أعود نصف قرن إلى الوراء وأفكر .. ماذا خلف لنا الأجداد؟

أشاهد مسلسل دفعة القاهرة، فيعود بي الزمن نصف قرن إلى الوراء


أشعر بدغدغة في قلبي بينما أشاهد وقع الحياة البسيط والبطيء آنذاك..

هموم الأجداد حينها التي مهما كانت عسيرة إلا أنها ليست بعسر ما نعيشه اليوم، كان من الجميل حينها أن يعيشوا دهشة التطور الأولى، أول مذياع أول تلفاز ، لم يكن حينها أي تطور تكنولوجي قادر على تكدير عيشهم، وإيقاف عجلة الزمن لديهم، من الجميل أن ترى ولعهم بأم كلثوم وعبد الحليم, وانغماس الجميع في السياسة, والثقافة والفكر، وشعلة الحركات السياسية والأحزاب التي تنبض حياة وأفكارا جديدة.

المكاتيب المنتظرة آنذاك، التي كانت تولد شوقا، وحنينا، وحبا..بعيدا عن سخافة "الواتس اب".


ثم فجأة أعود لزمني هذا، وأفكر، ما الفارق الزمني بيننا وبينهم، 60 عاما؟ ..

ماذا خلف لنا الأجداد؟

ما الإرث السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي تركوه لنا؟

أنصاف دول مهمشة.. بقايا خطب الزعماء .. أحزابهم العاجزة .. تاريخ مشوه،

دساتير تعزز الانقسام والنعرات الطائفية، حروب أهلية..

كانوا يتأرجحون بين تطرف الشيوعية وتطرف التدين

يبحثون عن الحل لزمانهم حتى عبثوا بمستقلبنا تماما ..

وماذا حدث لزماننا..!

سلم الموسيقى الذي كانوا يستمتعون به، شُوّه،

والكتب التي قرأوها لم يعينونا على مطالعتها.


بنظري، لم يعاني الأجداد ما نعانيه نحن اليوم، لم يكن حينها العالم بكل وسعه وكبره صغير وضيق كما نراه اليوم، بل كان كبيرا ومدهشا.

فلا عولمة كانت حينها تخنقهم يوميا بسُمها، ولا تحديات اجتماعية ونفسية كانت تطال يومهم، ولا وضع سياسي واقتصادي عسير ومعقد كان يسبب لهم ألما في تفاصيل حياتهم.

ولا متطلبات عيشهم كانت تصل عنان السماء، في ظل كل دعايات انستغرام، وحسابات المشاهير التي تتضخم بينما يروجون يوميا لعطور جديدة ولمطاعم وأزياء.. كانت الحياة بكل صعوباتها أيسر، أقل إرهاقاً للأعصاب وأقل ضجيجا.


ولعل ليس ذنبهم فقط ولا ذنبنا حتى نحن، فالتغير الذي يطرأ على حياتنا بكل مفاصلها أسرع من أن ندركه حتى، والتطور الذي بات يودي بنا للجحيم بدلا من الجنان، أكبر من أن نفهم مجرياته.

التحولات السياسية والاقتصادية السريعة والكبيرة، والفجوات الاجتماعية والمشاكل النفسية التي انبثقت وازدادت مؤخرا، وكأنها سقطت علينا من السماء، وفرضت علينا دون إدراك من أي أحد.

وأفكر .. إن كانت الأجيال القادمة قادرة على أن تكون أكثر وعيا، وإدراكا، وتصلح ما أفسدناه نحن وأجدادنا.


ربا عياش

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات ربا عياش

تدوينات ذات صلة