سأقرأ هذه الفقرة مرة أخرى، أشعر أني لم أفهمها جيدًا... بالفعل لم أنتبه لهذه الجملة... مرة ثالثة... ياله من عبقري!
قرأتُ أوراق الورد، أو لعلّي قرأتُ بعضًا من نفسي في أوراق الورد.
رسائل الرافعي لحبيبته التي رَفَضَتْ أن تجاور رسائلُها رسائلَه؛ لأنها لم تكتبها للنشر، تلك الحبيبة التي لولاها لما وصلَنا من بيان الرافعي ما وصلَنا، فكل الشكر لكِ يا من كثرت حولها الأقاويل.
يبدأ الرافعي بفلسفة الحب، لأجده يُخرِجُ منها فلسفة الجمال، فما الجمال عندَه إلا ما يُجَسِدُه الحب له من المحبوب، وما الحب إلا منزلة علَت عن الإنسانية ودَنَت عن الألوهية. وهو بين الجمال والحب في أوراق الورد، يعرض شيئًا من فلسفته عن الحياة والناس، فلا يدع لنا خيارًا سوى أن ندرك ونُقِّر أن من البيان لسحرًا.
أقرأ الكلمة تلو الكلمة وأعجب: كيف لإنسان أن يصف ما في عقل إنسان آخر بهذه الدقة؟ وما كان هذا سوى تأكيد لفكرة عاشت في رأسي طويلًا حتى أصبحت مُعتقدًا ثابتًا: كل البشر يعيشون المشاعر ذاتها، على اختلاف مسمياتها أو مسبباتها، وما الكتابة إلا إعادة هيكلة للمشاعر.
الحمدلله على نعمه الكثيرة، والحمد لله أن أنعم علينا بأدب الرافعي.
لم يكن الكتاب سهلًا أو خفيفًا، وكيف له أن يكون وهو تجسيد وتخليد للسحر بعينه؟!
لم أقضِ في حياتي حتى الآن وقتا أطول مع كتاب كما قضيتُ مع أوراق الورد، فأتركه مرةً لانشغالي ثم أعود عندما تخف الحياة وطأتها عليّ، ومرة أخرى أتركه؛ لأسمح لعقلي بفترة تعافٍ من آثار الثمالة التي سببتها لي صُفَيحاتُه، وبين كل غياب وعودة تبني فيَّ كلماته وتُشكِّل، وأتفكر في معانيها وأتفكر في معاني نفسي، فما كنتُ أبتعد عنه أيامًا إلا وكنتُ قد اقتربتُ من نفسي أكثر.
ولو سآخذ على الرافعي مأخذًا واحدًا في مؤلفاته الثلاث التي قرأت، فسيكون تصوره المادي للمرأة في معظم أفكاره، فهي المحبوبة في نظره وليست المُحب، ومنها وبها يعرف هو الجمال، ولا يراها إلا وسيلة خداع شيطانية.
لكن لا بأس؛ فلربما لم يقع الرافعي من نفس امرأة كما وقعت صاحبتنا من نفسه، ولربما وقع، ولم تكن ذات بيان ليعلم كيف يفعل هو في قلبها وحياتها وعقلها.
أُنهي أوراق الورد اليوم، وأرى الرافعي يقسو على المرأة، فأغضب... ثم أتفكر، فلا أجده إلا قاسيًا على الحب الذي عرفه بالمرأة، فأعذره، وأفهمه، ولا أريد سوى الاستزادة من عذوبة سحر بيانه!
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات