوي على موقف يكون فيه الحالم في خطر. لكن بعض السمات المتكررة يمكن أن تكون إيجابية أيضا، بل ومبهجة، كأن تحلم باكتشاف غرفًا جديدة في المنزل. أو قد تكون الأحلام مثيرة كأن نحلم بأننا نطير ونحلق في المكان الذي نعيش فيه أو مكان آخر.
وفي بعض الحالات، قد تبدأ ظاهرة الأحلام المتكررة في الطفولة وتستمر حتى مرحلة البلوغ. وقد تختفي هذه الأحلام لبضع سنوات، ثم تعاود الظهور عندما يظهر مصدر جديد للتوتر، ثم تختفي مرة أخرى عندما ينتهي هذا المصدر أو يختفي.
وكثيرا ما تسائل الناس عن سبب تكرار الأحلام وهل يعكس الواقع الذي يعيشه الحالم؟ ولماذا يحلم دماغنا نفس الأحلام مرارًا وتكرارًا؟ ومع أن الإجابة المُثلي غير معروفة بعد، إلا أن العديد من الدراسات تشير إلى أن الأحلام، بشكل عام، تساعدنا على تنظيم عواطفنا والتكيف مع الأحداث المُجهدة. فقد تؤدي الأحداث العاطفية في الأحلام للحالم بمعالجة حدث مؤلم أو صعب. وقد يمثل المحتوى في حالة الأحلام المتكررة محاولة فاشلة لدمج هذه التجارب الصعبة في الواقع. فقد اتفقت العديد من النظريات على أن الأحلام المتكررة مرتبطة بصعوبات أو صراعات لم يتم حلها في حياة الحالم. كما ارتبط وجود الأحلام المتكررة بانخفاض مستويات الصحة النفسية ووجود أعراض القلق والاكتئاب. ولذلك تميل هذه الأحلام إلى التكرار خلال المواقف العصيبة، وتتوقف عندما يحل الشخص نزاعه الشخصي، مما يشير إلى تحسن الرفاهية.
وغالبًا ما تعكس الأحلام المتكررة بشكل مجازي المخاوف العاطفية للحالمين. على سبيل المثال، الحلم بفيضان أو بركان أو اعصار مثل "تسونامي" أمر شائع بعد الصدمة أو سوء المعاملة. هذا مثال نموذجي للاستعارة التي يمكن أن تمثل مشاعر العجز أو الذعر أو الخوف التي نشهدها في حياة اليقظة. وبالمثل، فإن ارتداء ملابس غير لائقة في حلم المرء، أو أن تكون عارياً أو غير قادر على العثور على مرحاض، يمكن أن يمثل جميعها سيناريوهات الإحراج. ويمكن اعتبار هذه الموضوعات على أنها نصوص أو سيناريوهات جاهزة للحلم توفر لنا مساحة يمكننا من خلالها استيعاب مشاعرنا المتضاربة. يمكن إعادة استخدام النص نفسه في مواقف مختلفة حيث نشعر بمشاعر متشابهة.
فبعض الناس، عندما يواجهون موقفًا مرهقًا أو تحدًا جديدًا، قد يحلمون بأنهم يظهرون غير مستعدين لامتحان الرياضيات، حتى بعد سنوات من دخولهم المدرسة. على الرغم من اختلاف الظروف، إلا أن شعورًا مشابهًا بالتوتر أو الرغبة في التفوق يمكن أن يؤدي إلى نفس سيناريو الحلم مرة أخرى. وقد يصل الأمر إلى أن نحلم بالفشل في تحقيق أمنية كبيرة مثل العمل في وظيفة ما بالرغم من أننا في الواقع حصلنا على هذه الوظيفة. أو نحلم بخيانة الزوج أو أحد الأصدقاء بالرغم من عدم وقوع الخيانة ولكن قد يكون من الحساسية المفرطة لوقوع الخيانة أو نتيجة لشعور الشك بحدوث الخيانة أو نتيجة حدوث مواقف بسيطة أو سماع اشاعات في موضوع الخيانة سواء كانت على شريك الحياة أو آخرون.
ويفترض بروفيسور ويليام دومهوف، وهو الباحث وعالم النفس الأمريكي المعروف، أن مفهوم سلسلة التكرار في الأحلام، تؤدي في النهاية إلي الكوابيس المؤلمة بسبب إعادة حدوث صدمة في الواقع - وبالتالي يمثل تكرار الحلم أحد الأعراض الرئيسية لاضطراب ما بعد الصدمة النفسية. فنادراً ما تعيد الأحلام المتكررة عرض حدث أو صراع بشكل مباشر، على عكس المحتوى الدقيق للحلم الذي يختلف من وقت لآخر، مثل التأخر عن القطار بدلاً من الامتحان. كما أن بعض عناصر الحلم تتكرر في أحلام فرد واحد، مثل الشخصيات أو الأفعال أو الأشياء. كل هذه الأحلام ستعكس، على مستويات مختلفة، محاولة لحل بعض المخاوف العاطفية. ولذلك غالبًا ما يكون الانتقال من مستوى مكثف من أحداث الحلم إلى مستوى أدنى في سلسلة التكرار علامة على أن الحالة النفسية للشخص تتحسن.
