من الجيد أن تعيش في ظل عصر ما بعد الحداثة .. "عصر التطور الكبير
بعيدا عن النقد المستمر لعصرنا الحالي والتركيز فقط على المشاكل النفسية والاجتماعية التي ظهرت حديثا بفعل التطور والانتفاح الكبير المستجد على البشر، حيث ما زال الإنسان في طور المحاولة لفهم التطور التكنولوجي الكبير وما رافقها من عولمة واستحداث لأنظمة سياسية، واقتصادية وعلاقات اجتماعية لم تكن سابقا، وكيفية التعامل مع كل ذاك على مستوى تفاصيل الحياة اليومية.
لكن اليوم،أريد تسليط الضوء على جمال التطور الذي وصلنا له، وحُسن العصر الذي نعيشه، والنعم التي لا يشعر بها الكثير من الأشخاص.
اليوم بفعل التطور العلمي والمعرفي الكبير ، خاصة في مجال التكنولوجيا، الصحة والطب، الزراعة، الصناعة، النقل والمواصلات، وغيرها الكثير من مفاصل الحياة التي استفادت بطريقة أو أخرى من هذه النهضة العظيمة والقفزة الكبيرة، أثر على حياة الفرد في معظم الدول بشكل إيجابي.
هذا التطور ، رفع من مستوى معيشة الإنسان، ونوعية حياته. واستطاع الإنسان تطويع التطور لتسهيل حياته، بحصوله على الكثير مما يريد. حتى أن شكل الإنسان ومفهوم العمر تغير.
اليوم الإنسان لا زال يتمتع بصحة ممتازة مع مظهر شبابي جميل، وهو في عمر الستين والسبعين، خاصة إن كان حريصا على نظام غدائه ولياقته البدنية وصحته.
فلم يعد العمر يخيف الكثيرين، ولم يعد هاجسا للبعض.
أصبحت الروح تتألق، وأكثر وعيا وإدراكا في كثير من الجوانب، وقادرة على تحديد وجهتها أفضل.
بعكس ما قبل عصر الحداثة، حيث كان الإنسان، مفهوم العالم لديه كان يقتصر على قريته،
حيث محدودية الوعي والتطور في قطاع الصحة، والتعليم المحصور، والأمراض القاتلة، وعدم الوعي الكافي والإدراك بضرورة الاهتمام بالصحة والمظهر، حيث كان الإنسان يبدو عجوزا في عمر الخمسين.
ولكن، اليوم بفعل هذا التطور العظيم الذي خدم البشرية، والاكتشافات الرائعة والاختراعات الحديثة، زادت سنوات العمر التي يعيشها الإنسان وهو ما زال يتمتع بصحة جيدة، وروح خارقة تحب الحياة، وطموحات تصل عنان السماء.
هذا التطور سهل الكثير من مناحي الحياة، بالزراعة، الحصول على الطعام، التأقلم مع التغير المناخي، قصر المسافات بين البشر، سهولة التنقل بين الدول وليس فقط بين القرية والمدينة،
حيث زادت فرصة لقاء القبائل المختلفة، وأصبح إمكانية اللقاء والتزاوج بين الثقافات المختلفة أسهل، فزادت الاحتمالات والخيارات أمام الأفراد في لقاء "توأم الروح".
كما ان هذا التطور جعل الطريق إلى النجاح والقمم متوفرة لكثير من المواطنين، وما عادت الأحلام مقتصرة على ملوك أو أمراء أو أصحاب رؤوس الأموال.
بمعنى المناصب والنجاح والقمم وحياة الرفاهية والجمال والتمتع بأجمل تجارب الحياة الممكنة، أصبحت متاحة وممكن السير نحوها.
اليوم، بفضل هذا التطور المبهر، أصبح الإنسان قادر على الوصول إلى ما أبعد من السماء الأولى.
حتى وسائل التواصل الاجتماعي، التي نستمر بانتقادها، لعشوائيتها الغوغائية، وسطحية المحتوى المنتشر فيها غالبا، وعدم القدرة على تنظيمها بشكل متوازن حتى الآن، لكنها سهلت الطريق حقيقة أمام الكثير من المواهب المبدعة ليصلوا إلى الناس بسهولة، من منازلهم، وفتحت الأبواب أمام الكثيرين للوصول إلى الضوء والنجاح، والتعبير عن أنفسهم بطريقة صحيحة.
هي مفتاح ستبدع وتعتاد يوما المجتمعات على استخدامه بشكل متوازن وصحي أكثر.. لكننا ما زلنا في البدايات.
إذا، عصرنا ليس حقا سيء تماما، فجودة حياة الإنسان تحسنت، وعمره ازداد، احتمالية المدة التي يقضيها بالاستمتاع بتجربة الوجود المؤقته تمددت، وقدرته لعيش الوفرة والرخاء والجمال والحب اللامشروط مع نفسه والآخرين .. أصبح أقرب إليه من قبل.
العالم الكبير مع كل تحدياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، أصبح بقبضة يده، وأقرب إليه من أي وقت مضى.
نعم لقد زاد الاحتباس الحراري، والتلوث، وظهرت أوبئة لم نعهدها من قبل وهناك الكثير من المشاكل الاجتماعية الجديدة بسبب وسائل التواصل الاجتماعي وعشوائيتها.
نظم التعليم تغيرت، والإقبال على المعرفة والثقافة قلّ، ومستقبل الاجيال الجديدة حتما مجهول
والمعلومة باتت متوفرة، تماما كما المعلومات الخاطئة والإشاعات بات أسهل تتداولها.
هناك الكثير من مفاصل الحياة التي تحتاج إلى قوانين تنظمها أكثر ورقابة أكثر، ونعم نحتاج لترتيب في علاقات البشر في ظل هذا التطور المهول والمستحدث، سواء في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي.
ونريد إعادة تعريف لكثير من الفاهيم، كالعلاقات ومنظومة الزواج، الوظيفة، المال، الجمال، العلم والثقافة.
ولا أستطيع أن أعارضك يا عزيزي، نعم ، لقد هُدمت الكثير من القيم المجتمعية والإنسانية التي نحتاجها، لذلك نحتاج لصياغة قيم مجتمعية جديدة، وأصبح بفعل العولمة هناك تداخل اقتصادي اجتماعي ثقافي بين الدول بطريقة عشوائية وغير مسيطر عليها في كثير من الاحيان.
وأعلم مدى صعوبة المشاكل النفسية التي باتت تظهر بفعل الرخاء والملل، وأن العقل البشري بحاجة لوقت أكبر حتى يعتاد شبه الاستقرار الذي يعيشه اليوم، بعيدا عن تهديدات الطبيعة والحيوانات المفترسة له.
وأعلم جيدا أن بفعل الأنظمة السياسية والاقتصادية العالمية في هذا العالم الجديد، هناك فقر وتحديات اقتصادية ويومية تجتاح الكثير من الدول والمجتمعات.
لكن، لوهلة، دعونا نكون ممتنين لهذا العصر، من الجميل أن هناك فئة أكبر وعدد سكان أكثر، قادرين اليوم بفعل هذا التطور ، الاستمتاع بجمال الحياة. باتت بشكل أو بآخر رحلة البشر على الأرض أطول وأجمل وأسهل.ويبقى الأمل في أجيال قادمة، أن تصبح أكثر وعيا وإدراكا، وقادرة على صياغة حياة أفضل لها.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات