...وحتمًا لو كنت فيلًا يعيشُ في إفريقيا لفهمت أنت أيضًا الأمور على حقيقتها..تأملات في فيلم(The Elephant Queen-Disney Nature)

الأفيال..تلك المخلوقات الضخمة طويلة الأنياب والخرطوم، كبيرة الآذان..رقيقة القلوب

ماذا نعلم عن الأفيال..عن حياتهم ومشاعرهم وقيمهم...ماذا لو كنتَ فيلًا يعيشُ في إفريقيا؟!

ربما لو كنت كذلك لاصطادك أولئك قساة القلوب ليأخذون أنيابك الطويلة العاجية ويبيعونها في الأسواق بأسعارٍ باهظة!

لكن ليس هذا ما أقصده بل أتكلم عن أسلوب حياتك في تلك المملكة..مملكة الأفيال..

حياة الأفيال في إفريقيا تشبه حياة البدو والعرب قديمًا؛ إنهم يبحثون عن بقعة ماء..بحيرة..شريان لحياتهم..تلك البحيرة التي تحيطها المراعي الوفيرة، وهكذا تنشأ مملكة، جنة صغيرة للأفيال الكبيرة، ونظام بيئي محكم لا يراعي تفاصيله الدقيقة سوى العزيزِ الحكيم..كم تدهشك تلك التفاصيل الدقيقة لو أمعنتَ النظر، كيف أن أصغر الأشياء التي ربما لا يلتفتُ إليها أمثالُنا لم تخفَ على العزيز الحكيم..لكنني أيضًا لستُ بصدد ذلك النظام المحكم الآن بل بصدد تلك الأسرة..

قال تعالى:"وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ"(الأنعام:٣٨)


يالها من آية بليغة وكلمات ساحرة وكأنها مفتاحٌ لعالمٍ سحري متكامل لو أنك أمسكته وفتحت به ذلك الباب الذي لا يخفى عن متأملٍ في كتاب الله المنظور ثم فتحت عينيك-فلو تفكرت لوجدتهما مغمضتين-لرأيت العجب..أممٌ أمثالكم، هذا ما ستراه..

ذلك الكائن الضخم وتحت أقدامه كمٌ كبير من كائناتٍ صغيرة متنوعة بين سلحفاة وضفدعٍ وحرباء، لكنه لم يدهس إحداهن أبدًا..تلك الحيوانات ليست كبيرة الحجم فحسب بل هي كبيرة القلوب أيضًا، رقيقة المشاعر..فكل طفل في الأسرة هو ابنٌ لكل أم وأخٌ لكل فرد؛ يداعبه..ويرأف به..ويعينه في كربه..ولا ينساهُ أبدًا..يفهم الفيل جيدًا ما يعنيه أن تكون فيلًا مثله..يعني أنك تلقى ما يلاقيه من متاعب..يعني أنك تفرحُ لما يفرح له، وتحزن لما يحزن له، وصدق من قال الروحُ تميلُ لمن يقاسمها التعب لذلك عندما يرون جسدًا باليًا لفيلٍ ميت يحيطون به ويتلمسونه بخرطومهم..يحيطون به كأسرةٍ واحدة..يشاركونه مشاعرهم..لم ننْسك..أنت في قلوبنا، وبذلك يواسون أنفسهم فكما اجتمعوا عند ولادته فرحين مداعبين، يجتمعون عند موته محزونين مواسين..لا تعجب فهم أممٌ أمثالنا..

ولأسرة الفيل ملكٌ..قائد..فما من قبيلة أو أسرة منظمة إلا ولها قائد، وهنا يتضح طاعة الأفراد للقائد، وثقتهم فيه..فهو ليس قائدًا عابثًا بل هو حكيم ينقل خبراته إليهم وقد أخذ الخبرة عن من قبله وحُفرت في نفسه وعقله شيم القيادة والحكمة وسرعة اتخاذ القرار عند الشدائد، فهو يهتم بكل فرد في قبيلته ولايغفل عن الهدف الأسمى وهو الحفاظ على النظام والقبيلة ككل ويعلم ضرورة التضحية في بعض الأوقات..وهذا ما يجعل الأفراد منصاعين له ولو لم يتبينوا عواقب قراره عند الكرب فهم قد ارتضوه قائدًا لهم فلمَ يعصونه..وقد وثقوا فيه فما معنى التمرد عليه..لا تعجب فقد قال ربك إنهم أممٌ أمثالُنا

وهكذا يعيش الفيل حياته باحثًا عن قطرة الماء أنى كانت ولو اضطر لهجر مملكته ووطنه فغريزته الباحثة عن الحياة لن تتركه يواجه الموت مستسلمًا بل سيجاهد ولو مات مصارعًا الموت؛ فهو خيرٌ له من الموت خوفًا..ولن تتركه أسرته يجاهد وحيدًا بل ستعينه بكل ما أوتيت من قوة..يخرج الفيل يضرب في أرض الله الواسعة متنقلًا من مكان لآخر باحثًا عن رزقه موقنًا بربه الذي لا يتركه قط، مؤمنًا بأنه ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد..هو وليهم وما كان ليتركَهم..يجاهدون لعلمهم أن من يجاهد يهديه الله السبيل، ويحفرون في بحثهم سبيلًا عبر القارة يظل ظاهرًا عندما يهطل المطر وتحيطه المراعي..يظل محفورًا مؤرخًا رحلتَهم ومجاهدتهم التي كللها الله بالنجاح..

ماذا لو كنتَ فيلًا يعيشُ في إفريقيا؟1368824677430802.2
unsplash.com



لا تعجب فهم أممٌ أمثالنا لكنهم ربما فهموا الأمور على حقيقتها ووعوها أكثر منا فمضوا في سبيلهم متوكلين ولم يقفوا متذمرين أو مرتابين..وحتمًا لو كنت فيلًا يعيشُ في إفريقيا لفهمت أنت أيضًا الأمور على حقيقتها..لكن لا تبتأس فقد منحك الله عقلًا وقلبًا ودينًا قيمًا ليهديك الطريق فتأمل..

لعل رحلة الفيل وحياته ملأى بالعبر والدروس..وأظن أنني لن أحصرها فسأترك لكم تأمل البقية وتبينها..تأملوا في حياة الحيوانات..تأملوا صفحة الطبيعة..تأملوا كتاب الله المنظور..ولا تُغفلوا تبين العبر والدروس..ولا تُغفلوا معرفة الله من خلال تأملكم..ولا تنسوا التسبيح والتهليل عند التبين..سبحان الله..الحمد لله..لا إله إلا الله..سيدنا محمدٌ رسول الله(صلى الله عليه وسلم)

آلاء ناصر

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

ممتازة
استمرى😍😍

إقرأ المزيد من تدوينات آلاء ناصر

تدوينات ذات صلة