لم نصل بعد لبداية التنوير حتى، لكننا في هامش البداية، ولا بأس في ذلك،
ما يحدث اليوم في أغلب المجتمعات هو أشبه بثورة فكرية ناعمة في الأفكار والفلسفات،
محاولات مستمرة لإيجاد "الحل" لمعضلات الحياة وتحدياتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، محاولات ناعمة لإيجاد البديل للأفكار والمسلمات التي مر عليها الدهر ولم تعد مقنعة للكثيرين، أو قادرة على إيجاد أي حلول للتحديات اليومية للمواطنين، وإيجاد حلول سحرية بمشاكل العامة التي تزداد يوميا إثر،سرعة تطور الحياة والمتطلبات المادية والنفسية والروحية المتزايدة.
طبعا لا يمكن التعميم ولا الجزم أبدا، أننا وصلنا للمرحلة الذهبية بالفكر والفلسفة والمعتقدات.|
نحن فقط في بداية العصف الذهني والثورة الناعمة الفلسفية للكثير من الأفكار والمعتقدات والفلسفات التي يتبناها العامة.
كل ما يحدث اليوم من تدفق مهول للمعرفة والمعلومات يؤثر بشكل كبير على الناس، وعلى الأفكار المتبناة، بفضل "العولمة"، وبات عامل مثير للتساؤلات خاصة لدى الاجيال الجديدة، التي تشبه عصرها بسرعة تطورها وشغفها للحياة، وأحلامها التي تصل عنان السماء.
لذا
هناك تغيير تشهده المجتمعات "ضمنيا" وغير مرئي حقيقة في تحكيم الأمور، الأفكار، القيم، العقائد، والإيمانيات.
و في مقابلها هناك ردة فعل عنيفة مضادة رافضة لأي تغيير ضمني أو دخول أي معلومات جديدة وعقائد أو مناقشات أو تبني لأي أفكار جديدة، وهذا طبيعي فالمجتمعات لا زالت في بداية الطريق نحو الانفتاح الثقافي والمعرفي، الذي ليس بالضرورة أن تكون نتيجته الحتمية "التنوير"
كما من الطبيعي جدا أن يصاحب هذا التغيير تخبط فكري، أو تطرف فكري أو حتى ركاكة فلسفية، وعدم وضوح معرفي وثقافي لدى المجموعات والأفراد.
وهذا تماما ما يدعوهم للاستمرار في البحث والتقصي والتحليل والتفكر حتى تخرج العقول من صومعتها وسجنها، وتبدأ الأفكار بالسفر عبر الزمن، ليسمو الجموع نحو وعي مجتمع متطور متنوع، صالح لزمانهم وظروف حياتهم.
فأي ثورة فكرية قاسية قوية أو كانت ناعمة صامتة، مهمة لكسر الجمود الثفافي والمعرفي والفلسفي الذي يسود المجتمعات.
من الجيد، كسر الممنوعات غير المنطقية والتحجر العقلي الفكري غير المبرر الذي غرقت به المجتمعات مؤخرا بسبب التطرف والحياد عن العلم والمعرفة والتنوير.
لم نصل بعد لبداية التنوير حتى، لكننا في هامش البداية، ولا بأس في ذلك،
فرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، ومن أجل مستقبل فكري حر وواعي وحكيم وإنساني للأجيال القادمة، لا بد من البدء باتخاذ خطوات وإن كانت صغيرة.
الظريف بالموضوع، أن التحديات العالمية، والنظام العالمي السائد والحاكم، والتغييرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تطرأ على هذا النظام، إضافة إلى التطور الهائل الذي حدث خلال آخر 10 سنوات في العالم، وما رافقه من ثورة معرفية، معلوماتية، فكرية وانفتاح ثقافي هائل، فرض هذه التغيرات الفكرية على المجتمعات، وفرض نوعا من التساؤلات والشك في أي أفكار قديمة.
إن التداخل والتبادل بين الثقافات في الأفكار والروحانيات والمعتقدات، وإمكانية الوصول لللمعلومات في أغلب المجتمعات، يساعد في صناعة منظور فكري فلسفي مختلف يواكب التطور العلمي التكنولوجي الحديث وما فرضه من شكل علاقات اجتماعية وشكل تعاملات اقتصادية وتحديات يومية معيشية.
الكارثة في الموضوع، أن المجتمعات المتأخرة علميا وفلسفيا والتي حادت عن التحليل والنظر في العلوم المختلفة والترجمات، دائما ما يكون التغيير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وحتى الثقافي والفكري فيها مفروض عليها من الخارج. وليس بسبب حركات فكرية داخلية.
هناك دائما قوة خارجية تفرض التغيير عليها وإن كانت ترفضه.
وهنا نعود لنصف الموضوع ب"الكارثة" لأن هناك عدم وعي من قبل السلطات أو العامة بمجرى التغيير الفكري والثقافي المفروض عليهم، وما يسببه من أثر على كافة مفاصل الحياة.
لذا، الحل الأفضل والأسمى دائما، ما يكون، يتقوية ودعم المثقفين، والسماح لهم بتقلد مناصب ريادية، والاستماع لهم، وإشراكهم في صنع القوانين والتشريعات والقرارات المصيرية، فهم أفضل ما يمكن أن يساعدوا في توجيه المجتمع لرفع وعيه، تنقيه قيمه، إحلال العدالة والإنسانية به، والتخلص من أي تطرف أو جهل أو مسلمات غير منطقية وأفكار متحجرة قد تودي بالجموع للهاوية، فلطالما كان المفكر والمثقف والعالم هم رواد عصور التنوير في أي مجتمع.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات