سمعنا كثيرًا عن الأطفال الذي يشبهون أمهاتهم بأشكالهم، ولكن ماذا عن سلوكياتهم؟!
منذ أن ولدنا ونحن نتتبع تحركات آباءنا، رفعة أيديهم، طريقة كلماتهم، ضحكتهم، عصبيتهم، صراخهم وحتى هدوئهم، القلق الذي يظهر على ملامح وجههم، خوفهم من المستقبل، حركات لا إرادية تظهر عليهم عندما يمرون بموقفٍ ما، إيماءات بسيطة، كل هذه التصرفات قد لا ندركها فيهم وقد لا نراها كثيرًا ولكن قد نراها فينا نحن دون أن ندرك أن لها سببًا سابقًا في أهالينا، قد يتبناها أكثر من جيل دون معرفتهم سببها!
دائمًا أتذكر المقولة التي تقول:
"فاقد الشيء لا يعطيه!"
ثم أعادوا صياغتها وقالوا "فاقد الشيء يعطيه!" لن أجعلك تختار بينها لكن علينا أن نحترم جميع الآراء بما فيهم أنني أرى العبارة الأولى صحيحة نسبيًا وقد تكون هي الأصح إن صحَّ التعبير!
قد تتساءل الآن ما الذي أعنيه ولماذا كان هذا الاقتباس حاضرًا في مقالة عنوانها أننا نتبنى أفعال آباءنا!
سأخبرك بذلك، خطوة بخطوة معًا!
عندما كنت طفلًا صغيرًا وتربيت متنقلًا بين أيادي عائلتك، كنت تدرك كل كلمة تسمعها، كل حرف ينطقوه، كذلك كل تصرف يفعلوه، وعندما كبرت أكثر فأكثر بدأت تتجسد فيك طريقة حكمهم على الأشياء، حركاتهم، كلماتهم، أنت جزء يتجزأ منهم ليس إلا وحينما تكبر قد ترى بعض تصرفات أفراد عائلتك لا تعجبك وتريد تغييرها، يمكنك ذلك، لكنك حين تمر بنفس محنهم، مشاكلهم، العقبات التي مروا فيها وتصرفوا بذلك الشكل، ستعيد الكرة مرة أخرى وتفعل ما كانوا يفعلوه!
دعني أخبرك مثالًا أوضح:
عندما كنت صغيرًا تجلس أمام التلفاز تشاهد فيلم كرتونك المفضل، فجأة أغلقت والدتك التلفاز في وجهك ودعتك للنوم في حالة غضب شديد!
ستبكي حينها أو قد ترى هذا التصرف مزعجًا بالنسبة لك وستقول حينها "عندما يصبح لدي أبناء لن أفعل بهم ما فعلته والدتي وسأكون أفضل منها في التصرف مع أبنائي"
ستكبر وتتزوج وتنجب أبناءك وستعيد نفس التصرف معهم دون إدراك منك حتى لو أردت عكس ذلك!
نحن النسخ التي نتجتها عائلاتنا منها، نحن صور مستنسخة منهم، قد نكون أفضل مستقبلًا لكن سيأتي يومًا واحدًا يثبت لك أنك مهما حاولت فالجذور عالقة فيك والجذور لا تتغير أبدًا!
عندما تخبر نفسك أنك لن تكون حساسًا وتبكي لأتفه الأسباب مثل أمك، ستجد نفسك تبكي مستقبلًا لأن ابنتك خلدت إلى النوم دون أن تأكل وجبتها!
عندما تخبر نفسك انك لن تصرخ في وجه أبناءك عندما تكون غاضبًا ستجد نفسك تحت ضغطٍ تصرخ دون شعور منك!
وهنا يأتي دور عبارتنا الشهيرة فاقد الشيء لا يعطيه!
يُقصد فيها مهما حاولت أن تعطي الحب لمن حولك فلن تستطيع ما دام داخلك غير ممتلئ، وما دمت أنت بحاجة الحب فكيف لك أن تعطيه من حولك؟
عندما تكون الظروف من حولك سيئة وتحوم حولك الطاقة السلبية فكيف لك أن تبعث الإيجابية في الأجواء وأنت لا تملكها؟
وكأبسط مثال لا تستطيع أن تشبع من حولك إذا كنت جائعًا من الأساس!
ولا تستطيع أن تمد يدك وهي مبتورة!
كذلك لا تستطيع أن تبني منزلًا بالحب والحنان وأنت لا تملك الطوب والطين!
وكقاعدة تربينا عليها فالشيء الذي لا تملكه لا يمكنك أن توهبه لأحدٍ ما حتى يصبح ملكك وبين يديك!
قد نكون نسخًت صالحة عندما نتبنى أفعالهم الرائعة وقد نكون نسخًا غير سويَّة عندما نتبنى أفعالهم السيئة وهذا الأمر بحد ذاته يمكنه أن يكون باختيارنا إذا أجدنا التحكم في تصرفاتنا!
سنجد فينا الكثير من عائلاتنا، الجذور التي لا يستطيع الزمن تغييرها، ومحاولة أن نكون نسخ أخرى فذلك ليس مستحيلًا أبدًا ولكن يستدعي منَّا جهدًا كبيرًا، التغيير ليس سهلًا أبدًا ولكنه ممكنًا جدًّا…
ومن أجل المستقبل فبالتأكيد الأمر يستحق ذلك!
-ليالي محمد✍🏼
التعليقات