نقولُ دائماً أن الصٌحف تنتهي بموت قارئها لا كاتبها ..
كتابةُ أسطر في كتابٍ ليس بالأمر الصعب، تجميع أحرفٌ وإلصاقُها ببعضها حتى تُصبح جُملاً تنتهي بنقطة ليس بالأمر المٌعقّد أيضاً. الصعبٌ في الكتابة هو رصف الحروف بجانب بعضها، وانتقاء أبسط الكلمات ولكن بالمعنى الأشمل والأعظم، وما يتوافق مع ما قبلها.
أصبحنا نتجاهل القراءة شيئاً فشيئاً، كانت الصحف اليومية هي من تُشجعنا على تحفيز دماغنا لتملأهُ بالمصطلحات على كافة ضروبها واختصاصها. صحافتنا في زمن الكورونا، جملةٌ أصبحت كفيلة بأن تختصر حال الصحافة ووضعها اليوم، صحفٌ توقفت عن الصدور لاحتلالِ التكنولوجيا عالمنا بل احتلها احتلالاً كاملاً.
مسألة توقّف الصحف عن الصدور قد تكون سهلة على الجيل الجديد لكنه قد يشكل حاجراً على الأجيال السابقة. من ترعرع على أن يقرأ صفحات الصحيفة كاملة ، وأتقن الكتابة من خلالها بل وكانت لها الفضل الأكبر في إبداعه ورسمه للحروف، ومن اعتاد على الاستيقاظ ليقرأ صحيفته ليتتبع أحوال البلاد محلياً ودَوّلياً وعالميّاً. ليتمكّن من التواصل مع أبنائه، أحفاده أو حتّى أقرانه في قريةٍ بعيدة عنه فيتتبع أخبارهم من صحيفة تُصدر يومياً أو ربما أُسبوعياً، فقد تكون صعبة عليه أن يترك تفاصيل هذه الورقة التي لا تُعتبر سوى مُجمعة كلمات وأخبار.
الصحف تصنع هُوية البلاد. كانت الوعاء الجامع لكل الآراء والاتجاهات السياسية، وأفكار الكثير من الجمهور الداخلي بعيداً عن القضايا التي تُخلّفها الرأي العام. فقد احتضنت أيضاً مواهب الكتّاب من الفن والثقافة وغيرهم، وساهمت في صياغة وعي أجيال مُتقدمة.
لن نتطرّق كثيراً للحديث عن الماضي، فما رحل لن يعودُ أبداً. لكن قدرتنا على التعوّد على حالٍ لم نشعر بطرفٍ من أطرافه ليس بالأمر السهل، من كان يمسك بين يديه صحيفةً أوراقها مليئةٌ بحشدٍ من المعلومات وأنامله تتحسس أوراق الصحف، مُختلف تماماً عن شخص يمسك بين يديه جهاز نقّال ينظر شبه مُغمض العينين ليُحاول أن يتفحّص حرفاً متواجدٌ بين أسطرها.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات