تخيّل شخصية من شخصياته السبع وهي تجري لتتّخذ دورًا تمثيليًا لأحد القراصنة! أعادته الأرجوحة من انفصال عقله.

ذهبَ بكلتا قدميه إلى منزله القديم الذي كان يأويهِ في مرحلةٍ قاسيةٍ من عمره، لم يستطع نسيان الأوقات العصيبة التي قضاها هناك ولكنه مازال يتذكّر الأشياء التي فعلها لكي يتوقّف عن الشعور بالألم.

وضع ألعابه المخبّئة تحت سريره بجانب -صندوقه الخشبيّ- احتفظ بقصاصاتٍ تحمّل عدّة معانٍ وأحجارٍ كان قد جمعها قبل انتقاله الأخير من كهف يبعُد عن منزله مسافة أربعين دقيقة مشيًا على الأقدام. وجدَ أن رسوماته قد بقيَت مثلما تركها والتي أخذت شكلًا مختلفًا يَضجّ بألوانٍ عشوائية غير منسجمة، بالإضافة إلى بقايا من حِبرٍ أسود ذي بُقعةٍ مُشجّرة أسفل كل ورقة وكأنّها علامة أو توقيع ما، تحمل معنًى خفيّ يَدُلّ على حالاتٍ مزاجيّة ونفسيّة شتّى خاضها بمفرده وقرّر مشاركتها مع الوَرق لتكون شاهدة عليه!

كان يَجِدُ سلوته عندما يُدندنُ موسيقاه المفضّلة، لطالما همهمت والدته بترنيمةِ ما قبل النوم. كم يشتاقُ لنومه العميق بين يديها وشعوره بالدفء الذي افتقده في صدره ليحلّ محلّه بردًا وخوفًا لا ينتهيا ولا يتوقّفا. وسط كومةِ الفوضى تلك، وذكرياته المُتخبّطة رأى من النافذة حديقة صغيرة، تخيّل شخصية من شخصياته السبع وهي تجري لتتّخذ دورًا تمثيليًا لأحد القراصنة! كان يُحبّ تلك العُصبة والقُبّعة السوداء، سيفه الخشبّي الذي يضرب به بداية ونهاية الحواجز في ذلك الملعب البالي. أعادته الأرجوحة من انفصال عقله، ذلك المشهد البطولي في لحظة بطيئة يرجع كل شيء إلى الخلف! نظر من النافذة مرّة أخرى، أرجوحة مكسورة تُصدر صوتًا مُزعجًا، أخذ معطفه وتوجّه مُسرعًا إلى خارج المنزل ليقترب من تلك الحديقة.

لكنه لم يلبث طويلًا حتى شعر بأن هناك من يَتبعَه!

توجّس . . ثمّة شخص ما!

تلفّت يمنة ويسرى . .

هل مَن أحدٍ هنا؟

لا إجابة سوى شعورٌ يتفاقم بوجود خطر ما

(صوت خطوات تقترب أكثر)

(صوتٌ حادّ يَصُمّ أذنيه)

يصرخ الشاب في خوف

يرى شيئًا ما . . ضبابي

وشاحٌ أزرق!

(يُغلق عينيه بشدّة)

أين رآه قبل اليوم؟

(يشعر بخَدرٍ يتسلّل إلى جسده)

(صورٌ تتدافع إلى مخيّلته)

(تذكّر كوب القهوة)

شخص غريب ينظر إليه

(يترنّحُ من ألم أذنيه)

يصرخ:

مَن أنت؟

وشاح . .

تذكّرت . . تذكّرت

(صوتٌ يُشبه مضربه الخشبي يرتطم برأسه)

ثم سقط مغشيًا عليه.




25/11/2022

بجانب الأرجوحة

غاده حسن



GHADA HASAN

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات GHADA HASAN

تدوينات ذات صلة