فتحت عيني لأجد نفسي هنا وسط كائنات لم أرى مثلها من قبل...

أشعر أنني في عالم غريب ...

بشع ...

أنا الآن ممدد على شيء ما أشبه بالفراش ... بل قد يكون كذلك فعلا ...

لا أقدر أن أرى الأشياء حولي بوضوح ... تبدو كلها ضبابية ...

عشرات الوجوه الضخمة تتراص من حولي بلا سبب أو معنى ...

عشرات الأصوات القوية المخيفة أسمعها من حولي دون انقطاع ...

إنهم عمالقة ... موارد لا يطمئن لهم قلب كقلبي ...

ينظرون الي عن كثب ... نظرات مقلقة يملأها الفضول ...

نظرات تثير الرعب في أعماق وجداني ...

التفوا من حولي منذ أمد طويل غير مهتمين بشيء سواي ...

ما الذي جمعهم من حولي ؟؟

ما الذي يريدونه مني ؟؟

جمعت كل ما لدي من شجاعة و رباطة جأش و جعلت أتحرك بصعوبة بالغة قصد محاولة الفرار من دون معرفة مكان أو طريق الخلاص ...

لكني لم أتحرك أكثر من بضعة مليمترات إذ أدركت عجزي التام عن مجرد

الوقوف ...

شيء ما حصل لكلا رجلي فأصبحا مكبلان أو يكادان ...

بل شيء ما حصل لجسمي كله ...

لا أحس أن جسمي هو فعلا جسمي ...

أهي حالة من الشلل ؟ لا أعرف ...

جعلت أنبش و أنبش في ذاكرتي محاولا التذكر ...

تذكر ما فات ...

من أين أتيت ؟

من هولاء ؟

أين أنا ؟

من أنا ؟؟

بائت كل محاولاتي بالفشل الذريع إذ لم تطفو أية ذكريات على سطح الذاكرة ...

أمر مزعج بحق أن تكون كائنا بلا تاريخ ... بلا أدنى فكرة عن ذاتك أو ما تفعله في مكان غريب كهذا ...

بمفردك ...

فجأة إقتربت مني عملاقة ...

تبدو مختلفة عن الآخرين ...

لا أعرف لماذا ... ربما ابتسامتها ... أو تلك الهالة من النور التي تحيط بها ...

زهرة يانعة رقيقة وسط بستان من الأشواك الغليظة ...

بعثت شيئا ما من الدفء في روحي في شتاء الأحاسيس و زمهريره ...

ثم انحنت ... و قبلتني في خشوع ...

نظرت إليها مستغربا مستفسرا فابتسمت لي في حنان عجيب من دون أن تقول شيئا ... ربتت بعد ذلك على جبيني و عدلت من وضع اللحاف على جسدي ...

ثم ابتعدت و غابت عن بصري في هدوء ...

جعلت أصرخ بشدة ...

أردت مناداتها ...

لم أستطع فلغة هاته الكائنات مجهولة تماما لدي ...

تنهدت في قهر و حسرة بالغين ثم عدت مفكرا و محاولا التذكر ...

لكن ما عساني أتذكر ؟

أشعر أن ذهني خاو تماما من كل شيء ...

جعلت أركز و أركز ...

رائحتها أيقظت أمرا ما في داخلي ...

صور غامضة بدأت في التشكل داخل ركح العقل ...

بحر كبير ... بل محيط استحم في مائه الرقراق و قد إعترمتني سعادة بالغة ... ليلة مقمرة ... بل كثيرة هي قمور سمائها ...

أناس عدة يسبحون في نفس المحيط ... في هناء ... و هدوء أشبه بهدوء الأحلام ...

حانت مني نظرة إلى سطح الماء ...

لكني لم أرى وجهي و لا السماء ...

بل وجدت نفسي في مكان آخر ...

فجأة و دون سابق إنذار ...

مكان ضيق حالك الظلمة أجلس فيه منكمشا على نفسي ...

لكن ما علاقة هذه الصور الغريبة بالمكان الذي أجد نفسي فيه الآن ؟

إنها مجرد أحلام يقضة ... أو أضغاث واقع مقلق ...

من هم العمالقة و ما الذي أفعله بينهم ؟

و لما هذه الحالة من العجز الرهيب التي تغزو كامل أنحاء جسمي ؟

بل من أنا ؟؟

هل أنا قزم بشع جعلتني هذه الكائنات فرجة ؟

هل تراني محور بحث و تجارب علمية في كوكب آخر بعيد سكانه عمالقة ؟

و خطر ببالي شيء أغرب ... و أتعس ...

هل أنا ميت ؟

لقد سمعت أن الأموات يسمعون الأصوات و لا يتكلمون ...

لكن كلا ... فالأموات لا يحسون أيضا فيما أنا أحس !!

إذن من تراني أكون ؟

من أنا ؟؟

من أنا ؟؟

و شعرت برغبة عارمة في البكاء فلم أكبحها ... أجهشت باكيا بأعلى صوتي ...

بكيت بشدة إلى أن عادت العملاقة الطيبة مرة ثانية و ربتت على رأسي قائلة هذه المرة بصوت دافء عذب يولد الإحساس بأنك واحد مع الكون بأسره :

" هيا يا عزيزي الصغير ... كفى بكاءا ... عليك أن تنام يا بني حتى تكبر

بسرعة ... "

و هنا فقط تذكرت كل شيء ...

أو فهمت كل شيء ...

عرفت من أنا ...

أنا رضيع ولد منذ يومين فقط !!

و تنهدت في ارتياح ثم إسترخيت نائما و على شفتي ابتسامة واسعة ...

ابتسامة بريئة جدا ...


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات كريم مختار

تدوينات ذات صلة