رحلة سريعة -خضتها أثناء ارتشافي للشاي المنكه بالقرنفل- بين بعض مؤرقات النفس البشرية، وبعض التساؤلات التي تشغل بال الجميع وبالأخص الشباب الجديد.
نكهة القرنفل، قوية جدا، تكاد تضاهي دوامات رأسي في الإطاحة بكل لحظات وحدتي المؤنسة!
مخيف أن يتحكم بك ما ليس لك به علم، هل حياتك هي حياتك حقا؟ هل اختياراتك هي ما يحدد من تكون حقا؟ هل أمنياتك هي ما يُري جوهرك ومعدنك؟ وهل تصرفاتك نتاج قراراتك وحدك؟أم أن كل هذا كان نتاج أفعال الآخرين، أم أن كل هذا صورة رُسِمت لك لتمشي عليها دون علم منك؟ وأن كل هذا جذور غرست فيك دون رغبتك!
مخيف، أليس كذلك؟! ألا تكون أنت أنت، وبين أنت وأنت لست تدري بأيهما تثق، ولست تدري ماهيتهما من الأساس! أحدك واثق والآخر يتخبط عند كل واقعة كبيرة كانت أو صغيرة، أحدك مندفع والآخر يكره اندفاعك ويبغضه ويؤثر الاختفاء على المواجهة، أحدك صامت والآخر لا يستطيع كبح لسانه عندما تعتريه موجات السعادة، أحدك كثير التفكير والتدقيق والملاحظة بينما الآخر لا يبالي كيف يبدو شكله اليوم، أحدك يحلم بالحب مستيقظا وأثناء نومه والآخر لا يراه إلا محض ترهات سخيفة وُجدت من عدم لتقود إلى عدم آخر ولكن بجعله أكثر مأساوية وحزنا، أحدك على فطرته وأحدك الآخر شوهته الدنيا بقبحها!
هل تلك الجذور التي غرست فيك، غرست لصالحك؟ أم لصالح غارسها؟ أم أنها غرست رغما عنها هي الأخرى، عندما لم يكن لك ولا لها سلطان على الانغراس، وكان لغارسها كل الجهل وبعض الذنب في ذلك؟! ومن هم غارسوها أصلا؟! ولماذا لم يشغل تفكيرهم ولو للحظة أن حياة إنسان قد تشوه وتعاق وتُدَمَّر إذا لم يكن الغراس مناسبا تربته؟ أكان جهلا يا ترى؟ وهل يجازى المرؤ بجهله؟ هل لي أن ألوم عليهم جهلهم أم عدم مبالاتهم بالسعي لتحسين الغراس؟ ربما عليهم كل الذنب وكل الجهل في ذلك!
وهل يشترط أن يكونوا "هم" السبب الرئيسي؟ أليس من الممكن أنها عثرات الحياة أصابتهم كما هي الآن تصيبنا وأن الدنيا قد أمطرتهم بوابل من الحجارة كما هو الحال مع جميع بني البشر ولم نكن نحن غير الآثار الجانبية لتخطيهم هذه العقبات؟ هل من الممكن أن نكون نحن -بهذا المنطلق من التفكير- سببا في انغراس فاسد في روح أخرى؟! ترعبني حتمية هذه الفكرة!
وكيف يتخلص المرؤ من جذوره إذا وصل للاستنارة، استنارة أنها ليست تمثله وأنها في الأصل تضره ولا تنفعه، تقيده ولا تدفعه، تثبطه ولا تشد أزره؟ أليس لنا خلاصٌ منها؟ هل طبعت علينا إلى الأبد؟!تعصف بي الأسئلة تباعا، ولا أجد إلى الإجابة سبيلا! حقا، رأس الإنسان ومخيلته قادرتان على إيصاله أقصى درجات السعادة وأدنى دركات الكآبة والحزن كذلك!
ولكن، أعتقد أني قد اهتديت إلى بعض السكينة، إلى بعض أمارات الوصول إلى الحقيقة...قد تكون هذه التساؤلات دائمة، تساؤلات كتب لها أن ترافقنا طالما رافقنا النَفَس. وأنه كلما ظننا الوصول إلينا، تفاجأنا أننا مازلنا في منتصف الطريق أو بداياته، وأن أميالا وأميالا لا زالت بانتظارنا لنقطعها، وأن أشواطا وأشواطا وعثرات كثيرة علينا أن نتخطاها؛ لنصل إلينا، وإلى أنفسنا، إلى من نكون حقا، وإلى تكسير كل القيود التي غرست فينا فاعتقدنا أنها نحن، وإلى خلق دوافع أسمى وآمال أكبر وراحة عُظمى.
لا زلنا في بداية الطريق يا صغيرتي، أعدك، لن أستسلم يا نفسي، ليس الآن، ليس بعد ما عشناه، ليس بعد كل ما تخطيناه معًا! لا تخافي يا نفسي العزيزة، لا بأس ببعض التناقض ولا ضير في بعض التخبط، لا بأس ببعض -أو كثير من- الصراعات الداخلية؛ فلكل منا ندوبه مهما بدت ساذجة، لا بأس بكل هذا، لم نخلق لنكون كاملين، ولم نخلق بكتيب تعريفي عن الحياة والبشر ومفاجآت ومخاطر وبركات القدر، بل إنها رحلة حتمية لكل منا عزيزتي، إنها متعة أن تكون إنسانا، ولا بأس ببعض الألم متخللا تلك الرحلة؛ فما زال الألم هو السبب الجوهري لتقدير لحظات التعافي والنمو والوصول.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
❤️❤️❤️❤️❤️🥺