تلخيص وإيجاز لكتاب رسائل هاربة الصادر عن دار مسار للنشر والتوزيع، متبوع بتفاصيل ظروف كتابة العمل وما وراء رسائل هاربة.


حول كتاب رسائل هاربة:


رسائل هاربة، مجموعة من الرسائل والخواطر التي تدون بعض المشاعر التي تضرب القلب عندما يقع في الحب، كما أنها توثق أحداث ومراحل قصة حب حقيقية بين شاب وفتاة في مقتبل العمر، من وجهة نظر الفتاة بطلة هذه القصة. تمت كتابة هذه الرسائل على مدار سنتين، ثم تم جمعها وترتيبها وتنقيحها في عمل واحد ليصلح للنشر كعمل أدبي.


ولأن هذه الرسائل، التي بلغ عددها ثمانية رسائل بعد المئة، تعتبر توثيقا للمراحل المختلفة التي مرت بها قصة الحب هذه، تم تقسيم العمل إلى أربعة فصول: لقاء، فحب، ثم فراق، ونهاية تستحقها في عودة.

رسائل فصل "لقاء" توثق شرارة الإعجاب وشدة الافتتان الذي يشغل العقل والقلب ويترك المرء في حالة لم يعهد لها مثيل. رسائل فصل "حب" توثق المرحلة التي كانا فيها مع بعضهما تحت مظلة العشق، وكيف كان الحب يلعب بهما أحيانا، فيتركهما مترددين حيال مشاعرهما لبعضهما البعض، وكيف كان الحب يسحبها لعمقه كل يوم أكثر من ذي قبل، ثم الظروف التي أدت للفراق. ثم نصل لرسائل فصل "فراق" وهي القسم الأكبر من العمل، حيث إن البطلة في الفراق عرفت وتأكدت من مشاعرها، فكانت تكتب له الرسائل وتحتفظ بها لنفسها، تكرهه فيها تارة وتحبه فيها تارات أخرى؛ فكل شيء كان يتغير، والثابت الوحيد أنها تُحبه. رسائل فصل "عودة" هي الرسائل التي كتبتها وسجلت فيها مشاعرها عندما أقدمت، وتخلت عن كبريائها لتكسب حبيبها مرة أخرى.

سبق هذه المراحل مقدمة عن الحب وماهيته وفعلته في بني البشر، ثم شرح بسيط للظروف التي نشأ فيها هذا الحب لمن سيقع الكتاب بين يديه، ولحق هذه الرسائل خاتمة تُظهر حالة البطل وشخصيته، وحالة البطلة وشخصيتها.



ما وراء رسائل هاربة:


منذ أن تعلمتُ الكتابة، وعَلِمْتُ عن نفسي أني أجيدها (كنتُ في العاشرة من عمري تقريبا عندما لاحظ أبواي ومعلمات اللغة العربية موهبتي)، وأنا لا أخط بقلمي شيئا لأنال إعجاب أحد، جُلُّ ما كتبت إلى هذا اليوم أعبر فيه عن مشاعر تختلجني بصدق بالغ، ووجدت أني محظوظة لأن تعبِّر كلماتي عن مشاعر شخص آخر، وأدركت أن المشاعر الإنسانية واحدة، وأن الاختلاف فقط يكون في تفاصيل الحكاية والتجربة. وعندما حاولت أن أكتب أي شيء لم أعش مشاعره أو أشعر برباط روحي معه لم ينتهِ إلى أن يكون بذات الجودة.


دائما ما كانت الكتابة متنفسي، تُشعرني أني أقلَ وحدة، وأن كل شيء يصبح أوضح وأبسط طالما أخرجته من غياهب عقلي إلى نوافذ الورق. ولمّا أصبحت أشارك ما أكتبه مع بعض الأصدقاء، وأجد أن كلماتي لم تكن تعبر عني فحسب، بل بطريقة ما تعبر عنهم، كنت أشعر أن وحدتي تزداد تضاؤلًا، وهكذا بدأت رسائل هاربة.


