"مونولوجٌ وجوديٌّ يرقص على حافة العدم، حيث الأحلامُ تذوبُ كالسحاب والقلبُ يحاولُ ألّا يعيقَ أحداً."


مرحبا أيَّتُها الفراشةُ..

لا! لم أعد أحبُّكِ..

عمرُكِ قصيرٌ كخطواتي نحو الفرارِ!


مرحبا أيَّتُها الطيورُ المهاجرةُ..

هل يمكنني الانضمامُ؟

قالت: "لن تستطيعي! حتى حرف W سيكسر جناحيكِ!"

فأجبتُ: "دعوني أكون القائدةَ!"

نظرتْ..

تلك النظرةُ التي لا تحتاج إلى تفسيرٍ..

ومضتْ..

مرحبا! أنا لا أعيق أحدًا!

أحلامي لا تعيق أحدًا!


ثم سرحتُ ونظرتُ إلى السحابةِ في الأعلى: مرحبا أيَّتُها السحابةُ! هل أنتِ مثل القطنِ أم كغزل البناتِ؟ أم أنتِ لا شيءٍ!

أخشى أن تكون أحلامي يوما مثل السحابةِ؛ عندما أكاد أمسُّها أدرك أنها لا شيءٍ!

تتبخرُ!

أين ما كنت أنظر إليه كثيرًا؟ أين اختفى؟ في الحقيقة هي ليست شيئًا، هي لا شيءٌ.

ماذا سأفعل حينئذٍ؟ هل سأنتظر سحابةً جديدةً لأرى أنها لا شيءٌ كسابقتها؟

أم سأعيش اللحظةَ وأظل أتأمل السحابَ، وأمل أن أمسَّه ذات يومٍ!


مرحبا أيَّتُها الطيورُ، أنا لا أعيق أحدًا.


بينما كنتُ أحاول مطاردة السحاب ببصري، اخترقتْه طائرةٌ خفيةٌ كالحلم... كأنها تسخرُ من عجزي عن اللحاق حتى بالذي يتبدد!


أتسمع صوتها؟ ولكن؛ بين السحاب هي فلا تراها..

أو أتعرفُ حينما تسمع أصوات العصافيرِ ولكن، لا تميز من أيِّ شجرةٍ يصدر الغناءُ؟

أترى عندما ترى الأشجارَ الكثيرةَ والغاباتِ الكثَّةَ، وتشعر بما وراءها، ولازلت لا ترى؟

أتعرفُ عندما تنظر لأحدهم فتشعر بالبكاءِ، ولكنك لا ترى الدمعَ؟

أترى عندما تغمض عينك فتشعر بالحريةِ، ولكنك لا تبصرها؟

كذلك الكثيرُ من الأشياءِ...


ما عدتُ أرى أيَّ شيءٍ!

أشعر أني في صندوقٍ أبيضَ، وليس أسودَ. أستشعر ضوء الشمسِ على جفني وعلى خدي الأيسرِ في ساعة غروبٍ، ولكن لا أرى أيَّ شمسٍ...

أشعر بالبياضِ والأحلامِ والحمامِ والحريةِ، ولكن أين كلُّ شيءٍ؟


أيَّتُها الطيورُ المهاجرةُ، مرحبا! أنا لا أعيق أحدًا!


بعدها نظرتُ إلى الأرض حيث من الأزمِ أن أكونَ!

وحين لمحتُ البحرَ همس في أذني:

- أنا هنا، ألا تنضمينَ؟!

- واسعٌ أنتَ!

فأجاب:

- ضيقٌ على من أحبُّ... (بصوت الأمواج الخافتة)

- عميقٌ أنتَ!

- وأنتِ أعمقُ مما تخشينَ... (همسة الرغوة)

- باردٌ في الصباحِ!

- ودافئٌ في المساءِ! (قبل أن يبتلعها المد)

- الرياحُ حولك شديدةٌ!

قال:

- سألقي عليك لحافي، ولن تشعري بشيءٍ.


فسرتُ إليه...

بأنامل ترتعشُ وقلبٍ راقصٍ. أعرف أنه واسعٌ، سيَسَعُ قلبي وأحلامي وأفكاري، ولكن... بي خوفٌ!

شعر بي البحرُ فقال: وأنا أيضا أخافُ...

استأنستُ بخوفهِ... فهو أيضا مثلي، يخافُ!


قال: هلمي! شعرتُ بشعرات جسدي تستجيبُ... والبرودةُ من الخارج توازن ما بداخلي...

أردتُ بعض المثلجاتِ -كعادتي- وعندما أوشكتُ...

عندما اقتربتُ من كلِّ شيءٍ...

عدتُ خطوتين للوراءِ...

ثلاثٍ...

أربع خطواتٍ...

ثم هربتُ.


تركتُ عنده شيئا يخصني ورحلتُ...

ومن يومها أشعر بأن شيئا ينقصني... تحدثني النجومُ: لم هربتِ؟ فأقول: تركتُ...

يغني القمرُ: لم تركتِ؟ فأقول: لأعرفَ!

لأعرفَ هل فعلا أحتاجُ أم فقط أريدُ...


يهزني السحابُ: مرحبا! أنا لا شيءٌ...

وأرى الطيورَ، فأصرخُ:

- أنا لا أعيق أحدًا!

فردت الطيورُ بصيحةٍ جماعيةٍ، كسيمفونيةٍ تهز السحابَ، سيمفونيةٍ مضحكةٍ... وكئيبةٍ بعض الشيءِ:

- تعيقين نفسكِ! تحبسيننا داخلكِ...


فرددتُ بعد أن تكشَّف كلُّ شيءٍ بي، ورأيت ما بداخلي:

- مرحبا... أنا... لا... أعِ...

فجأةً...

كان الصندوقُ الأبيضُ قد صار سحابةً،

والسحابةُ لا شيءٌ،

وأنا... لا أعيق أحدًا!

هاجر عيد

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات هاجر عيد

تدوينات ذات صلة