وفي أثناء مسيرتنا في هذه الحياة الدنيا - فليحذر كل واحد منا من فتنة الكفر والشرك "وأن لا يكون "مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُه "نظرة تدبرية للآيات

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله .


يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءانَ [ محمد: 24]


فبكتاب الله نهتدي وتقتدي وفي كتاب الله الأخبار والأحكام وفي كتاب الله نتعلم ونتدبر نؤمن .

لقد كان الكفار في الجاهلية يعبدون الاصنام على انها صور أو رموز للملائكة، وعبادة غير الله في هذا الزمان زمن الانترنت كثيرة ومتعددة ومتشعبة فالنفسيات واحدة وإن اختلف الزمان والمكان " نفسيات الحقد والغل ، نفسيات الحسد والغيرة ، نفسيات الكفر والشرك "


وإن كفار هذا الزمان لا يختلفون كثيرا عن كفار الأزمنة البعيدة ولكن هو مجرد تحديث – Update .


أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَٰئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) (سورة القمر).


آية عظيمة في هذا الباب نعيش ونتدبر معها واليوم نستعرض في عجالة مع تلك الآية نوع من أنواع الشرك شرك الهوى يقول الحق جل وعلا " أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) (الجاثية).


في تفسير الطبري

القول في تأويل قوله تعالى : أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23)

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ) فقال بعضهم: معنى ذلك: أفرأيت من اتخذ دينه بهواه, فلا يهوى شيئا إلا ركبه, لأنه لا يؤمن بالله, ولا يحرِّم ما حَرَّمَ, ولا يحلل ما حَللَ, إنما دينه ما هويته نفسه يعمل به.

* ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ) قال: ذلك الكافر اتخذ دينه بغير هدى من الله ولا برهان.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ) قال: لا يهوي شيئا إلا ركبه لا يخاف الله. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أفرأيت من اتخذ معبوده ما هويت عبادته نفسه من شيء.

* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد, قال: ثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد, قال: كانت قريش تعبد العُزّى, وهو حجر أبيض, حينا من الدهر, فإذا وجدوا ما هو أحسن منه طرحوا الأوّل وعبدوا الآخر, فأنـزل الله ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ) .

وأولى التأويلين في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: أفرأيت يا محمد من اتخذ معبوده هواه, فيعبد ما هوي من شيء دون إله الحقّ الذي له الألوهة من كلّ شيء, لأن ذلك هو الظاهر من معناه دون غيره.


وفي تفسير السعدي

{ أَفَرَأَيْتَ } الرجل الضال الذي { اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ } فما هويه سلكه سواء كان يرضي الله أو يسخطه. { وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ } من الله تعالى أنه لا تليق به الهداية ولا يزكو عليها. { وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ } فلا يسمع ما ينفعه، { وَقَلْبِهِ } فلا يعي الخير { وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً } تمنعه من نظر الحق، { فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ } أي: لا أحد يهديه وقد سد الله عليه أبواب الهداية وفتح له أبواب الغواية، وما ظلمه الله ولكن هو الذي ظلم نفسه وتسبب لمنع رحمة الله عليه { أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } ما ينفعكم فتسلكونه وما يضركم فتجتنبونه.


وتفسير أحمد حطيبة

((أَفَرَأَيْتَ)) هذه قراءة الجمهور، ويقرؤها نافع وأبو جعفر والأزرق بالمد الطويل، ((أفرآيت من اتخذ إلهه هواه))، ويقرؤها الكسائي: ((أفريت من اتخذ إلهه هواه))، والمعنى واحد، أي: اعجب لهؤلاء الذين عبدوا الهوى من دون الله سبحانه تبارك وتعالى! وإعراب كلمة لا إله إلا الله، على النحو التالي: لا نافية للجنس، وإله اسمها، والخبر دائماً محذوف، فمثلاً: لا تلميذ في الفصل، ولا مصل في المسجد، خبرهما محذوفان تقديرهما موجود.

ولكن خبر لا النافية في كلمة: لا إله إلا الله ليس تقديره: موجود؛ لأن هناك آلهة غير الله عز وجل تعبد من دون الله، فلا يقال: لا إله موجود غير الله، بل في الوجود آلهة تعبد، منها: الهوى والشيطان وغير ذلك، ولكن التقدير للخبر فيها هو كلمة حق، أي: لا إله حق إلا الله، وكل الآلهة باطل.

فإذاً: هناك آلهة تعبد من دون الله، كالشيطان والأصنام والأوثان والهوى والشمس والقمر والنجوم والكواكب.

وقوله تعالى: ((أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ)) يعني: اتخذ إلهاً بمزاجه، ويعبد ما يشاء بالهوى، فصار الهوى هو الذي يحكمه، ولذلك يقول سعيد بن جبير: كان أحدهم يعبد الحجر، فإذا رأى ما هو أحسن منه، رمى بالأول وعبد الآخر، أي: إذا رأى حجراً جميلاً، عبده بهواه وبمزاجه وهو يعلم أنه لا ينفع ولا يضر، ولكن الهوى يهوي به في الجحيم والعياذ بالله، فيعبد غير الله ويعرض نفسه للعذاب الأليم.


كيف توجه هذه الآية العقل؟

آية توجِّه عقل واهتمام ونظر السامع الواعي المتدبِّر لكلام الله - عز وجل - إلى وضعيَّة وحالة الإنسان بين اتباع الهوى والتسليم للرغبات والشهوات، وبين المنهج السليم الحق الذي جبل عليه، الذي يؤمِّن للإنسان النجاة من العذاب والألم، ويضمَن له سبُل السلام والراحة والطمأنينة.


حيث توضِّح هذه الآية الكريمة وتفحَص تلك الجدلية التي يعيشها الإنسان، وتَكشِف عن حقيقتِها وتُبيِّنها تبيانًا واضحًا جليًّا فريدًا؛ حيث إن من الناس من يتخذ إلهه هواه، فكأنه بذلك أسلم نفسه لشهواتها ورغباتها وأهوائها، فهي محرِّكة ودافعَة إلى الفعل حتى كانت إلاهًا يُمتثَل لأوامرها، ويسعى إلى تحقيق مطلوباتها دون امتِثال إلى صوت الحق فيه، وإلى أوامر المنهج السليم والهُدى الذي جبل وفطر عليه الإنسان؛ حيث تتعمَّق بنا الآية العظيمة إلى دقائق وحقيقة هذه الوضعية التي يعيشها الإنسان، فاتخاذ الإنسان الهوى إلهًا في حياته وتعامله ومعاملاته كان سببًا مُباشرًا في ابتعاده عن المنهج الحق، بل وعدم فسح المجال لتلقِّيه واستيعابه وجعله محركًا لفعل الإنسان أمام هواه.


إذًا هي الضَّلالةُ وعكسُها الهداية، هذه الجدلية بين الضلالة والهداية التي يعيشها ويُواجِهُها كل إنسان في كل دقائق حياته إنما هي على علم من الله - عز وجل - فإرادة الإنسان بعلْم من الله تُحدِّد فعله من اتباع للهوى أو للمنهَج الحق، فتكون بذلك ضلالة الإنسان أو هدايتِه.

إضافة إلى ما يَستتبع الحالتين؛ أي: حالة الضلالة، وحالة الهداية من أسباب ومُعايَنات وشواهد وحالات ووضعيات يعيشها الإنسان تدفعه وتحثُّه وتسعى به إذا أراد أن يَبتعد عن طريق الضلال ويقرب إلى طريق الرشد والهدى.


خطورة هذا النوع من الشرك : شرك الهوى:


من أشد أنواع الأوثان خطورة وثن "الهوى" فهو وثن مركب داخل الإنسان يلاصقه أينما حل , ويرافقه في شتى المواقف , فمن جعل هواه وشهواته سائقاً له في حياته فيقدم رغباته على أمر الله ويطيع هواه فيما حرم الله ويقدم الأهواء على كلمات الله فيتخذ من مجموع تلك الأهواء منهجاً وسبيلاً لا يحيد عنه ولو تعارض كل التعارض مع توحيد الله وأوامره ونواهيه فقد باء بالخسران وضل بعد علم . وأشد عقوباته في الدنيا قبل الآخرة أن ختم الله على سمعه وقلبه فلا يستمع إلى الهدى ولا يؤمن به وأعمى الله بصره وبصيرته فلا يرى بنور الله وإنما بما أملاه عليه هواه , فأوكله الله إلى نفسه ليبوء بالخسران المبين.


وفي الختام نصلي على النبي العدنان ونذكر بالغاية إن الله أبتعثنا لنخرج من يشاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة

الأربعاء


14 – سبتمبر -2022 ميلادية

17 – صفر -1444 هجرية


من مجموعة مقالات #الثبات_في_زمن_الفتن


المراجع :

· تفسير السعدي

· تفسير الطبري

· تفسير أحمد حطيبة

· موقع اسلام واي

· شبكة الألوكة.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات أخصائي نفسي إجتماعي

تدوينات ذات صلة