نظرة الإنسان بين شكر وكفر "وقفة تدبرية" محاولات لبث روح الأمل وعودة الروح والتمسك بإيماننا

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله وبعد...

فإن الناظر في هذه الحياة الدنيا بنظرة الحكمة والفهم والتعقل سيدرك لا محالة أنها لاتدوم على وتيرة واحدة أو على طريقة واحدة أو على رتم واحد كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29]

فهو سبحانه: يغفر ذنباً، ويُفرِج هماً، ويكشف كرباً، ويجبر كسيراً، ويُغني فقيراً، ويُعلِّم جاهلاً، ويهدي ضالاً، ويُرشِد حيران، ويغيث لهفان، ويفك عانياً، ويُشبِع جائعاً، ويكسو عارياً، ويشفي مريضاً، ويعافي مبتلى، ويقبل تائباً، ويجزي محسناً، وينصر مظلوماً، ويقصم جباراً، ويُقيل عثرة، ويستر عورة، ويُؤمِّن روعة، ويرفع أقواماً، ويضع آخرين، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور: لو كشفه لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، ويمينه ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق الخلق فإنه لم يغض ما في يمينه.


وهكذا الدنيا يوم في غنى يوم في فقر يوم في ضعف يوم في قوة يوم في رضا يوم في غير رضا وهكذا الأحوال تتغير وتتبدل .


  • والإنسان فيها بين شكر لنعم الله تبارك وتعالى وستره وكرمه وحلمه عليه ، وبين صبر على أقدرا الله تبارك وتعالى وتحقيق مقتضيات الصبر " على الطاعة وعن المعصية وعلى أقدار الله تبارك وتعالى ".
  • بين شكر وكفر .


ومن الواضح له أنه لن يكون على شكل واحد فينقسم الناس هنا إلى نوعين:


- النوع الأول شاكر لربه ولإنعامه عليه :


· ورد في الأثر أنَّ عمر الفاروق رضي الله عنه سمع مرَّةً رجلاً يدعو ربَّه فيقول: "اللهمَّ اجعلني من القليل"، قال عمرُ: "ما هذا الدُّعاء؟"، قال: أقصد قوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ}.[سبأ:13]. فقال عمر رضي الله عنه يخاطب نفسه: ((كل الناس أعلم منك يا عمر، اللهمَّ اجعلني من القليل الشَّاكر، لا من الكثير الساهي واللاهي)).

· ، " وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ " [ لقمان: 12] ومَن يشكر لربه فإنما يعود نَفْع ذلك عليه.


- الشكر.. إيمانٌ وعملٌ

إنَّ الشكر من شعب الإيمان الجامعة، يملأ النفس رضاً بالخالق، والقلبَ سلامةً من الغلّ، ويورث الأخلاق شعوراً بالقناعة، لينعم صاحبها بالرَّاحة والسَّعادة والطمأنينة.

والشكر عملٌ وليس قولاً فحسب، والعمل يجب أن لا ينطلق من خوفٍ ولا من طمعٍ؛ بل من شكرٍ للمولى عزَّ وجل، ففي صحيح البخاري عن المغيرة بن شعبة، قال: ((قام النبيُّ صلَّى الله عليه وسلّم حتى تورّمت قدماه، فقيل له: غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر، قال: ((أفلا أكون عبداً شكوراً؟)).


- شكر النَّاس

وتفيضُ عبادةُ شكر الله تعالى إحساناً للناس، يقول ابن الأثير في (النهاية): (إنَّ الله تعالى لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان النَّاس ويكفر أمرهم لاتصال أحد الأمرين بالآخر). فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ))، [رواه أحمد وأبو داود والترمذي].


- الشكر .. نجاحٌ وإبداع

يؤكّد الخبراء على أهمية الشكر في حياة الإنسان الناجح، فالزوجة مثلاً التي تشكر زوجها على ما يقوم به، فإنَّ هذا الشكر يحفّزه للقيام بمزيد من الإبداعات والنجاح. فالامتنان يقدم لك المزيد من الدعم والقوة.

"الشكر طريقة قويّة ومؤثرة حتّى عندما يقدّم لك أحدٌ معروفاً صغيراً، فإنَّك عندما تشكره تشعر بقوَّة في داخلك تحفزك للقيام بالمزيد من الأعمال الخيّرة"


ويوضح الخبير "جيمس راي" هذه الحقيقة بقوله: إنَّ قوة الشكر كبيرة جداً فأنا أبدأ يومي كلّما استيقظت صباحاً بعبارة "الحمد لله"، لأنني وجدتها مفيدة جداً وتمنحني طاقة عظيمة! ليس هذا فحسب، بل إنّني أشكر الله على كل صغيرة وكبيرة، وهذا سرّ نجاحي أنني أقول "الحمد لله" وأكرِّرها مراراً طيلة اليوم!!


كما أنَّ للشكر تأثيراً مذهلاً في حياة معظم المبدعين، فالامتنان والشكر للآخرين هو أسهل الطرق للنجاح، والشكر طريقة قويّة ومؤثرة حتّى عندما يقدّم لك أحدٌ معروفاً صغيراً، فإنَّك عندما تشكره تشعر بقوَّة في داخلك تحفزك للقيام بالمزيد من الأعمال الخيّرة.


ويؤكّد الباحثون في علم النفس أنَّ الشكر له قوَّة هائلة في علاج المشاكل، لأنَّ قدرتك على مواجهة الصّعاب وحلّ المشاكل المستعصية تتعلّق بمدى امتنانك وشكرك للآخرين على ما يقدّمونه لك؛ ذلك أنَّ المشاعر السلبية تقف حاجزاً بينك وبين النجاح، لأنَّها مثل الجدار الذي يحجب عنك الرؤيا الصادقة، ويجعلك تتقاعس على أداء أيّ عمل ناجح.


- النوع الثاني نوع يكفر:

- "وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ" [ لقمان: 12] ومن جحد نِعَمَه فإن الله غني عن شكره.

و الكفر لا يتضرربه غير الكافر فالله غير محتاج إلى شكر حتى يتضرر بكفران الكافر وهو في نفسه محمود سواء شكره الناس أو لم يشكروه.


إِنَّا هَدَيْنَٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (الإنسان - 3) أى : إنا هديناه ودللناه على ما يوصله إلى الصراط المستقيم ، فى حالتى شكره وكفره ، لأنه إن أخذ بهدايتنا كان شاكرا ، وإن أعرض عنها كان جاحدا وكافرا لنعمنا ، فالهداية موجودة فى كل الأحوال ، إلا أن المنتفعين بها هم الشاكرون وحدهم .


ومثل ذلك كمثل رجلين ، يرشدهما مرشد إلى طريق النجاة ، فأحدهما يسير فى هذا الطريق فينجو من العثرات والمتاعب والمخاطر . . والآخر يعرض عن ذلك فيهلك .


ولما كان سياق هذه الآيات في سورة لقمان ﴿وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا لُقۡمَـٰنَ ٱلۡحِكۡمَةَ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِلَّهِۚ وَمَن یَشۡكُرۡ فَإِنَّمَا یَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ حَمِیدࣱ﴾ [لقمان ١٢] تتحدث عن الحكمة ; يقول الفخر الرازي «لما بين الله فساد اعتقادهم بسبب عنادهم بإشراك من لا يخلق شيئاً بمن خلق كل شيء بقوله تعالى (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه) وبين أن المشرك ظالم ضال ذكر ما يدل على أن ضلالهم وظلمهم بمقتضى الحكمة وإن لم يكن هناك نبوة.

وهذا إشارة إلى معنى وهو أن اتباع النبي عليه السلام لازم فيما لا يعقل معناه إظهاراً للتعبد فكيف ما لا يختص بالنبوة بل يدرك بالعقل معناه وما جاء به النبي عليه السلام مدرك بالحكمة وذكر حكاية وأنه أدركه بالحكمة.


وقوله تعالى: (ولقد أتينا لقمان الحكمة) عبارة عن توفيق العمل بالعلم فكل من أوتي توفيق العمل بالعلم، فقد أوتي بالحكمة.


وإن أردنا تحديدها بما يدخل فيه حكمة الله تعالى فنقول: حصول العمل على وفق المعلوم.

والذي يدل على ما ذكرنا أن من تعلم شيئاً ولا يعلم مصالحه ومفاسده لا يسمى حكيماً وإنما يكون مبخوتاً ألا ترى أن من يلقي نفسه من مكان عال ووقع على موضع فانخسف به وظهر له أنه كنز وسلم لا يقال إنه حكيم وإن ظهر لفعله مصلحة وخلو عن مفسده لعدم علمه به أولاً.

ومن يعلم أن الإلقاء فيه إهلاك النفس ويلقي نفسه من ذلك المكان وتنكسر أعضاؤه لا يقال إنه حكيم وإن علم ما يكون من فعله.


ثم الذي يدل على ما ذكرنا قوله تعالى (أن اشكر لله) ففسر إيتاء الحكمة بقوله تعالى (أن اشكر لله) لأن من جملة ما يقال إن العمل موافق للعلم لأن الإنسان إذا علم أمرين أحدهما أهم من الآخر فإن اشتغل بالأهم كان عمله موافقاً لعلمه وكان حكمة وإن أهمل الأهم كان مخالفاً للعلم ولم يكن من الحكمة في شيء لكن شكر الله أهم الأشياء فالحكمة أول ما تقتضى.


في ختام القول فإن من يعيش في هذه الدنيا ويراها بعين بالحكمة وهو من يوفق لكل خير ومن يعيش فيها بكفران ويأكل كما تأكل الأنعام فالنار مثوى له فهكذا يتخير الإنسان طريقه .

  • أسأل الله في عليائه أن يوفقنا لكل خير ويجعلنا من عباده الشاكرين ويغفر لنا كل خطأ وزلل ونسيان وذنب


وفي الختام نصلي على النبي العدنان ونذكر بالغاية إن الله أبتعثنا لنخرج من يشاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة .


الثلاثاء

13- سبتمبر-2022 ميلادية

17- صفر-1444 هجريه



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات أخصائي نفسي إجتماعي

تدوينات ذات صلة