والسؤال الآخر المهم هو، لماذا تميل سمات الأحلام المتكررة إلى أن تكون هي نفسها من شخص لآخر؟ أحد التفسيرات السيكولوجية المحتملة هو أن بعض هذه النصوص قد تم الحفاظ عليها في البشر بسبب الميزة التطورية التي يجلبونها. من خلال محاكاة موقف مهدد، فإن حلم المطاردة، على سبيل المثال، يوفر مساحة للشخص لممارسة إدراك الحيوانات المفترسة والهرب منها أثناء نومهم. ويمكن أيضًا تفسير بعض الموضوعات الشائعة، جزئيًا، من خلال الظواهر الفسيولوجية التي تحدث أثناء النوم. وجدت دراسة أجراها فريق بحث في إسرائيل عام 2018 أن الحلم بفقدان أسنان المرء لا يرتبط بشكل خاص بأعراض القلق ولكنه يرتبط بصرير الأسنان أثناء النوم أو عدم الراحة في الأسنان عند الاستيقاظ.
وقد يكون التفسير العلمي وراء ذلك أنه عندما ننام، فإن دماغنا لا ينقطع تمامًا عن العالم الخارجي، فالعقل يستمر في إدراك المحفزات الخارجية، مثل الأصوات أو الروائح، أو أحاسيس الجسم الداخلية. وهذا يعني أن الأحلام الأخرى، مثل عدم القدرة على العثور على مرحاض أو التعري في مكان عام، يمكن أن تكون مدفوعة في الواقع بالحاجة إلى التبول أثناء الليل أو من خلال ارتداء بيجاما فضفاضة في السرير. كذلك بعض الظواهر الجسدية الخاصة بالنوم العميق (REM) sleep Rapid Eye Movement Sleep، وهي مرحلة النوم التي نحلم فيها أكثر من غيرها، يمكن أن تلعب دورًا أيضًا. ففي نوم حركة العين السريعة، تكون عضلاتنا شبه مشلولة، مما قد يثير الأحلام بوجود أرجل ثقيلة أو الإصابة بالشلل في الفراش.
وبالمثل، اقترح بعض المؤلفين أن أحلام السقوط أو الطيران ناتجة عن نظام التوازن المسئولة عنه الأذن Vestibular System ، مما يساهم في اعادة التوازن ويمكن إعادة تنشيطه تلقائيًا أثناء نوم حركة العين السريعة. بالطبع، هذه الأحاسيس ليست كافية لتفسير تكرار هذه الأحلام لدى بعض الناس وحدوثها المفاجئ في أوقات التوتر، لكنها على الأرجح تلعب دورًا مهمًا في بناء أحلامنا النموذجية.
ولأن الأشخاص الذين يواجهون كابوسًا متكررًا يصبحون من بعض النواحي عالقين بطريقة معينة في الاستجابة لسيناريو الحلم وتوقعه، فقد تم تطوير علاجات لمحاولة حل هذا التكرار وكسر الحلقة المفرغة للكوابيس. تتمثل إحدى التقنيات في تصور الكابوس أثناء الاستيقاظ ثم إعادة كتابته، أي تعديل السرد عن طريق تغيير جانب واحد، على سبيل المثال، نهاية الحلم إلى شيء أكثر إيجابية. قد يكون الحلم الواضح حلاً أيضًا. ففي هذه الحالة ندرك أننا نحلم ويمكن أن نؤثر في بعض الأحيان على محتوى الحلم. وقد يسمح لنا ذلك أن نكون متفاعلين في الحلم المتكرر بالتفكير بشكل مختلف مع الحلم وبالتالي تغيير الطبيعة المتكررة له.
ومع ذلك، ليست كل الأحلام المتكررة سيئة في حد ذاتها. يمكن أن تكون مفيدة بقدر ما تخبرنا عن نزاعاتنا الشخصية. يمكن أن يكون الاهتمام بالعناصر المتكررة في الأحلام وسيلة لفهم وحل رغباتنا وعذاباتنا بشكل أفضل.
المقال الأصلي الذي تم ترجمته للكاتبة كلوديا بيكار ديلاند ، باحثك لدكتوراه في علوم الأعصاب ، جامعة مونتريال وتوري نيلسن ، أستاذ الطب النفسي ، جامعة مونتريال.
https://www.sciencealert.com/
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات