لا تهدر وقتك في إلقاء اللوم على هذه المادة، ابدأ بنفسك، هل أنت سالبٌ أم موجب؟ ثم حدد نقطة انطلاقك...

هل حدثتكم سابقاً أنني كنتُ على عداوةٍ مع الرياضيات؟

حارَ عقلي من كثرة ما سألت نفسي، ماذا ستفيدني دراسة هذه المادة المشؤومة، التي هي بمثابة شعوذةٍ أصابتني وحولت حياتي لجحيم، فأنا لا أرى إلا التعب والشقاء وكثرة الواجبات وحل المسائل الصعبة.

لستُ وحدي من يتبادر إلى ذهنه هذا السؤال بل كان يراود كل الطلاب ويحتل عقولهم!

كم تمنيت أن أقابل مخترع هذه المادة يوماً وأصرخ في وجهه إلى حد الجنون قائلة له " لماذا جعلتنا نعيش الجحيم أيها البائس، لقد سلبت حريتنا، فلا نكاد نهنأ بحصة الرياضة أو الفنون حتى تحتل المعلمة هاتين الحصتين وتعلمنا قوانين لا أهل لها وتجبرنا على حلّ مسائل القسمة المطوّلة البائسة، والتقريب لعشرات وآلاف وخزعبلات أخرى!

لقد كانت حصة الرياضيات بمثابة اللعنة الملازمة لي طوال حياتي، كانت تبني في قلبي رهبة وعظمة يقشعر لها بدني، عندما أسمع خطوات أقدام المعلمة وهي تقترب من الفصل الدراسي وتحتضن كومة من الأوراق المخضرمة.

لا أنكر أنني كنت ألحظ اهتماماً بالغاً من معلمتي في استخدامها اللامتناهي لأساليب ووسائل جديدة، سهلة وبسيطة لشرح الدرس المطلوب، كي نفهم الدرس بوضوح ونحصل على الدرجات العالية.

في الوقت ذاته، ورغم اجتهادي وتعليم أبي المستمر لي في كيفية حساب الأرقام الطويلة والمسائل الصعبة إلا أنني أخشى هذه المادة كما يخشى الصغير فقدان حليب أمه، لقد تحولت رهبتي لبغضٍ تنامى مع مرور السنوات.

أذكر أنني ذات يومٍ وأنا في الصف السادس الابتدائي، ما قبل عشر سنواتٍ من الآن، كنت أستعد لاختباري النهائي من هذه المادة وقبل أن أبدأ دراستي للاختبار ومن شدة انهياري وأفكار عقلي المتضاربة التي ما تفتأ تذكرني بيوم غدٍ وكيف سأقدم اختباري وهل سأتفوق بمعجزة ككل عام أم أنني سأرسب كما لم أرسب يوما؟

توجهت نحو محراب الهدى والدموع تنهمر مني كأنهارٍ جارية ، صليت ركعتين ولا أدري يومها ماذا قرأت من القرءان، فكل ما أذكره أنني غرقت في بحر دموعي، كأني بُليت بداءٍ لا يُشفى!

قمتُ بواجبي تجاه هذه المادة، ومن سوء حظي لم أستطع النوم ليلتها، فقضيت الليل بين دراسةٍ ومناجاة، حتى أشرق الصباح يحمل في طياته إما فرحٌ وسعادة، أو عزاءٌ وشقاء، ذهبت لمصيري وانتظرت النتيجة التي إما ستحيي قلبي أو تصيبه بصدمةٍ مميتة.

وعندما حان موعد إعلان النتائج وبعد مرور فترةٍ قصيرة، هرولت مسرعةً في ساعات الصباح الأولى إلى مدرستي، متوجهة بشكلٍ مباشر إلى معلمة الرياضيات أطمأن على علامتي وشهادتي قبل أن تجتمع زميلاتي في ساحة المدرسة وينظرن خلسة لشهادة فلانة وغيرها ويفضحن في درجاتها أمام الملأ.وقبل أن أصل إليها وصلت إلي، بوجهٍ أضاءته شمس الصباح، وبصوتٍ يملأه النجاح قالت لي " مبروك وفاء"

أحسست أن صاعقةً هوت على قلبي، فأنا لا أدري هل ما أسمعه حقيقةً أم أنه مجرد هلوسة!

أخذت أحملق في وجهها وراودني أنها تبارك لي شهادتي، لكنني لم أستلمها بعد.

سرعان ما قطعتْ حبل أفكاري وأردفتْ " أعلى علامة في الرياضيات على مستوى الصفوف"هنا ولا إرادياً صرخت بصوتٍ يملأه الفرح " لقد فعلتها"وقفزت من مكاني فرحاً وانتصاراً غير مصدّقة ما سمعته، فهرولت بعيداً لأستلم شهادتي والدموع تتطاير مني يمنة ويساراً.

من هنا، بدأت أحبها... أغازلها.. ألاطفها... أتغني بها، علّها تقبلني حبيبها الجديد!

و....و بدأت أعشق مخترعها...

لقد كانت هذه الحادثة بمثابة نصرٍ عظيمٍ سيطرتُ من خلاله على خوفي ورهبتي، ولا أخفيكم أن شيئاً من الخوف صاحبني في الأعوام التي تلتها، لكنه كان مقبولاً بالنسبة لي، فالمنهاج يصبح أكثر صعوبة مع مرور الأيام.ورغم أنني ضعت في متاهة أفكاري يوم أن التحقت بجامعتي عام 2016 وقمت بتحويل تخصصي للمرتين قبل أن يبدأ العام الدراسي، شاء القدر أن يضع لي اسماً في تخصص الرياضيات، ترددت أولاً خشية ألا أحقق هدفي فيه، وبعد تفكيرٍ عميق، قررت أن أخوض غمار هذه المعركة، ويشرفني أن أقول لكم أنني لست من طلبة الامتياز، ليس لأنني لم أجتهد، فحقيقة الأمر أني أبذل قصارى جهدي لأفهم المادة الدراسية جيداً وأحاول بجدٍ أن أمارس التطبيق العملي لكل جزءٍ من هذه المادة ما استطعت، حتى أخرج بنتاجٍ مبهر، ولا أخفيكم أنني لا أؤمن بهذه الدرجات التي يضعونها في شهاداتنا لأنها تعطي تقيماً نظرياً فقط ونحن في زمنٍ أحوج ما يكون إلى الجانب التطبيقي، فآمنت بأنه وبرغم أهمية الجانب النظري نحن بحاجة أكثر بقليل إلى التطبيق الواقعي الذي أسعى إليه دوماً.

ألم يخبرنا أساتذتنا أن نوظّف الرياضيات في حياتنا؟

إذا رفعت الأقلام!

ولا أعني بقولي أنني لا أطمح للامتياز، على العكس تماماً ولكنني أؤمن دوماً أن الدرجات الحقيقية تكون من نصيب الجانب التطبيقي، وإذا ما نظرنا للدول المتقدمة، فإنها تسعى جاهدة لتوظيف الرياضيات في كل جوانب حياتها،

لقد أيقنت فعلاً ماذا تعني لي الرياضيات، فكنت مع كل درسٍ أتعلمه، أتعلم درساً جديداً في حياتي، فبينما كنتُ السالب في صغري وأضافوا لي منهجاً اعتبرته بمثابة سالبٍ إضافيٍ لحياتي، تحولت حياتي من طفولة وبراءة إلى هرمٍ وتعاسة، وعندما أدركت أن يكون كلانا موجباً، تآلفنا وابتسمت لي الدنيا وأصبحت محظوظة جداً.

علمتني أن أتحد مع أصدقائي ضد الباطل وأن أختار في علاقاتي مع الناسِ شخصاً موجباً لتزداد محبتنا ويديم الود بيننا، وأننا مهما ضعفنا وأنهكتنا الأيام وطغى الأشخاص السلبيين على المجتمع، بقينا رغم هذه الضعف بكرامتنا وعزتنا وسمعتنا.

علمتني ألاّ أقترب من السلبيين لأنهم يسلبون العمر والوقت وسيستغلون إيجابيتي يوماً ليحققوا أهدافهم.وألاّ أكون ضيّق الفكرِ، وأن أجعل لأفكاري وأهدافي طرقاً لا نهاية لها.وأن أتقبل أفكار غيري برحابة صدر، فلكلٍ منا منهجه وطريقته في الحياة، وفي نهاية الأمر سنصل إلى نتيجةٍ متشابهة.

وأخيراً أنصحك ألاّ تضيّع عمرك دون أن تدرك القيمة الحقيقة والكنز الثمين الكامن في هذه المادة العظيمة التي هي بمثابة كل شيءٍ في حياتنا، وعلى الأقل أنصحك أيضاً أن تجري اختباراً على نفسك في إذا ما كنت شخصاً موجباً بحياته أم سالباً ؟حينها ستعلم أين تقف، ما هو هدفك، هل ستستمر أم تتوقف، تتغير أم تبقى كما أنت!

هل أنت مستعدٌ لتغيير حياتك، هيا انطلق!


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إنتي شو بزبط😭كل كلمة مكتوبة حسيت فيها من قبل وهاي المواقف فعلا هيه الي حددت مصيرنا في اختيارنا لتخصصنا💜وفاء دمتي بخير ودمتي الصديقة التي أعتز بها وأفتخر بكلماتها😍💞

إقرأ المزيد من تدوينات وفاء إسماعيل

تدوينات ذات صلة