لم تكن أبدًا نيتي أن أكتب وأنشر كتابا يحوي شتات حياتي وتخبط مشاعري وتقلبات مزاجي ويكشف عن نقاط نرجسيتي وأُظهر فيه ضعفي، وغضبي، وجرأتي، وقوتي. كنت فقط أكتب كل ما أشعر أولًا بأول خلال تجربة أمر بها، وكانت في هيئة رسائل لأنني كنت أخاطب شخصًا بعينه، شخصًا وددت لو كان بالإمكان أن أقول له كل ما يدور برأسي منذ أن ألفت روحي روحه. ولكن لأننا لسنا في عالم مثالي ولأن للحياة قواعد لم تُكتب نسير عليها كلنا، لم أجد سبيلا لإخراج كل هذه المشاعر والأفكار إلا إلى الورق. بالطبع كلما توطدت علاقتي به أكثر كنت أشارك معه من هذه الرسائل ما كان يسمح لي كبريائي بمشاركته، ولكنّ معظم هذه الرسائل لم يصل إليه.

بدأت هذه الرسائل منذ ديسمبر 2019 وقررت أن أتوقف عن كتابتها مرات عديدة منذ ذلك الحين؛ لأسباب عديدة. كنت أفكر أحيانًا أني لا أفعل صوابا بكتابتي هذه الرسائل وأنها دون جدوى ولن تقدم ولن تؤخر في قصتي شيئًا، ثم تغلبني نفسي فأعود لأكتب من جديد وأقول: لا يهم رأي المنطق طالما أني لا أفعل حراما، ولا أؤذي أحدا، وأجد الراحة فيما أفعل. وعندما حالت بيننا الحياة ومشاكلها وأشباح ماضيينا وأشياء لم نكن نعي أثرها علينا وافترقنا، قررت أن أتوقف عن الكتابة حتى أتجاوز وجوده في عقلي لأتجاوز وجوده في حياتي، غير أني كنت أعود لأكتب؛ فإذا كان للأقدار حكمة في أن تضعنا في طريق بعضنا ثم تبعدنا عنه، لم أجد فائدة من أن أقسو على قلبي أنا الأخرى بأن أحرمه من الشيء الوحيد والمكان الوحيد الذي يجمعه بأليف روحه بينما يستوعب عقلي حكمة الله فينا. وعندما قررت أن أتوقف عن الكتابة لأنني تجاوزته أخيرًا وهو تجاوزني كذلك وأصبح لكل منا حياة مختلفة ومنفصلة تماما عن الآخر، حين كتبت آخر رسالة في الكتاب في ديسمبر 2021، وجدت يدي تكتب إليه مرة أخرى؛ لأنني وإن كنت قد تجاوزت وجود شخصه في حياتي فأنا لم أتخلص من حبي له. رسالة تلو الأخرى وأحرف تتراص بجانب بعضها فقط لتشهد على أن ما أمر به لم أمر به من قبل، على أن كل هذا جديد عليّ، على أني أفعل ما بوسعي لكيلا أفقد صوابي بمصابي، لتشهد على أن الحب يستطيع أن ينجو من أشياء كثيرة فقط إذا كان صادقًا بما فيه الكفاية.


يحوي الكتاب رسائلا منذ ديسمبر 2019 إلى ديسمبر 2021، غير أنه لا يحوي كل الرسائل التي كتبتها إليه، غير أن كل ما في الكتاب لم يُحرَّف أو يُغير ليناسب أي حبكة درامية، إلا أن الحياة لها طريقة فريدة بالتلاعب بنا؛ فالقصة لم تنتهِ كما انتهت في الرسائل، والرسائل لم تتوقف عن كتابة نفسها حتى يومنا هذا. ليس كل ما قيل في الرسائل حقائق، ولكنها مشاعر، في الرسائل أفكار ومشاعر، والأفكار ليست حقائق، ورؤيتي للقصة بمفردي ليست القصة كلها، ولكنها مشاعري كلها في ذانك العامين.


