"علينا أن نختار كيف ننتظر، دون أن تتآكل أرواحنا في سبيل ما ننتظره.

الفصل الرابع: شعور الانتظار

نحن نخلق لأنفسنا دوائر معقدة من الانتظار، نجلس أمام النافذة ننتظر النور، ونشعر كأنه لن يأتي أبداً.

في الحقيقة، إن القضية ليست في النور المنتظر، فهو آتٍ لا محالة، بل تكمن القضية في مرارة انتظاره!

المشهد الأول:

عون، بعد مرور يومٍ طويل من التعب ومعاناة الانتظار والترقّب، وبعد أن استُهلكت جميع طاقتها في انتظار شيءٍ ربما يأتي وربما لا، فضّلت أن تهرب من هذا كله وتلجأ إلى النوم.

ذهبت إلى السرير بعد أن شعرت بغُربة في عينيها...

المشهد الثاني:

ألقت عون نفسها على السرير، وكأنها تُلقي روحها التي ظلّت طوال اليوم في صراع بين ما ترغب في فعله وما يُعيقها.

لكن المفاجأة أنها لاحظت نورًا مشعًّا من سقف الغرفة، وشيئًا منه يخرج ببطءٍ شديد، يظهر عليه التعب والإرهاق التام، كأنه ظل ألف سنة لم يزره النوم ولو للحظة.

تعجّبت عون من هذا الكائن الغريب، وأوجست في نفسها خيفة، لكنها سرعان ما استوعبت أن لهذا الضيف حضورًا خاصًّا في هذا اليوم...

المشهد الثالث:

عون في تعجّب: من أنت؟

الانتظار (بصوتٍ هادئ يبدو عليه الإرهاق الشديد): أنا الانتظار.

عون: يبدو عليك الإرهاق الشديد... كيف تتحمّل هذا؟

الانتظار: هذا الإرهاق لا يُحتمل، لكنكِ من أحضرتِني إلى هنا!

عون: كيف أكون أنا من أحضرك إلى هنا؟

الانتظار: لقد كنتُ معكِ طوال اليوم، ساكنًا، لعلّ شيئًا جديدًا يحدث، لكن... لم يحدث شيء!

عون: ولماذا كان عليك المكوث هكذا؟

الانتظار: كان عليّ المكوث لأنكِ لم ترغبي في تصديق الحقيقة. كنتُ أريدك أن تبدئي يومك وتفعلي أشياء تحبينها، لكنكِ انتظرتِ!

عون: نعم... انتظرتُ شيئًا لم يأتِ!

الانتظار: لا أريدك أن تنظري إليّ بهذا الشكل السيّئ... في الحقيقة، لستُ بهذا القبح الذي أبدو عليه.

عون: ماذا تقصد؟

الانتظار (يأخذ نفسًا عميقًا ويجيب): في الحقيقة، ما تنتظرينه سوف يأتي. لكن ما يجعلكِ تشعرين بمرارتي، وترين إرهاقي، هو أنكِ توقِفين حياتكِ على ما تنتظرينه، فتُرهقين نفسكِ وتُرهقينني معكِ بشكلٍ مبالغ فيه.

عون (تبتسم ابتسامة هادئة): لا أفهم شيئًا مما تقوله!

الانتظار (مبتسم، وقد بدأ شكله يتحسّن وبدأت علامات الإرهاق تتلاشى شيئًا فشيئًا): سأوضح لكِ أكثر...

في الحقيقة، ما ينتظره الإنسان فهو آتٍ لا محالة، ولكن في وقته المحدد. وما يجعله يشعر بثقل الأمنية ويظنّ أنها مستحيلة، هو التفكير الدائم والمستمر بها.

عون: نعم، فهمت الآن... أنت تريد مني أن أكمل حياتي، وألا أنتظر ما أريده بشكلٍ مفرط.

مثل صنعي للقهوة اللذيذة، عندما أُعدّها، أتركها تنضج وأقوم بتحضير فطوري، فلا أشعر ببطء وقت نضجها!

الانتظار (مبتسم): نعم، شيء من هذا القبيل.

عون (ضاحكة): بدأ يظهر عليك الراحة، وكأنك تشعر بالرغبة في النوم!

الانتظار (مبتسم): نعم، لقد حرّرتِني أخيرًا بفهمكِ أن المكوث دون جدوى يُرهقني!

عون: نعم، فهمت... شكرًا لك على حضورك، وتحريرك لي أيضًا من أفكاري التي حبستني في قفص الانتظار.

الانتظار (ضاحكًا): إذًا، حان وقت رحيلي... سأذهب للنوم أخيرًا!

عون (مبتسمة، ويبدو عليها الارتياح): نومًا هنيئًا مطمئنًا.

المشهد الرابع:

ذهبت عون إلى مكتبها وأخرجت دفتر يومياتها لتكتب فيه مشاعرها الجديدة تجاه "الانتظار"، بكل حب وفخر.

كانت تريد أن تترك أثرًا وذكرى لهذا الشعور، تتخللها عندما يجتاحها اليأس من المكوث دون جدوى، وبدأت تكتب...

"إلى نفسي العزيزة،

أشعر بكِ تمامًا... أشعر أنكِ بحاجة إلى الراحة والاطمئنان.

لكن لا بأس، فنحن معًا نستطيع أن ننهي هذا الحزن بداخلنا.

وكما قال الانتظار: نحن بحاجة إلى الانشغال، والتقبّل، واليقين بأن ما نريده سوف يحدث لا محالة.

علينا فقط التريّث، وأن نقوم بعملنا حتى لا نشعر بوقت صناعة قهوتنا.

علينا أن نتركها تنضج، ونحن على يقين أن مذاقها سيكون رائعًا.

في النهاية... أحبكِ كثيرًا، وأحب أن أراكِ بخير."


Mai Nabih

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات Mai Nabih

تدوينات ذات صلة