يمكننا أن نقوم بقراءة مشاعرنا وأن ننظر إليها كما لو أنهم اشخاص يمكن سمعهم والحديث إليهم
لا تخلو الحياة من القلق؛ فهو جزء أصيل من مشاعر الإنسان، لا يمكن تجاهله أو استئصاله كأنه لا وجود له.
لكن يمكننا أن نتعامل معه بحرص ووعي، مما يمنحنا القدرة على رؤية الحياة بعين مختلفة، القلق، في كثير من الأحيان، يسرق لحظات سعادتنا، في هذا الفصل، نخوض حديثًا عقلانيًا وناضجًا مع القلق ذاته.
هيا بنا نرى كيف تتعامل "عون" مع قلقها...
المشهد الأول:
كانت "عون" تجلس في غرفتها، تمسك كوبًا من القهوة التي تعشقها.
تفكر قليلًا فيما حدث لها اليوم؛ فهي كما اعتادت، تجلس كل ليلة في صمت، تراجع مشاعرها وتستعيد أحداث يومها.
جلست على أريكة موف غامقة في غرفة دافئة التفاصيل: سرير صغير، مكتب بني، نافذة تطل على الشارع الخارجي، دولاب أبيض، وسجادة بيضاء في منتصف الغرفة.
ألوان الغرفة متناغمة كما تحبها "عون".
رفعت نظرها إلى سقف الغرفة كأنها تنتظر أن يخاطبها.
في هذه اللحظة، تذكّرت أحد المواقف التي مرّت بها في العمل اليوم...
المشهد الثاني:
عادت "عون" بذاكرتها إلى مشهد من يومها…
حين شعرت بالقلق الشديد، وكأن قلبها سينفلت من بين ضلوعها.
كانت جالسة في مكتبها عندما دخلت مديرة المدرسة، وطلبت منها تنفيذ مهمة معيّنة.
ارتبكت "عون"، وارتسم القلق بوضوح على وجهها.
قالت لها المديرة بابتسامة مشجّعة:
ـ "لماذا تبدين قلقة؟ هذه المهمة بسيطة، وستقومين بها بطريقة تليق بك."
شكرتها "عون" على ثقتها الكبيرة، وبعد أن غادرت المديرة الغرفة، شعرت "عون" أن معدتها تنقبض من التوتر.
جلسَت في مكانها متألمة، حتى قررت أن تطلب الإذن بالانصراف مبكرًا من العمل.
المشهد الثالث:
تحدثت عون إلى نفسها بصوت مرتفع:
"لماذا أشعر بكل هذا الكم من القلق؟ لماذا يُتعبني بهذا الشكل؟ يجب أن أجد طريقة لعلاج هذه المشكلة..."
رفعت عون نظرها نحو السقف، فإذا بنور ساطع يملأ الغرفة، ومنه خرج شخص أنيق يرتدي عباءة سوداء، وسيم الملامح بشكل لافت.
قالت عون بدهشة:
"من أنت؟ ولماذا ظهرت بهذا الشكل؟"
قال:
"أنا القلق... لقد استدعيتني الآن. أنتِ من جعلني أظهر هكذا."
قالت له:
"ولماذا أتيت؟"
قال القلق بهدوء:
"لأحميكِ."
ردّت عون:
"ولماذا عليك أن تحميني؟ ومِن مَن؟"
قال:
"من الجميع."
قالت عون:
"لكن وجودك لا يشعرني بالحماية، بل يُضعفني. يجعلني أشعر وكأن معدتي تتآكل، ويحرمني من ممارسة حياتي بشكل صحي. أظل لساعات دون طعام بسببك. لماذا لا تكون أكثر إنصافًا؟ تبدو هادئًا وعاقلًا، فلماذا تصيب قلبي بالوحشة؟"
أجاب القلق:
"أنا مجرد انعكاس لأفكارك ومخاوفك... لا يمكنني الظهور إلا بإذنك أنتِ. إن غيّرتِ نظرتكِ لي، سأصبح بالفعل وسيلة حماية حقيقية."
قالت عون:
"إذاً عليّ أن أراك بشكل مختلف... أن أكون أكثر رفقًا بنفسي، وأن تتعاون معي أنت بدلًا من التربص بي. أنت جزء مني، لا يمكن أن تختفي تمامًا، لكن يمكننا أن نُنجز معًا عملًا جيدًا. تعال فقط في أوقات الخطر الحقيقي، وسأتعلم أنا أن أُفرّق بينه وبين ما هو غير ضروري، حتى لا تُضيع عليّ لحظات السعادة... كما حدث اليوم."
قال القلق:
"نعم، لقد كنتِ في مهمة جيدة، وكان من المفترض أن تشعري بالفخر لأن مديرتكِ اختارتكِ لها. لماذا شعرتِ بوجودي؟"
قالت عون:
"لأنني خفت... خفت من الفشل، وخفت أن تكون المهمة أكبر مني."
قال القلق:
"لكنكِ بهذا أضعفتِ عزيمتكِ. ربما كنتِ ستبدعين في تنفيذها، ولكن استدعاؤكِ لي جعل الأمر أكثر توترًا. وجودي بهذا الشكل قد يسلبكِ تركيزك، ويقلل من ابتكارك... فلماذا لا تستخدمين وجودي لتحفيزك بدلاً من تثبيطك؟"
قالت عون:
"وكيف أستطيع أن أفعل ذلك؟"
قال القلق:
"كوني حذرة... لكن دون مبالغة. تصرفي بذكاء وفطنة. واعلمي أن خوفك من الفشل يجعلك تعيشينه مرتين: مرة في خيالك، ومرة إن وقع بالفعل. وربما... لن يحدث أصلًا. لا تُضخّمي الأحداث في ذهنك، ولا تحوّليها إلى وحوش تلتهم متعتك وسعادتك."
قالت عون:
"أنت على حق... يجب أن أتعامل معك بوعي. الإنسان هو نتاج أفكاره في النهاية. عليّ أن أعيش حياتي بطمأنينة، دون خوف من شيء لم يحدث بعد، وإن حدث فلن يكون بنفس الألم الذي صنعته في خيالي. يجب أن أبدل شعوري بك إلى شعور فخر... أن أفرح لأن مديرتي وثقت بي، وأن أُركّز على المهمة بدلًا من القلق بشأنها."
قال القلق مبتسمًا:
"أنا فخور بكِ الآن... حديثك يدل على أنكِ فهمتِني أخيرًا. استدعاؤكِ لي لم يكن هروبًا، بل نُضجًا وقبولًا أعمق لما تمرّين به. شعورك الحقيقي تجاه المهمة يجب أن يكون الفخر... لا الخوف."
المشهد الرابع:
ركّزت عون على مشاعر القلق داخلها، وحاولت تحتويها كما فعلت من قبل مع الخذلان.
أخرجت من درج مكتبها ورقة وقلم، وبدأت تسجل ما دار بينها وبين القلق، وكتبت في السطور الأولى:
"عزيزي القلق،
شكرًا إنك جيت واتكلمت معايا.
لولا الكلام اللي دار بينا، مكنتش هفهم إن القلق مجرد شعور ممكن يخليني أعيش الإحساس مرتين!
ويمكن كمان أعيشه أصعب في المرة الأولى، قبل ما الحاجة اللي بخاف منها تحصل أصلًا.
ولو حصلت فعلًا، يبقى أنا ضيعت على نفسي فرصة أعيش وقتي الحلو مع نفسي،
بدل ما أعيشه في توتر وخوف مالوش لازمة.
كلامك خلاني أغيّر نظرتي لوجودك،
وبدل ما تهدّني بقيت سبب إني أطمن،
وتعلمت منك إني أعمل اللي عليا بأفضل شكل،
وأني أفكّر دايمًا في اللحظة الحالية، وأعيشها بسلام.
نضجي تجاه اللي بيحصل حواليا هو اللي هيغيّر رد فعلي قدّام،
حتى لو حصلت حاجة وحشة، هعرف أتعامل معاها وأنا أقوى.
وفي النهاية، لازم أحب نفسي وأتقبلها زي ما هي،
مش أحاول أسيطر على مشاعري، لكن أفهمها، وأتعامل معاها بنضج واحتواء."
التعليقات