هذه التدوينة تصف مشهدًا خاصًا بأهل إحدى القرى، كيف كانوا يتنقلون من خلال حافلة واحدة وبمواقيت منتظمة تربطهم بمركز المدينة
في الوقت الذي يبدأ فيه ساكن القرية شق طريقه إلى عمله في المدن بعيداً عن قريته يستعد ليعيش تفاصيل الترحال التي قد تكون بعيدة على البعض حسب المسافة بين القرية والمدينة. "باص القرية" الملتزم في موعده المبكر جداً ينقل معه ما استطاع من سكان القرى المجاورة لبعضها، في الأنحاء البعيدة عن مركز المدينة قد تجد حافلة واحدة تجمع الركاب من أكثر من قرية.
تختلف الأحلام والطموحات لكل راكب، منهم الطالب الذي تشرق روحه بانتظار "الباص" لينقله إلى مكان آخر يرى فيه بواكير حلمه قد ظهرت واستعد لها، يحتضن معه أسراره ومشاريعه الكثيرة ليأتي اليوم الذي يتخلص فيه من الحمل الزائد في الباص "على الأقل" كان هذا هاجس عند كثير من سكان القرى.
أما العسكري الذي يرافق باص القرية في التزامه وحضوره المُبكر دائماً، يجعله أول الراكبين فقد كان البعض منهم ينتظر "الباص" عند مدخل القرية ليحضر "طابور التفتيش" في الكتيبة دون تأخير.
يروي بعض المواطنين الذين عشنا معهم الكثير من تفاصيل الترحال بين المدينة والقرية كيف كان "باص القرية" في الشتاء يحمل أكثر من ٢٠ راكب وبين الطرق الوعرة لبعض المناطق والمنحدرات تجد الجميع يتأهب لأي طارئ، لكن حفظ الله ورعايته دائماً كانت تحمي من في الحافلة. أحد السائقين الذي عاش فترة طويلة مع سكان القرية التي يعمل فيها يقول: مهنتي كسائق على "خط قرية" كانت أشبه بمغامرة استعد لها يومياً، تبدأ بجمع الركاب من مناطق بعيدة عن المدينة وتنقلهم يومياً وتتعايش مع تفاصيل حياتهم حتى تصبح بعد هذه الفترة الطويلة فرداً منهم يأتمنونك على قصصهم وأسرارهم، تنشئ علاقة وطيدة مع رب أحد الأسر يُهاتفك في طريق العودة "يا خوي بنتي عالمثلث جيبها معك" هذه التفاصيل الصغيرة تمنحك الثقة والحب أن تكمل أداء مهنتك بأمانة، لأن سُكان القرى يألفون الغريب سريعاً ويصبح جزءً منهم.
يرتبط باص القرية بذاكرة أجدادنا إذ كان بالنسبة لهم الحل المنتظر لتنتعش قريتهم وتربطهم بمركز المدينة، ويتخلصون من الوقت الطويل الذي يمضونه في ترقب أي سيارة نقل صغيرة تقلهم إلى وجهتهم، كما يلتحم هذا الباص مع السيدة الأردنية التي اجتازت مسافات طويلة مشيًا على الأقدام . تتنقل من قرية لأخرى للعمل أو لقضاء احتياجات المنزل في بعض الأوقات.
كثيرة هي القصص والتفاصيل التي صنعها سكان القرى مع الأمل الذي يربطهم بأماكن عملهم ودراستهم، الاستعداد يومياً منذ ساعات الصباح الأولى والعودة مساء مع "آخر نقلة" للباص والحياة الأخرى التي يعيشونها بعيداً عن قُراهم هذا كله يجتمع في "باص القرية" الذي احتوى حوارات ونقاشات من الطلبة والموظفين وغيرهم ممن حلمته مقاعد "الباص" وارتحل الى حلمٍ يراه غيره سهلاً ولكن وحده ساكن القرية يدرك تماماً صعوبة هذا الطريق وما يحمله من متاعب ومصاعب يبددها أحياناً الحُب والأمان داخل القرية .
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات