"رحلة الألسنة في ليلة الخيال: بين أشباح الحروف وعيون البومة، قصة تائهة تلقفته أنامل الإحسان."

في ليل طويل..

كأنه سرمدي،

تخرج الحروف وكأنها أشباح.

بومة..

وطواط..

أو خفاش.

كائن ليلي بشكل عام.

أراه يقف على فرع عالي وبعيد.. أحد أغصان الخلايا العصبية.

يحدق بعينيه، يقف جامدًا أو مقلوبًا.. لا آرى منه سوى عينان!

مستديرتان..

ينيران، طبيعيتان بشكل مخيف!

الظلام دامس هناك..

للبوم صوت مميز وكذلك تلك الحروف، تصرخ، تستجدي شيئا مجهولا، تطلب مني ما لا أفهم، أحاول الفرار ولكن؛ إلى أين؟

أنظر لأعلى فإذا بالعصبونات -الشبكات العصبية- تشتبك، وكأنه مشهد ليلي من وجهة نظر نملة لسماء غابة كثيفة الأشجار..



الضباب ينسل بين الأشجار..

يحاوطها..

والقمر يستجدي الظهور ولكن لا الغيم ولا الشجر يسمح له بالمرور..

والبومة من أعلى تحدق..

أود أن أهرب ولكن إلى أين؟

الضباب..

ذاك الشيء يتظاهر بإنه ليس هنا ولكن الكل يراه، الناعم الخشن الخفيف الكث، إنه كوجودي..

موجود..

ولكن يأبى الوجود!

في عقلي كل شيء مريب ولا مفر..

أطبيعيٌ أن أقول:

"كغابة كثة في ليلة بلا قمر"؟


رغم أننا البشر نعيش في عوالم داخل العوالم إلا أن عددها مهول بنسبة لي..

تبدأ بنقطة في عقلك ،ثم أنت وعقلك من وراء عينيك وكأنك تعيش العالم تنظره من خلف زجاج سيارة.. ترتدي جسدا تقوده بالنهار وتخلعه بالمساء..

ومن ثم تسكن في بيت في شارع في قرية في مدينة في دولة... في ذرة في مجرة في درب يسبح في الفضاء.. وهذا حد علمنا!

كل هذا ونعجب ممن يعانون الفصام؟

أراهم أكثر الناس طبيعية في هذا الخلق!

الغير طبيعي أو الخارق بالنسبة لي هم الذين نطلق عليهم طبيعيون..

تخيل بعد كل هذا: شخصا يرقص، يرسم على ضفة نهر، يشرب قهوة مع من يحب ويتبادلا الضحكات..

لسنا أبدًا طبيعيين، نحن خارقون!

رغم الصراع الداخلي نألف أشخاصًا بأعينهم، نسامرهم، نرتاح في وجودهم، كيف لهم أن يطمئنونا لهذا الحد؟


شكرًا لمن يستطع جعل عالمي يهدأ.

نحن غرباء، فلنيسرها على بعض..

كل منا له معركته لذا لنذكر أننا جميعا راحلون لنمد يد العون ولا ننتظر مقابل.

﴿إِنَّما نُطعِمُكُم لِوَجهِ اللَّهِ لا نُريدُ مِنكُم جَزاءً وَلا شُكورًا﴾ [الإنسان: ٩]


بمثل تلك الأفكار أستشعر قول النبي ﷺ حين جعل مجرد الابتسامة في وجه الأخ صدقة، ولما حُرم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس، ولماذا حصاد الألسنة يُكِب الناس على وجوههم في النار..

كلها تشريعات للمعاملات وضعها لنا الخالق حيث أنه أدرى بنا منا وأدري بما يلزمنا..

يعلم أننا لا نطيق أنفسنا ولولا العطف لهلكنا.

لا تحْقِرَنَّ من المعرُوفِ شيْئًا، ولوْ أنْ تلْقى أخاكَ بوجْهٍ طلْقٍ الراوي: أبو ذر الغفاري • الألباني، صحيح الجامع (٧٢٤٥) • صحيح • أخرجه مسلم (٢٦٢٦)

فما نحن إلا عابري سبيل نستظل بظل شجرة ثم سنروح ونتركها..


ابتسموا، ودمتم بخير.


هاجر عيد

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

١٠ - ما لي وللدنيا، مَثَلي ومَثَلُ الدنيا كمَثَلِ راكبٍ قال: في ظِلِّ شجرةٍ في يومٍ صائفٍ ثم راحَ وتركَها
الراوي: عبدالله بن مسعود • أحمد شاكر، تخريج المسند لشاكر (٦/١١٤) • إسناده صحيح • أخرجه الترمذي (٢٣٧٧)، وابن ماجه (٤١٠٩) مطولاً، وأحمد (٤٢٠٨) واللفظ له

إقرأ المزيد من تدوينات هاجر عيد

تدوينات ذات صلة