كان لهذه التجربة أفضال كثيرة عليّ، أوضحها مسيرتي في الكتابة. أذكر بوضوح كيف كان يخبرني أن كلماتي تخاطب مشاعر الآخرين لا عقولهم ولهذا لها أثر كبير في النفوس، ولهذا تجرأت مرات عديدة على الكتابة حتى حين يخبرني عقلي أن كفاكِ حُمقًا. ويخفى على الناس أني أصبحت إنسانًا أفضل بفضلها كذلك؛ كلما مرت الأيام عليّ وأنا أعيد في رأسي شريط الأحداث والذكريات التي مررنا بها وصنعناها معا بعينٍ متمحصة لا بعينٍ حانية، كنت أعرف عن نفسي أشياء لم أكن أعرفها، كنت أدرك مواطن تعثري وأنماط أفعالي ونقاط ضعفي التي تحتاج إصلاحا ونقاط خطأي التي تحتاج تقويما. أصبحت إنسانًا أفضل بفضله، حتى وإن لم يدرك هو ذلك.


من أين جاء قرار النشر إذًا؟ كان قرار النشر بمثابة قرارٍ بالتخلي والإفلات. لا أريد أن أكون متشبثة ببقايا حب لا أعلم حاله في قلبه، ولا أريد أن أظل منتظرة لليوم الذي أستطيع فيه أن أبوح له بكل هذا الكلام الذي فاض مني إلى الورق. قمت بجمع كل ما يصلح لأن يخرج إلى النور، وحرصت أن أخرجهم بترتيب كتابتهم قدر المستطاع... أردت مرات عديدة أن أغير بعض المشاعر السلبية والكلام الجارح الذي خطته سطوة الغضب في بعض الرسائل لأجل الحب الذي يحتل جوارحي، ولكني آثرت الصدق تجاه كل من ستسوقه الأقدار ليقرأ رسائلي. صدقًا، لم أرفع آمالي كثيرا بأن يُقبَل كتابي للنشر، لأسباب عديدة، ولكني قلت في نفسي أن أحاول، إن صابت فخير، وإن خابت فخير.


ما أود التأكيد عليه في هذا المقال الذي أعلم أنه لن يمر على كثيرين: أن المرأة التي كتبت تلك الرسائل ليست هي المرأة التي أنا عليها اليوم، وأن الرجل الذي كُتِبَت إليه وعنه هذه الرسائل ليس هو الرجل الذي هو عليه اليوم. ولكنّ المرأة التي كنتُ عليها والرجل الذي كان عليه يستحقان أن يُعرفا بلا خجل من أي شيء.


كلانا مر بالكثير الذي غيَّر فينا وأعاد تشكيلنا، ولكن بطريقة ما لا تزال أرواحنا على حالها، وأنا عرفت روحه واتصلَت بروحي، وإذا اتصلت الأرواح ببعضها فلا شيء بعد ذلك يكون ذا أهمية بالغة، حقًا. كل شيء حولنا تغير، جُلُّ الأشياء فينا تغيرت، نفوسنا تغيرت، ولكن يظل الثابت أني بطريقة ما أحبه، وأجد قوةً في هذا الحب وأستمد منه قوة تعينني على عيش أيامي مهما تحورت صورة هذا الحب وحالته، وأني وإن كنت الكاتبة إلا أن كلماتي تحمل عبقه بطريقة أو بأخرى.


أعلم أن قصتي معه لم تنتهِ بعد، رغم أن كل الحقائق تشير إلى ذلك، ولكن أنا في صبر بالغ، أعيش حياتي بسعادة وهناء ورضا، إلى أن أرى حكمة الله في غرس هذا الشعور فيّ أو حين أوان اقتلاعه، طالما أن كل شيء بقضاء الله وتدبيره فأنا أعلم أني لن أضيع ولن أُخذَل.


صدر لي بفضل الله وتوفيقه كتاب رسائل هاربة عن دار مسار للنشر والتوزيع، ليبدأ رحلته على الأرض وبين أيادي الناس من معرض القاهرة الدولي للكتاب 2023.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

🥺💓💓💓

إقرأ المزيد من تدوينات همسات| فاطمة وائل

تدوينات ذات صلة