كثيراً ما يجول في خاطرنا أننا بدانا في طريق وحينما لم نكمله نتهم أنفسنا بالفشل ونبدأ بجلد الذات ولربما كان هذا الوقت القصير كافياُ في مسيرتنا لنتعلم ...
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وأشهد ان لا إله إلا الله حده لا شريك له وأشهد ان محمدا عبده وررسوله ...
كثيراً ما يجول في خاطرنا أننا بدانا في طريق وحينما لم نكمله نتهم أنفسنا بالفشل ونبدأ بجلد الذات ولربما كان هذا الوقت القصير الذي قمنا بما قمنا به فيه قد كان كافياُ في مسيرتنا لنتعلم هذا الشيء ولربما لم يكن الوقت المناسب للتعلم أصلا لكن حينها لابد أن نوقن بأننا بذلنا الجهد وتعبنا فلن يضيع هذا هباءاً منثورا.
وهنا ندرك هذا المعنى أنه حقاً ! ما لا يدرك كله لا يترك جله .
هذه قاعدة الفقهية تعني بلسان الفقهاء والأصوليين :
" إن قاعدة "ما لا يدرك كله لا يترك جله" مفادها: أنه إذا تعذر حصول الشيء كاملاً، وأمكن المكلف فعل بعضه، فإنه يفعل المقدور عليه، ولا يترك الكل بحجة عجزه عن بعضه، لأن إيجاد الشيء في بعض أفراده- مع الإمكان- أولى من إعدامه كلية"
و تأتي أهمية هذه القاعدة من جهة اتساع مجال إعمالها، إذ يندرج تحتها مسائل كثيرة من أبواب شتى، لكونها تتعلق بالمأمورات الشرعية التي هي تمثل غالب التكاليف الشرعية، و قد روعي في امتثالها قدرة المكلف، و التدرج بحسب استطاعته، بالانتقال من الحال التي يعجز عنها إلى الحال التي يطيقها.
و يعد أقدم من صرح بذكرها ـ فيما وقفت عليه ـ هو الملا علي القاري في كتابه " المرقاة شرح المشكاة ".
و قد جاء في معناها : القاعدة الشهيرة " الميسور لا يسقط بالمعسور " إذ يتمثل فيهما جانب التيسير و التخفيف، غير أن قاعدة " ما لا يدرك كله لا يترك جله " أوسع في مجال التفريع، إذ تشمل ما هو لازم و ما ليس بلازم من ندب و إباحة، بل تتجاوزه إلى ما يجري مجرى الأخبار.
كما أن لها صلة بقواعد فقهية أخرى : منها ما يتفق معها دلالة و معنى، و منها ما يقاربها في ذلك، أو يشاركها في بعض ما تدل عليه (1) .
هذه مقولة لم أسمعها ولم أتعلمها إلا من اهل العلم وأهل الديانة وأهل الإيمان ! وهذا من بركة العلم وأهله وصحبة أهل الصلاح والفلاح جعلنا الله وإياكم منهم.
في يوم وقد خرجت لأحدى الصلوات المكتوبة والشمس في كبد السماء وقد تأخرت ولا حول ولا قوة إلا بالله بسبب الطريق وزحمته وأدركت بفضل الله الجماعة الأولى في المسجد.
وخرجت وقابلت احد الشباب وقد كان لنا طبيعة حال في السلام والكلام فقلت له مذكرا الصلاة يا فلان ! فنظر خجلا وقال لقد صلى الناس وقد انتهت الصلاة ، يعني ربما يكون قد أغلق المسجد .
فقلت فلتلحق فمازال الوقت متاح والمسجد مفتوح !
ونظرت له وإذ به قد أخذ قرارة بفتح محله فأبتسمت وانصرفت.
ولم أكن أعلم إني سأستصحب هذا المشهد معي في موقف وسيكون له أثر ففي المساء وأنا أقضي بعض حاجات البيت وقد توقفت عند صاحب محل كاوتش السيارات وبدأ في صيانة الكاوتش وبدانا في تجاذب أطراف الحديث عن الحياة والوضع الايماني لنا وتطرقنا لمواضيع كثيرة ثم طرأ المشهد وأصبح جلياً.
حينما جاءت تلكم القاعدة قاعدة "ما لا يدرك كله لا يترك جله" فإن الإنسان في كل أمور حياته مطالب بالعمل بتلك القاعدة!
فإن تحقيق الكمال مبتغى أولى المطالب، ومطمح كل سالك، وإن كمال الشيء بحصول جميع صفاته الخاصة به، وصدور آثاره المقصودة منه (٢)، وبقدر نقصانه من ذلك يفوته الكمال، ويتضاءل عن رتبة التمام، ولكن يبقى منه ما بقي له من الصفات والآثار، ولا ريب أن هذه الحال خير من زواله كلية، فإن حصول المقصود من الشيء في بعض أفراده -مع الإمكان- أولى من فَقْدِه على وجه الكمال.
