أتذكر أول وآخر مرة أبصم بها على أوراق رسمية باستخدام الحبر حينما ذهبت مع والدي رحمه الله لدائرة الأحوال المدنية في مدينة السلط، لإصدار جواز السفر،
فمع تطور العلم استخدمت أنواع أخرى من البصمات وطرق عديدة للدلالة على هويتنا.
وبالرجوع للوثائق التاريخية ثبت أن أول الشعوب التي استخدمت البصمة لإثبات هوية الشخص هم الصينيون حيث كان الأباطرة يوقعون على الوثائق ببصمات الإبهام بغمرها في الحبر الأسود، وذلك منذ قرابة 2000 سنة. والبصمة تعني الأثر أو الختم التي يستدل من خلالها على هوية الأفراد.
حينما بدأ خبراء البحث الجنائي باالكشف عن البصمات للاستدلال من خلالها على مرتكبي الجرائم، كان ذلك لأن بصمة كل شخص تختلف ولا يمكن لها أن تتشابه مع بصمة شخص أخر حتى لوكان توأمه، ويعود الفضل لهنري فولدز الذي ابتكر طريقة تصوير البصمة على الورقة باستخدام الحبر الأسود عام 1877م. وأول من أثبت بعدم وجود بصمات متشابهة للأفراد حتى التوائم العالِم فرانسيس غالتون.
ولابد لنا أن نذكر أشهر الروايات البلوسية الشيقة التي تبحث وتقدم البصمات كدليل على الجرائم، روايات أغاثا كريستي والتي تلقب بملكة الجريمة، حتى أن لها رواية بعنوان بصمات الأصابع.
ولكن علم البصمات لم يقتصر على بصمات الأصابع في العلوم الجنائية نتيجة لتطور الحياة وابتكار أساليب عديدة للجرائم، حيث بذل العلماء وخبراء البحث الجنائي مزيدا من الجهد، فظهرت أنواع عديدة للبصمات التي يمكن من خلالها الاستدلال على هوية الشخص، فمن بينها البصمة الوراثية التي تعتبر أبرز التطورات في العلوم الجنائية، ففي عام (1983) أخذ جفري جلاسبرج براءة اختراع باستخدام الحمض النووي في الأدلة الجنائية. إذ يتم التعرف على الأشخاص من خلال الحمض النووي المنزوع الأكسجين ويمكن الحصول على الحمض النووي من العرق أو اللعاب أو الشعر أوالأظافر. كذلك يمكن استخدام بصمة العين والأسنان والصوت والشفاة والرائحة للشخص.
وبالانتقال للعلوم البيئية، أوجد علماء البيئة مصطلح البصمة البيئية أوالكربونية التي تعني أثر الإنسان على الأنظمة البيئة ومدى استهلاكه للموارد الطبيعية بالإضافة لممارساتنا وعاداتنا الحياتية مثل الطريقة التي نأكل بها أو نسافر بها أو غيرها من الممارسات الحياتية على كوكب الأرض، وكل ذلك له علاقة بالجغرافيا البشرية التي يسميها البعض بالجغرافيا الإنسانية على اعتبار أن الإنسان هو مطور ومدمر للبيئة في نفس الوقت، وهي في الحقيقة تركز على مدى إلحاق الإنسان الضرر بالبيئة، ولها علاقة بالبصمة الكربونية التي تُعني بكمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة في الغلاف الجوي بسبب الغازات الدفيئة الناتجة عن الصناعة، والهدف من إدراج مصطلح البصمة البيئية والكربونية لإنذار البشر ومراقبة أنشطتهم، لأجل بيئة مستدامة.
وفي علم التغذية استخدموا مصطلح البصمة الغذائية، لتحديد أنواع الأطعمة التي تتفاعل داخل الجسم من خلال تحليل الدم.
ومع تقدم التكنولوجيا الرقمية ظهر مصطلح البصمة الرقمية، والتي أيضا من خلالها تمكن خبراء الجرائم الإلكترونية من تتبع أي شخص من خلال مايضعه أو يقوم به الفرد على الأجهزة الرقمية وعلى مواقع الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي من خلال التعليقات والإعجاب والتدوينات والمشاركات ، فكل شخص يستخدم شبكة الانترنت له بصمة رقمية ويصعب التخلص منها طالما الشخص متواجد وفعال على المواقع الإلكترونية. بل أن بعض الشركات ابتكرت لها بصمات رقمية خاصة أو ما يعرف بالعلامة المائية والهدف منها حماية منتجاتها، وهناك برامج يمكنهم استخدامها لمعرفة هوية ومصدر مقطع فيديو في خلال خمس ثواني أو مقطع صوت خلال عشرة ثواني.
فهذه دعوة لملاحظة ومراقبة بصماتنا الرقمية لحماية أنفسنا وللعيش بأمان. ونستذكر الآية الكريمة " و ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" وأيضا قوله تعالى " يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم و أرجلهم بماكانوا يعملون"
اترك بصمتك أي أثرك الإيجابي كما يحلو لك دون إيذاء الغير .
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
مقاله رائعة المضمون مبدعة دواما ست سهير