لا توجد صيغة واحدة للاختلاف، فسواء كان اختلافك في مظهرك أو طريقة عمل عقلك ففي الحالتين اختلافك يحمل بداخله ما يميزك.
الاختلاف.. يتضارب في وضع تعريف يشمل جميع جوانبه الناس والعلماء مهما حاولوا فعل ذلك.. أي انك يمكنك أن ترى أن الاختلاف يبرهن على نفسه عندما يحاول الناس ترجمته وشرح معناه فيظهر ذلك في شكل اختلاف وتضارب في آرائهم! لكن في جميع الأحوال يتفق الناس على أن أوجه الاختلاف "مختلفة" فمنها الوجه الخير والشرير والأبيض والأسود، وكل شيء ومخالفه.
ما أود أن أتطرق إليه وأحدثك عنه اليوم هو أنني أدركت مؤخرا وجها آخر من أوجه الاختلاف الكثيرة والمتعددة.. فيما مضى كنت قد حدثتك في إحدى مقالاتي الماضية عن الجمال الموجود في كل اختلاف حتى وإن كان ظاهرا لك في بادئ الأمر بوجهه الشرير أو السيء فقط، لكنني لن استهدف هذه الفكرة في مقالتنا اليوم ما سنتحدث عنه هو شيء جعلني أحد أساتذتي أراه رغم أنه دائما كان أمام عيناي ولم ألحظ أهمية وجوده، أقصد أن أستاذي مكنني من بلورة فكرة ذات معنى وعمق وبعد آخر لها القدرة على التأثير في حياة كثيرين منا.. وأنا على رأسهم.
كثيرا ما كنت أنزعج لاختلافي في بعض الأشياء عمن حولي سواء أكانوا من أقراني في العمر أو يزيدون أو عكس ذلك.. فمثلا حبي للكتابة كان يُرى كشيء غريب بالنسبة لهم بسبب اختلافه عن هوايتهم التي ربما تكون أشياء أكثر إمتاعا -بالنسبة لهم أيضا- من الامساك بالقلم والأوراق والتحديق فيهما طوال الوقت.. كذلك كان شغفي بالتاريخ والعلوم الإنسانية والحضارات وثقافات الشعوب كان بالنسبة للبعض منهم "مجرد كلام في كتب" وأن العلوم الطبيعية والرياضية هي الأحق بالدراسة والتدقيق والتمحيص.. أضف إلى تلك الاختلافات أيضا أنني في معظم ملابسي أفضل ما يظهرني بشخصيتي كما هي ولا أتبع "صيحات الموضة" مهما كانت طاغية على رفاقي ومجمل الناس تقريبا، وكوني لا آبه بمقولة "كل اللي يعجبك وألبسه اللي يعجب الناس" ولا حاجة التطرق لأسباب عدم اقتناعي بهذه المقولة الآن -ربما في مقال آخر في موضوع آخر أقل اختلاف عما نتحدث فيه الآن..- كنت أظن أن اختلافاتي تلك هي عيوب لدي ويجب علي أن أصلح منها، كنت أفكر كثيرا في كل حركة أفعالها وكل همسة أتلفظ بها، وأقيس مدى اختلافها وأحاول جعلها تبدو تقليدية وعادية لمن حولي قدر الإمكان.
إلى أن وجدت أنه لا جدوى من ذلك فحتى إن حاولت جمع آراء الناس ليلتفوا حول رأي واحد سيكون هناك اختلاف أيضا في طريقة التفافهم حوله!! لذا أعد أن أصدق مقولة تتعلق بهذا الموضوع هي "الاختلاف لا يفسد للود قضية" فلا أهمية لكيفية ممارستك لحياتك مادامت تسري في أطر من التشريعات والأسس التي قد وضعت من قبل الخالق -عز وجل- .
فالعقل البشري وآلية عمله قد يكون من المستحيل تحليلها بطريقة دقيقة وذلك لأنني -حسب ظنوني الشخصية- أعتقد أن كل عقل بشري يعمل بطريقة مختلفة عن الآخر وآلية تبنى على أساس الاختلاف في بدايتها.
الاختلاف ليس عيبا في شخص أو في مجموعة من الناس.. بل إنه قد يكون ميزة تميزه عن الآخرين وهم غير مدركين لحقيقة قيمتها تماما مثلما ورد في قصة -والعهدة على رواتها- طرد "توماس إديسون" من المدرسة أثناء طفولته لأن أساتذته كانوا يظنونه غبيا!
ميزتك في اختلافك وهي ما يجعل منك أنت بكل تفاصيلك صغيرة كانت أو كبيرة، تصرف بتلقائية ولا تلم ذاتك على تصرفك بها، أترك روحك على سجيتها وأبحث في أعماق بحر نفسك وشاطئه عن اختلافها وما يميزها.
أستاذي ربما يكون قد أرآني هذه الحقيقة وألهمني جوهر هذا المقال بجملة قالها بعفوية وتلقائية أثناء حديثه، لكنها كانت مختلفة ومميزة جدا وذات وقع مختلف على نفسي كذلك.. فقد أصبحت أتمسك الآن باختلافاتي -التي كانت تزعجني سابقا – وأحب وجودها في نفسي، ولا أنجرف مع ما يرضي الناس وهو شيء منعدم الوجود في الحقيقة.. لذا ما علي إلا أن أشكره جزيل الشكر على اختلافه المميز وهذه الجملة التي لا تنسى بالنسبة لي رغم أنه قد لا يتذكر أنه قد قالها من الأساس.. فكما قلت لك؛ كانت الجملة بالنسبة لي ذات اختلاف!
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات