في هذا الذي نطلق عليه "كونا"، هناك على الأقل ما بين المائة والمائتين مليار مجرة... كل مجرة تحتوي على مئات المليارات من النجوم
في هذا الذي نطلق عليه "كونا"، هناك على الأقل ما بين المائة والمائتين مليار مجرة... كل مجرة تحتوي على مئات المليارات من النجوم (مجرتنا درب اللبانة مثلا تحتوي على ثلاثمائة مليار نجم منها نجمنا الذي نطلق عليه إسم "الشمس" أما جارتنا المجرة "أندروميدا" فهي تحتوي على حوالي ترليون نجم، أي أضعاف مضاعفة من عدد نجوم درب اللبانة)... وحول هذه النجوم تدور الكواكب والأجرام السماوية (بما فيها كوكبنا "الأرض").
هذا فيما يخص الجزء المرئي من هذا الكون، علما وان جل هذا الكون غير مرئي. ذرات المادة المعروفة لدينا تقدر حوالي الأربعة بالمائة (4%) من كتلة الكون الكلية أما بقيته، أي الستة والتسعون بالمائة (96%) المتبقية، فهي مادة وطاقة سوداء لا نعرف عنها شيئا ولا يمكن لأدوات رصدنا الحالية أن ترصدها...
فما هو مكان الإنسان في هذا العالم الشاسع الممتد الأطراف؟
نحن، من خلال هذه التجربة البشرية التي نعيشها على هذا الكوكب، أشبه بذلك الطفل الصغير الأعمى الذي ولد في غرفة مظلمة فجعل يحاول تحسس الأشياء والأثاث بداخلها محاولا التخمين لفهم وإدراك مكانه في هذا العالم الغامض فيخطئ ويصيب ويتعثر وينهض.
ولكن بالرغم من ذلك، فإن هذا الطفل الساذج الأعمى يملك خريطة الطريق لفك لغز وجوده كإنسان، ولسبر أغوار منظومة الكون والنفس السحيقة... ولكنه لا يملك البصيرة والوقت الكافي لفهم رموز تلك الخريطة. هو محدود بالغرائز والشيخوخة والتحولات الجسدية... ومن ثمة الموت. أما الخريطة نفسها، فهي مختلفة عن ذلك، متعالية عن المادة ومرايا الأبعاد.
خريطة الكون هي "عقل الإنسان"، وهي ممنوحة ل"فكرة الإنسان" التي لا تموت ولا تنساها الذاكرة الكونية وليست ممنوحة للإنسان بمفهوم الفرد وما يغلفها من جدران الأنا السميكة. مصير ذلك الإنسان الحتمي هو الموت والتحول دون إكمال قراءة تلك الخارطة التي يمسكها بين يديه في الظلام ولا يعرف أنها بين يديه.
جد فكرة الإنسان فيك وانطلق بعيدا عن جدران الأنا السفلية لتستنشق رحابة سماء الأنا-الكونية... ستتحر من أبعاد الزمكان وأوهامها وهواجسها... وستفتح بصيرتك لترى الكون كاملا، ولتتوحد معه حيث يعانق الصفر المالانهاية وحيث مركز السكون والطمأنينة الأبدية.
وتذكر أن كل نقطة في هذا الكون المتمدد هي مركز له بفعل ذلك التمدد... بما فيها أنت.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات