في حضرة اللغة كل غائب حاضر وكل بعيد قريب هي ليست حروف بل مشاعر وأحاسيس هي حياة تُمنح تارة و تُسلب تارة أخرى

أهرع للكتابة فليس لي غيرها لطالما علمت بأني لست أهلاً لها فلقائي بها لقاء حاجة، وليس لنا غير الحاجة لنلتقي .. لذا أعلم أني آتيها لقاءً لعقد هدنة بعد كل معركة ضروس .. لم آتها يوما وطبول الافراح تقرع كانت في كل مرة طبول حرب لا غير ..

هكذا هي أنا لا أحب ان أتلّقى دون عطاء ...ولم يكن لي أن أعطي اللغة غير مشاعري في المأتم والحزن ...

قد علمنا كم هو شعور قاس أن لا تجد من يأنسك وقت حزنك ..ان لا يكون هناك كتف تساند كتفك ..ولا يدًا تمسح على قلبك... لكن أتعلم ما الأقسى من هذا ؟؟ أن تكون يوما في قمة السعادة أن يفاجئك القدر بيوم فرح فلن تجد سعادتك متسع خارج صدرك ... أن لا تجد من يشاركك فرحتك ويسعد معك ... فرغم اتساع سعادتك إلا انها تضيق ... لأنها اختصرت فيك وحدك ... تضيق حتى تخنقك ... السعادة هي أجدر بالمشاركة من الحزن ...

وها أنا مستاءة لأني لم أشارك الكتابة يوما بعضا من سعادتي ... أريد يوما ان أتخطى فيه حروف الغصات وأن لا أكتب بدموعي أن لا تكون الفواصل هي شهقات وتنهيداات ... وان لا تكون تلك النقاط في أخير كل جملة هي جل الجمل التي لم تكتب ... وانه بعد كل الكلام بقى الكثير من الكلام العالق الذي لن تكون له لغة سوى الصمت ... ان لا تكون هناك كثير من السطور في آخر كل رسالة ..سطور فيها كثير من المعاني المتكلمة من غير كلام ...

على ما كنت سأكتب نسيت ... وعلى ما أريد أن أكتب تناسيت ... لا خذلان أقسى من خذلان الحروف ... للغة بحر عذب تتدفق فيه كل المعاني .. فلك أن تعي شعور حرمانك قطرة من هذا البحر ... لكني أعلم أيضا انه ليس خذلان من قسوة بل هو خذلان من عدم مقدرة ... أدرك بأنه ليس لدموعي أن تمتزج في هذا البحر وأنه ليس للحروف سعة لاستيعاب مشاعري ...


"كل شيء يبدأ منا وينتهي بنا ... نحن نقطة الانطلاف ونحن خط النهاية ... وهذا ما أعيشه ..لا بعد لي غير هذين البعدين ولا عيش لي خارج هذين النطاقيين ... كل من في الخارج جماهير تصفق مسرورة ،وأخرى غاضبة تعرقل ... ومنها المحايد الذي لا يعرف، وهناك من هو قابع في زاوية لا يُرى غيره، وغيره غائب في حضوره ... يُنتظر منه الكثير ليقدّم، لكن يأبى إلا أن يصمت، يصمت عن الكلام كما صمته عن الافعال ... ندور بين كل هؤلاء ونعود في النهاية إلى أنفسنا ... "


قلت في الأول أني أهرع لكن لا شيء يتعبني غير الكتابة ... هذا غريب ؟ لكنها الحقيقة أنا لا أكتب كلمات بل أعيش مشاعر ... وقد قلتها من قبل وأعيدها هي ليست عملية تفريغ بل هي عملية استئصال ... فقلبي ينبض لها ودمي يسري ليغذيها وكل ما في جسدي يتلاقاها ،فتخرج بعضا منها كلمات مشوهة وتبقى كثير منها داخلي لا مكان لها حبرا على ورقتي فكيف يكون لها مكان في واقعي... يقال أن القلب وحده مكان للمستحيلات كما أن النبات لا ينبت في أرض غير أرضه وان الطير لا يحلق في سرب غير سربه فليس لمستحيلاتي أن تتحقق في مكان غير قلبي ...


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات هِدايَة | Hedaya

تدوينات ذات صلة