البشر بطبعهم كائنات إجتماعية، فنحن نعيش مع بعضنا البعض ضمن مجموعات خاضعة لتصنيفات عدّة أهمّها مسمّى "المجتمع".

و ينتج عن هذا التعايش تشكّل علاقات بين الأفراد تختلف تصنيفاتها كذلك، و لكنّها تظلّ –على اختلاف أنواعها- روابطا ضرورية لقيام حياة الأفراد و ازدهار المجتمع. لأجل هذا، فنحن جميعا محاطون و على تواصل دائم أو متقطّع مع أعداد كثيرة أو قليلة من النّاس.

غير أنّ هذا المدّ و الجزر المبسوط بيننا و بين الأطراف الأخرى من معاملاتنا قد لا يكون دوما مصدرا مانحا للطاقة المحمودة و السلام المرجو.. لذلك فإنّ السؤال يطرح نفسه: كيف يجدر بنا أن نفصل في علاقاتنا مع الآخرين؟

أوّلا، هناك صنفان من العلاقات: علاقات لم نختر بالضرورة أن نكون جزءا منها كالعائلية و المهنية، و أخرى نحيكها بإرادتنا و مطلق حريتنا كالصداقات و العلاقات العاطفية. الصنف الأول لا نملك عموما إزاءه الكثير باستثناء محاولة الإبقاء على أجواء هادئة إن لم نتمكن من الوصول إلى ما نصبو إليه فعلا من مودة و تآزر، أمّا الطائفة الثانية فإنّها ما أردت تسليط الضوء عليه منذ البداية.

هؤلاء الأشخاص الذين قرّرت إدخالهم حياتك و قبلت بأن تكون جزءا من حياتهم، هؤلاء "المختارون" المتواجدون على مقربة منا بإذن منا.. كيف حالنا بجوارهم؟ في الحقيقة، الفيس بوك لا يصنع مجتمعا محاكيا فقط لأنّه يعلمنا كيف نطور ردود أفعالنا على أرض الواقع أيضا، فـ"اللايك" و التعليقات و بقية التفاعلات ليست أقلّ من اهتمام واضح و مساندة فعلية لمنشوراتك و مشاركاتك و بالتالي لذاتك، في حين أنّه سيتبادر إلى ذهنك أوتوماتيكيا حذف أولئك المنيخين على قائمة أصدقائك بلامبالاة و تجاهل تامّيْن لكلّ ما يصدر عنك، و أكثر من ذلك عندما يتعلّق الأمر بمن هو موجود لإزعاجك فقط لأنّك طبعا لن تتوانى عن حظره.

بإسقاط المعالجة الفيسبوكية على حياتنا الواقعية سنجد بأنّنا لسنا بحاجة إلى أكثر من الإجراء "نسخ لصق". فهذه النباتات الضارة المطوقة لنا و التي ترتدي أقنعة الأصدقاء و الأحبّة، لا بدّ من حذفها أو حتّى حظرها. الصديق الذي لا يتذكرك إلّا عندما يشعر بالإكتئاب أو الضّجر، أو من يحبّ مرافقتك فقط لأنّك بطريقة ما تحسن عزاءه في فقد ما و أنت تعلم جيّدا بأنّه سيفرّك فرار السليم من الموبوء إذا ما امتلأت فجوتك دون فجوته، أو من هو في حالة مقارنة دائمة معك و تشعر بأنّه يسعى دوما إلى أن يتفوّق عليك حتّى و الأجواء ليست تنافسية بالضرورة.. أو من لا يعرف قيمتك.

تواضعنا الزّائد أحيانا و مبالغتنا في مراعاة مشاعر الناس و الأخلاق العالية.. هذه الأمور الرائعة و التي إن دلّت على شيء فعلى جمال الباطن، قد لا تترجَم –للأسف- بطريقة صحيحة دوما، خصوصا بالنّسبة لمن لا يمكن وصفهم بسليمي القلب. أولئك الذين يزدرونك بتواضعك و ينتفخون بمديحك و يتعلمون احتقارك بأخلاقك الراقية.. كلمة واحدة قد تعيدهم إلى أحجامهم و أماكنهم الطبيعية و لكنّك لا تقولها و لن، ليس لأنّك لا ترى عيوبهم بل لأنّك أجمل بكثير من هذا السلوك و أسمى.

هي عبارة باللهجة المصرية علينا أن نرفعها جميعا شعارا أمام كلّ من يعتبرون أنفسهم إضافات لنا، غير منتبهين إلى حقيقة أنّنا ربّما أحسن ما حصل معم في حياتهم : آسفون و لكن في حياتنا "ملكومش ستّين ألف لزمة" !.


رحمة سعيد
إقرأ المزيد من تدوينات رحمة سعيد

تدوينات ذات صلة