الحنين شيء مؤلماً، بل يمكن أن يكون صديق تفيض منه الطمأنينة



تمرّ علينا الذكريات كأنّها مفاتيح نفتح بها على أنفسنا مواجع، وربما ابتسامة. ليس كل الذكريات موجعة، ولكن ما هو موجع حقًّا أن تبقى الذكريات دون وجود الأشخاص معنا.

رحل من حياتنا الكثير، وأصبح ليس في وسعنا لقاؤهم مرة أخرى، لكن ذكرياتهم باقية، تأتي من حينٍ لآخر في صورة مشاعر وحنين...

المشهد الأول:

تجلس عون على سريرها، وبيدها إحدى الصور القديمة، تنظر إليها وتحسس عليها، فتسيل دمعة من عينيها على الصورة، ثم ترتسم على وجهها ابتسامة تختلط فيها مشاعر الحنين.

تمرّ أمام عينيها الكثير من الذكريات، تلك الصورة التي تحمل شخصًا عزيزًا على قلبها، رحل ولم يَعُد في هذه الحياة.

لم يَعُد في مقدورها أن تراه مرة أخرى، لكن وعلى الرغم من هذا، هي تتذكّر جميع ما يجمعها به من ذكريات...

المشهد الثاني:

تنظر عون إلى الصورة بعين دامعة، لكنّها وفي ظلّ شرودها وسط الذكريات، يظهر لها نور في وسط الغرفة، أبيض اللون، يخرج منه الحنين.

يرتدي الحنين عباءة بيضاء اللون، مظهره ليس متعبًا أو مرهقًا، بل يبدو عليه الدفء والأمان.

تظهر في ملامحه السكينة والهدوء، مع لمعة في العين وابتسامة ناعمة...

المشهد الثالث:

عون: أعلم من تكون، لقد علمت من النظرة الأولى من أنت.

الحنين: إذاً، ماذا لديك من حديث لي؟ هل ستنكرين وجودي أم ترحبين بي؟

عون: بشغف وهدوء، سوف أرحب بك بكل تأكيد!

الحنين: لماذا اخترتِ الترحيب بي؟ الكثير يراني تهديداً لحاضرهم وينكرون وجودي ويخافون مني!

عون: أتفهم ذلك، لكنني لست كذلك، لا أريد أن أنسى تلك الذكريات وهذا الشعور بالحنين. رغم أنه مؤلم في كثير من الأحيان، إلا أنه يجعلنا نشعر بانتمائنا لهؤلاء الأشخاص ويحفظهم في ذاكرتي.

الحنين (مبتسم): لأول مرة أرى شخصاً لا يهرب من وجع الموت والفراق، بل يشتاق ويحن، وهو لديه وعي بهذا الشعور وكيف يحتويه!

عون: أعلم، لدي الكثير من الأصدقاء يهربون من الذكريات، بل يرفضون فكرة التقبل، يظلون في حيرة بين الاشتياق والتأقلم، ولا يبوحون بما يشعرون به...

الحنين: نعم! ولكن أليس هذا أكثر ألماً من الاعتراف؟

عون: بالطبع، أكثر ألماً. كيف لن ننكر وجود من رحلوا في ذكرياتنا ونخشى التفكير بهم؟ يجب أن نحيي ذكراهم في عقولنا لكي يبقوا دائماً حتى نلتقي بهم. أعلم أن هذا ليس بالأمر السهل على الكثيرين، لكنه حقيقي!

الحنين: ما هذه الصورة التي في يدك؟

عون: إنها صورة شخص عزيز على قلبي كثيراً، رحل من هذه الدنيا ولم يعد في مقدوري رؤيته مرة أخرى، لكن رغم ذلك لم يغِب يوماً عن بالي وذاكرتي. أشعر بالحنين إليه في كل ذكرى تمر على عقلي معه، وعلى عكس ما أشعر به من وجع؛ فإن هذه الذكريات وهذا الحنين يجعلاني أشعر بالهدوء.

الحنين: لقد ظهرت لكِ لأنك تعرفين كيف تحتوينني في مشاعرك، أريدك هكذا دائماً، لا تخافي أبداً من مواجهة المشاعر فهي جزء منك.

عون: أعلم، لهذا أرحب بها دوماً. (تبتسم)

الحنين: وقتي معك قد نفد الآن، أتركك في سلام وسكينة، إلى اللقاء. (مبتسم)

المشهد الرابع:

ودّعت عون الحنين، وأخرجت هاتفها المحمول، فتحت ملف الملاحظات، وبدأت تكتب رسالة لنفسها ولكل من يفتقد شخصًا يحبه، وكتبت:

"إلى من فارق هذه الحياة ولم يعد بيننا اليوم،

الحنين ليس شيئًا مؤلمًا، بل هو أمر طبيعي يملؤه الطمأنينة.

لا يجب أن ننكر وجود تلك الذكريات أو نهرب منها،

بل علينا أن نتقبل فكرة الموت، ونعلم أن ذكريات من رحلوا تُحييهم دائمًا في عقولنا وقلوبنا..."


Mai Nabih

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات Mai Nabih

تدوينات ذات صلة