لماذا نخاف؟ من ماذا يخاف الإنسان؟ وكيف من الممكن للخوف أن يقضي عليك

  • أنا خائف..
  • من ماذا؟
  • لا أعلم يسكنني الخوف .. في كل خلية من جسدي .. في عمق روحي أرتجف
  • من ماذا؟
  • لا أستطيع تحديد سبب واضح معين، كل ما أعلمه أنني خائف .. من ذيول الماضي التي تريد نهشي .. من الحاضر المظلم والمستقبل المشوش
  • ما رأيك أن تهدئ من قلقك وتوترك.. خذ نفسا عميقا، شهيق زفير .. ممتاز .. دعنا نتحدث بسلاسة .. ودعنا نعتبر أن الخوف مجرد كائن حي .. قط هارب أو فأر مختبئ بجحره أو فيل كما يُُسمى بالعادة، ونحن نريد البحث عنه.
  • أقول لك خائف، وتريد أن تأخذيني إلى حديقة حيوان!
  • جاريني وستكتشف أن حديقة الحيوان تسكن داخل عقلك، دعما نتفق أن المخاوف هي قطط هاربة .. جميل؟
  • حسنا، يا ساتر .
  • هذا القط الهارب .. الذي يثير قلق حياتك ويدمرها .. ماذا يريد منك ولماذا تصر على الاحتفاظ به في غرفتك ؟عليك أن تعي بداية أن العقل البشري لا يستطيع تمييز كل شيء بشكل واضح، بمعنى أن بالنسبة للعقل التهديد من أسد يساوي لديه خوفه وشعوره بالتهديد من حشرة أو من رأي المجتمع وأحكامه أو من الفشل حتى بشكل عام. فعليك أن لا تصدق كل ما يمليه عليك عقلك في البداية وعليك أن تحاول تمييز الأشياء والمواقف بنفسك. لا تخضع لعقلك وأحكامه، ولا تصدق مخاوفه بسهولة، إسأل عقلك، تكلم معه بصوت جهور، حاججه، شكك بأحكامه وما يمليه عليك من أفعال وشروط وردود فعل، قاومه وحاول تعليمه أكثر، وبرمجته بما يصب بصالحك في النهاية، فهو لا يزال في طور التطور .. لا يزال يحاول احتواء الكم الهائل من التطور والمعلومات والمعرفة التي يحتضنها ويحاول تحليلها وتمييزها.
  • كلام جميل لكن، لم يتغير أي شيء، لا زلت أشعر بالخوف.
  • عزيزي، الخوف هو شعور طبيعي، وجزء من طبيعة الكائنات، عنصر أساسي في قانون الكون وليس بالسيء لهذا الحد، فلولا الخوف ما كنت تستطيع الهرب من أسد شرس يريد التهامك، أو محاولة إنقاذ نفسك في حالة الحروب، والزلازل، الخوف يمكنك أن تعتبره الرادار وصوت صفارات الإنذار التي تبقيك حيا حتى يومنا هذا، لا أريد منك قتل شعور الخوف نهائيا، ولن يحدث هذا، فأنت مبرمج على الإحساس بكل شعور ممكن، كل شعور له وظيفة ، كالكلى والكبد تماما، لكن نحن فقط نريد تهذيبه حتى لا يتمادى معنا ، ولا يقطن وسط بيتنا، وأن يعتاد التطور والرفاهية ووقت الفراغ الكبير الذي استجد على حياتنا، بمعنى لا نريده أن يتمدد في تفاصيل يومنا.
  • لكن، أنا خائف حقا، لا أحب وظيفتي البائسة وأخاف تقديم استقالتي، أريد السفر، لكني خائف ولا أملك وقتا حتى، ولا أريد صرف كل ما أملك من مال، أريد تحقيق الكثير لكن ليس لدي الجرأة حتى للبدء ولا أعرف حتى من أين أبدأ، أخاف أن أعترف للفتاة التي أحبها بشعوري، وأخاف أن أرقص وأغني بسبب أحكام الناس وثرثرتهم المستمرة المؤذية، أخاف أن أقول ما أريد بصراحة خوفا من هجوم الناس علي وتنمرهم وتمردهم.
  • أنت هنا وضعت إصبعك تماما على الوجع والجرح، ووفرت علي الكثير من المقدمات، هذا ما أريده منك، لا أريدك أن تخاف من ترك عمل لا تحبه، حتى وإن كان لديك مسؤوليات والتحديات كثيرة أتفهم، لكن، هناك هامش من المخاطرة يمكنك القيام به، بأسوء الأحوال أن تقوم بمجهود أكبر في محاولة الخروج من النفق الذي لا تريده، لا أريدك أن تخاف من خوض تجربة تريدها، العمر قصير مهما طال، عليك بما تريد اليوم قبل الغد، اصنع أجمل الذكريات، لا تجعل خوفك يقف عائقا أمام أحلامك. أحيانا، المخاطرة مطلوبة، أن تترك عملك الذي لا تحب، أن تسارع بعمل المشروع الذي تحلم به، أن تتعلم موهبة ومهارة تحبها بشغف، أن ترقص تحت المطر، أن تخبر أحدهم بأنك تحبه، أتخاف من الرفض؟ وإن حدث؟ هل ستموت؟ هل هو تهديد حقيقي؟ لا . ولماذا الخوف من أحكام المجتمع، وثرثرة الناس الهشة .. جميعهم مصيرهم الموت، الكل مصيره الفناء، يعني حكمهم الجائر بحق أحدهم لن يطيل من عمره، أو يجعل تجربة وجوده أفضل لكن إن خضعت لمخاوفك المستمرة، فبالتأكيد ستصبح حياتك أسوء.
  • يعني، تقول أني لن اخسر أي شيء إن حاولت، وأن لا وجود لخوف حقيقي سوى ترددي وكسلي من تجربة ما أريد تجربته.
  • طبعا، حتى وإن تم وصفك بأبشع الأوصاف، ماذا بعد ؟ ولماذا نهتم لكائنات فانية ضائعة غارقة في خوفها هي الأخرى. وحتى إن فشلت في تجربة ما وتحقيق ما تريد، حاول مرة أخرى، وما مقصد الحياة إلى بالطريق والمحاولة، ولم يكن يوما اللذة والمقصد في الوصول، فالوصول يعني النهاية، نهاية الوجود، وما زال الوقت مبكرا لنصل إلى هناك.
  • حسنا وجدت القطة.
  • أي قطة؟
  • ههههه، مخاوفي، فهمت أن لا وجود لها في منزلي، وأنا من اختلقتها واعتنيت بها حتى باتت تستعبدني.
  • اااه، هههه جميل، القي بها خارج منزلك ودعها تتحول لكلب يحرسك، ينبهك من مخاطر حقيقية، لا من أخطار وأفكار ابتدعها العقل بسبب اعتبارات اجتماعية وثقافية وقوانين واساطير ابتدعها البشر وصدقوها على أنها قانون حياة رئيسي ثابت لا يتغير.
  • حسنا لكن أتعلم ما زال هناك لدي مخاو...
  • اشششش! أنت حالة ميؤوس منها ... اذهب وأطعم قططك، سلام.





ربا عياش

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات ربا عياش

تدوينات ذات صلة