ولم يكن هذا الأمر بمنأى عن نظر الشارع الحكيم، فإنه في باب التكليف لم يطالب المكلفين إلا بما هم مطيقون له قادرون عليه، دون أن يلحقهم فيه حرج أو مشقة فمن قَدر على ما كُلِّف به لزمه فعله، ومن عجز عن بعضه، انتقل من حال التمام التي يعجز عنها إلى التي أدنى منها ويطيقها. قال تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة: ٢٨٦] ، وقال: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: ١٦] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) متفق عليه (٣)
هذا تأكيدا على أن الإنسان يفعل الطاعات بالطريقة المتاحة له والتي يستطيع أن يؤدي بها ما عليه ولا يفرط فيها ولا يضيعها .
وهذا الشاهد من المشهد فهذا الشاب الذي فتح محله ، إذا فكر في تلك القاعدة فكان اولى به أن يذهب للمسجد فقد يحصل جماعة أخرى أو يصلي منفردا حتى بدلاً أن يضيع الفرد بالكلية وللعلم فإن الفروض الأصل فيها العمل الأكد الوجوب فلست هنا أفرض قاعدة فقهية بالتخيير فيما أفترضه الله حاشا لله ، وإنما هي نظرة تأملية في المشهد لننظر كم نضيع من فرص " فروض وواجبات ومستحبات ....".
فهناك من أراد أن يدرس شيء معين أو يتعلم شيء معين " علم ، صنعة ،.." فالكثير الكثير إن لم تتوافر لها جميع الإمكانات المادية والمعنوية فإنه يترك الأمر كله ولربما كانت له منفعة دينية ودنيوية إن حصل جزء يسير من العمل والإقدام عليه ،
وهذا إذا جال بخاطره في القاعدة لفعل وفعل وأجتهد.
إذاً فهذه القاعدة باعث على العمل والعلم والعبادة ... باعث على الخيرية .
يقول الشيخ توفيق الصائغ حفظه الله في تدوينة له عبر برنامج التواصل الاجتماعي تويتر
يريد أن يوضح أن الأمر يسير ويراعي طبيعة البشر لا أنه معقد بل أن يزن الإنسان الأمر بلا إفراط ولا تفريط .
لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) (الحديد).
في النهاية هذه المقولة تفتح الأفق لباب الجد والإجتهاد والعمل .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) (الأنفال).
في تفسير القرطبي لللآيات:
"ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول هذا الخطاب للمؤمنين المصدقين بلا خلاف . والاستجابة : الإجابة . و يحييكم أصله يحييكم ، حذفت الضمة من الياء لثقلها . ولا يجوز الإدغام . قال أبو عبيدة : معنى استجيبوا أجيبوا ; ولكن عرف الكلام أن يتعدى استجاب بلام ، ويتعدى أجاب دون لام . قال الله تعالى : ياقومنا أجيبوا داعي الله . وقد يتعدى استجاب بغير لام.
استجيبوا . المعنى : استجيبوا لما يحييكم إذا دعاكم .
يحييكم ، أي يحيي دينكم ويعلمكم . وقيل : أي إلى ما يحيي به قلوبكم فتوحدوه. (٤)
"وقال هنا أستجيبوا ولم يقل أجيبوا أي عليكم ببذل الوسع والسعي والإجتهاد ، إلتسموا الهداية ولو حتى بالمشي في الطرقات "
"نخرج هنا أيضا ونجمع بين أمرين بإن الإستجابة بهذه الطريقة والعمل ولو بالقليل مع المداومة عليه لكان خيرا "
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70) (النساء)
فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ُسِئَل: أيُّ العملِ أحبُّ إلى الله؟ قال: (أدومه وإن قل). (5)
وكان عمله ديمة صلى الله عليه وسلم
قُلتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: هلْ كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَخْتَصُّ مِنَ الأيَّامِ شيئًا؟ قالَتْ: لَا، كانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وأَيُّكُمْ يُطِيقُ ما كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُطِيقُ؟!(٦)
وفي الختام نصلي على النبي العدنان ونذكر بالغاية إن الله أبتعثنا لنخرج من يشاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة .
الثلاثاء
9 – سبتمبر – 2022
13 صفر 1444
المصادر:
1- الصرامي، عبد اللطيف بن سعود بن عبد الله - مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية : العلوم الشرعية و العربية- المجلد 2008، العدد 6 (31 يناير/كانون الثاني 2008)73ص. / " قسم أصول الفقه - كلية الشريعة - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية"
2- انظر: المواقف للإيجي (ص ٣) .
3- أخرجه البخاري (٧٢٨٨) ، ومسلم (١٣٣٧) عن أبي هريرة.
4- تفسير القرطبي.
5- الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 163 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (6465)، ومسلم (783) واللفظ له.
6-الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 1987 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات