محمد الشوربجي ليس الأول ولن يكون الأخير.. نزيف العقول والعضلات المصرية!

قرر بطل الأسكواش المصري محمد الشوربجي المصنف الثالث عالمياً تمثيل إنجلترا بدلاً من مصر، وأعلن الإتحاد الإنجليزي رسمياً تمثيل محمد الشوربجي له قائلا: "فرصة مثيرة للغاية تمثيل إنجلترا سوف امنحها كل ما لدي للعب تحت العلم الانجليزي". وسيمثل محمد الشوربجي إنجلترا بشكل رسمي بدءا من بطولة موريشيوس الدولية المقرر إقامتها خلال الفترة من 7 إلى 11 يونيو الجاري.

وأعلن الاتحاد الدولي للإسكواش أن بطل العالم السابق والمصنف الثالث عالمياً محمد الشوربجي سيمثل منتخب إنجلترا في البطولات المقبلة ولن يلعب تحت العلم المصري. ولهذا طلب وزير الشباب والرياضة المصري من رئيس اتحاد التنس تقريرًا وافياً بشأن واقعة بطل العالم محمد الشوربجي واختياره تمثيل منتخب إنجلترا واللعب تحت العلم الإنجليزي بدلاً من علم مصر.

ويحتل محمد الشوربجي المركز الـ3 عالميًا وفقا لتصنيف رابطة محترفي الاسكواش. والجدير بالذكر أن الشوربجي قد فشل في التأهل إلى نهائي بطولة الجونة الدولية للاسكواش التي أقيمت الاسبوع الماضي بمدينة الجونة، بسبب اعتراضه على التحكيم، مما أعطى الأفضلية لنظيره النيوزلاندي، وبالتالي قطع تذكرة التأهل إلى المباراة النهائية على حساب الشوربجي.

الشوربجي “حدوتة مصرية خطفها الانجليز”

بعد فترة طويلة مليئة بالإنجازات والألقاب والوصول إلى أعلى المراكز العالمية والتتويج بكبرى البطولات الدولية.. انتهت اليوم حدوته بطل الإسكواش محمد الشوربجي باللعب باسم مصر وبدأ حدوته أخرى مفاجئة وثقيلة وصادمة باللعب للإنجليز.

خلال أكثر من 15 عام لعب فيه الشوربجي باسم مصر نجح فى حفر أسمه كواحد من أكثر لاعبي الاسكواش تتويجا في كل العصور، وأمضى 50 شهرا في المركز الأول في العالم بين عامي 2014-2021.

ولعب خلال تلك الفترة 178 بطولة دولية بمجموع مباريات وصل إلى 618 مباراة فاز فى 478 وهزم فى 140 ولعب 71 مباراة نهائية كل ذلك وهو يلعب باسم مصر. ويحمل الشوربجي، بطل العالم السابق والفائز ببطولة بريطانيا المفتوحة ثلاث مرات، 44 لقبا احترافيا باسمه، مما يضعه في المركز السادس في قائمة الفائزين فى تاريخ.

وعلى الأراضي الإنجليزية رفع أول لقب له باسم مصر في بطولة العالم، متغلبا على شقيقه الأصغر مروان في مانشستر.

نزيف مستمر

وبالطبع فإن حكاية الشوربجي ليست الأولي ولن تكون الأخيرة في حالة "نزيف المواهب" المصرية، فقد تابعت مثل الكثيرين من المصريين أولمبياد طوكيو 2020، وبالطبع كنت أتمنى تحقيق نتائج أفضل للاعبين المصريين تتناسب مع دور مصر ومكانتها الإقليمية والدولية، ولكن للأسف معظم النتائج كانت مخيبة للآمال، وخسرنا الرهان على العديد من المتأهلين، ولم يحققوا المأمول منهم.

وفي خضم الأولمبياد لاحظت، وفي مفارقة كبيرة، أن الرباع القطري فارس حسونة (من أصول مصرية) فاز بالميدالية الذهبية في رفع الأثقال، على الرغم من أنه لعب باسم مصر في أولمبياد 1984 و1992، ووجدت أن اللاعب الكندي شادي النحاس (مصري الأصل) هزم الإماراتي المجنس إيڤان رومارنكو في الجودو في الأولمبياد!

وفي الحقيقة أحزني للغاية ما جال بخاطري من متابعة حثيثة، وتجارب مريرة للعديد من الأصدقاء على مدار سنوات طويلة، وما تعرضت له مصر من نزيف مستمر للعقول، والذي يتزايد بطريقة غير مسبوقة في الآونة الأخيرة نتيجة لجائحة كورونا، ونفقد حاليا عدد كبير من العلماء والأساتذة الجامعيين، والأطباء والمهندسين، والتقنيين المؤهلين، الذين يتسابقون في الهجرة إلى الدول العربية والغربية، والتي فتحت أبوابها لهم مؤخرا.

وتزامنا مع بدء الأولمبياد، قرأت تغريدة الشيخ راشد حاكم دبي والتي هنأ فيها شركة "سويفل" لحلول النقل الجماعي الذكي بإدراجها فى البورصة برأس مليار 1.5 مليار دولار، وأشاد فيها بالشاب المصري مصطفي قنديل مالك وصاحب فكرة المشروع، والذي أعتبره نموذج لنجاح وريادة الشباب العربي المقيم في الإمارات؛ وهنأه بالنجاح الذي حققه وجعل شركته تصل إلى العالمية.

من المعروف أن شركة "سويفل" تأسست في عام 2017 في مدينة القاهرة، وهي شركة تعمل على توفير حل لمشكلة المواصلات من خلال الربط الالكتروني للسكان الذين يضطرون للسفر والتنقل يوميًا مع أصحاب الحافلات الخاصة عبر تطبيق على الهواتف المحمولة.

وللأسف الشديد ترك هذا الشاب مصر، وذهب للإمارات حيث وجد البيئة المناسبة لمشروعه، وكالعادة أجرت وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، اتصالا هاتفيا بالشاب المصري وهنأته، وخلال مكالمتها أوضحت أن المصريين بالخارج نابغون في مجالات كثيرة، مضيفة أن نجاح قنديل في سن 28 عاما أن يدير واحدة من أكبر الشركات الناشئة في الشرق الأوسط، بقيمة بلغت نحو 600 مليون دولار، وطرحها في بورصة "ناسداك" الأمريكية بقيمة تبلغ 1.5 مليار دولار، يؤكد ذلك.

وفي السياق ذاته، وجهت الوزيرة شكرها لكل مصري ومصرية بالخارج يحرصون على رفع اسم بلدهم، ويعملون بجد واجتهاد لرفعة شأنها وتحقيق النجاح والتميز في شتى المجالات.

وللأسف نتيجة للعديد من الأخطاء في إدارة هذه الثروة القومية من الموارد البشرية، وظروف العمل الغير مناسبة، وتدني الرواتب، أضحي حلم الهجرة يراود الجميع، وأمتد هذا الحلم مؤخرا ليشمل الرياضيين، وهذا ما يشكل نزيفا للمواهب ونزيفا للعضلات في آن واحد.

وتظل هناك أسئلة ملحة تطاردنا: أين تكمن المشكلة بالضبط، وماذا ينقصنا لاستثمار مواهبنا، وخبراتنا، لتعظيم استغلالها واستفادة الوطن الأم منها بشكل مثالي؟!

ولعلنا نجد الإجابة على مثل هذه التساؤلات بجلوس السيدة وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، وغيرها من كبار المسؤولين مع المتميزين علميا ورياضيا وفنيا من المصريين المهاجرين، والمتجنسين حديثا بجنسيات أخري، لمعرفة أوجه الخلل، وتفاديها مستقبلا، فمصر تستحق الأفضل، وأعتقد مثل هذا العمل قد يشكل أول خطوة صحيحة في هذا الطريق الطويل.

د. طارق قابيل

كلية العلوم – جامعة القاهرة



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. طارق قابيل

تدوينات ذات صلة