يقال أن الكلمات نور وبعض الكلمات قبور ولكن ماذا إن كانت نفس الكلمة قبرا ونورا؟ الكلمات ليست مجرد أحرف بل عالم آخر.
قد تبني كلمة ناطحة سحاب عظيمة، وقد تهدمها كلمة أخرى في لحظة.. الكلمات مثلها كمثل الريح متغايرة ومتقلبة بين حين وآخر وإن كانت بنفس الأحرف والهيكل ولو حتى بنفس المعنى.
كلمة " حٮر" قد تراها من الوهلة الأولى حبر وقد تراها خبر أو خبز أو ربما تراها جبر.. ستراها بشكال مختلفة في كل سياق وستفهم عنها معنى مختلف عن الآخر في كل مرة رغم ثبات هيكلها الشكلي بدون نقاط.
السياق الذي تتقولب فيه كلمة ما قد يودي بحياة أحد الناس وقد تعيد آخر للحياة.. يزفر بها الزفير الاخير ويؤخذ الشهيق الاول بها كذلك. نفس الكلمة قد تقال بكل صدق وهي نابعة من أعماق القلب.. وقد تذكر في سياق يراد به النفاق أو التملق.. قد تذكر هزلا ومزاحا وقد تذكر بجد أو حماسة.. ربما تقال بكل قوة وربما بضعف ووهن، وفي كل مرة ستراها بشكل ومعنى مختلفين وبعيدين كل البعد عن سائر معانيها الأخرى.
ليس السياق من يحكم الكلمة منفردا فيزامله في تلك المهمة لغة الجسد أيضا فتؤثر تأثيرا سحريا في وقع الكلمات على نفسك..
نظرة الأعين تغير المعنى من النقيض للنقيض في لحظة..
"انتبه لنفسك " جملة من كلمتين فقط يتغير معناها بطريقة نظر مخاطبك لعينيك.. ان نظر بحب ولين فهو يبتغي حقا سلامتك وان نظر بحدة شديدة فهو يقصد بها تحذيرك من شيء ما وربما يقصد تهديدك.. ولكن ان نظر بضعف وشفقة فهو يقصد بها توجيه اللوم والعتاب نحوك لإهمالك صحتك مثلا!
كذلك تؤثر الإيماءات أيضا في معنى الكلمة فالشد على اليد يؤكد على الحميمية بين وبين مخاطبك وصدق ما يقول لك.. وطريقته عندما يربت على كتفك يقول لك بها دون أن يحرك لسانه أو شفتيه انه إلى جوارك ولن يتركك، ويقد يقول لك بها أنه فخور بك وأحسنت صنعا!
عوامل أخرى عدة تزيد من وضوح الكلمة ومغزاها غير ما سبق ذكره، فمثلا لحركة الحاجبين والجبين ونبرة الصوت وحركة الجسد ككل -بالثبوت أو فرط التحرك أو التوازن بينهما- نصيب من القدرة على إيضاح المعنى والمقصود بالكلمة.. وتؤثر كذلك طريقة الجلوس أو الوقوف على أثر الكلمة في نفسك، كما ان لوضع الذراعن وتعبيرات الوجه بالابتسام أو الامتعاض مكان بين تلك العوامل، فمثلا ثبوت تعبيرات الوجه بشكل مبالغ فيه أثناء الحديث عدم الاكتراث أو الملل مما يستمع له.
تتغير الكلمة أيضا عندما تقال وجها لوجه عنها عندما تكون مسموعة فقط عن أثرها إن كانت مكتوبة.. لكل شكل من تلك الأشكال الثلاثة وقع مختلف في نفسك.. أجملهم وأكثرهم وضوحا ومنعا لحدوث سوء الفهم هو ذكرها وجها لوجه فعندما تقدر على أخذ باقي عوامل التأثير في الأعتبار بشكل أوضح، ويختلف شعور الحديث وجها لوجه إن كنت في نفس مكان المخاطب عنه إن كان الحديث مصورا خلف شاشات الهواتف والأجهزة اللوحية.. ربما تكون التكنولوجيا الحديثة قد سهلت وصول الكلمات من المخاطب إلينا لكنها جعلت مهمة الفهم صعبة بل وأحيانا مستحيلة.
لكلماتنا أثر في نفوس من حولنا سواء كانت ملفوظة وجها لوجه أو مسموعة أو مقروءة فإنها ليست مجرد أحرف متجاورة بل هي فرشاة رسم ترسم مشهدا كاملا في كل لحظة من لحظات حياتنا وحيوات الآخرين وبها قد يكون المشهد مفعما بالحب والألوان وقد يكون أسودا ذو مجمل قاتم.
حاول بكل ما أوتيت من قوة ألا تجرح نفس أحد بكلماتك عن عمد أو بدونه.. فأدمى جروح النفس هي تلك التي تسببها الكلمات.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
جميلة جدا 👏❤️