هل تملك وظيفة؟ هل لديك زوج؟ هل هناك أطفال في الطريق؟ هل تملك دخلًا ثابتًا؟ هل أنت الأقوى والأحسن والأجمل والأكثر اكتِمالاً؟

كنت في التاسعة من عمري حين تزوج أخي الأكبر، لم أكن أفهم مغزى الأمور تمامًا غير أنَّ الحدث أثار داخلي الفضول، أخواتي يجتمعن مع زوجة أخي في الغرفة يقفلن الباب بالمفتاح، أطرق الباب مرة بعد مرة فلا يؤذن لي، والعذر واحد: "مواضيع كبار".


شكَّّلت لي مواضيع الكبار تلك هاجِسًا طفوليًا ينتزعني من موقعي مطالِبًا إياي بالصعود على أدراج الطفولة سريعًا لأصل إلى العمر الذي يسمح لي بان أكون من الذين يتشاركون مواضيع الكبار..


سنوات كثيرة مرَّت الآن، أصبحتُ أنا الكِبار وأصبحت مواضيع الكبار أمرًا أخوض فيه ملزمةً لا راغِبة.


ماذا يجني الواحد من الكبر؟


أفكر منذ أيام ما الذي قد يجنيه الواحد منّا حين يصير في عمر يؤهله لخوض أحاديث الكبار، يتَّضح لي أنَّ الواحد منا لا يكسب شيئًا، بل على الأكثر يخسر، كلُّ خطوة للأمام قيد إضافي ونزعةٌ نحو تشوه الصورة المثالية لعيني الطفل الرائقتين.

لم يعد الكبار يختبئون في غرفة ويتناقشون حول الزواج والإنجاب والمشاكل الأسرية صاروا الآن يجلسون داخل عقلك ويفردون أمامك مواضيعهم بالأخذ والرد والشدِّ والجذب، مطالبين إياك بأن تمتلك رأيًا حول كل الأشياء، شرط أن يكون الرأي ضمن ما يقبلون.


هل الثلاثين سنُّ النضوج؟


وصلت الثلاثين منذ بضعة أشهر، ولا أخفي أنَّ حماسي لهذا كان شديدًا، كان هذا السن في ذهني دائِمًا هو السنَّ المثالي التي يعرِف الإنسان فيها ما يريد وما يحتاج وما ينبغي له الحصول عليه، يصير إنسانًا كامِلًا على فرض أنَّه كان في السنوات السابقة يجمع أجزاء نفسه ليكون.


لا أميل هنا إلى التفاؤل، فقد وجدت الثلاثين كالعشرين لا اختلاف بينهما عدا الرقم الذي يلِي الصفر، هذا بالنسبة إليك كحامل هذه السنوات، أما بالنسبة للآخرين، فالثلاثين هي علامة فسفورية على الجبين، يراقبونها باهتمام شديد، أنت الآن في الثلاثين، ماذا فعلت؟ ماذا قدمت؟ ماذا صنعت ؟


هل تملك وظيفة؟ هل لديك زوج؟ هل هناك أطفال في الطريق؟ هل تملك دخلًا ثابتًا؟ هل أنت الأقوى والأحسن والأجمل والأكثر اكتِمالاً؟


ماذا بعد الثلاثين؟


بعد الثلاثين ما كان قبل الثلاثين، حيث يمكن لي بالكيفية نفسها أن أجلس إلى جهاز الحاسوب أكتب مقالًا لا معنى له، عن كون الأيام كلها تحمل المعنى نفسه، والمطالبات وحدها هي التي تتغير، دون أن يكون مهمًا هل أنت الآن هو أنت في الأمس وهو من ستكون عليه بعد عشر سنوات..






ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

تدوينات من تصنيف معتقدات شخصية

تدوينات ذات صلة