أحيانا ينتابنا الشعور بالندم بعد مدة زمن تجاه مواقف محددة ، أو تجاه كلام معين تلفظنا به في لحظة ما ، لهذا فكرت في كتابة هذا المقال ...
" إن الإنسان في حاجة لعامين ليتعلم الكلام، و إلى ستين عاما ليتعلم الصمت "
أسلوب سلس، كلمات بسيطة تحمل بين حروفها معاني جمة و عديدة، لا تكفي الأوراق و حبر الأقلام لتدوينها ...مررت عليها كثيراً ولم أدرك معناها إلا بعد زمن ، فلا أدري إن كان صاحبها لا يزال حياً يرزق ، لكن جل ما أعرفه و أستوعبه هو أنها ثمرة عُمْرٍ مديد، و خلاصة خبرة طويلة، لتصبح ميراث أجيال صاعدة.
عبارة إستوقفتني لفترة، تذكرت فيها جل مواقفي التي كنت فيها كغالبية الناس، أرفض الصمت ولا اراه سوى موئلا حينما يشعر المرء بالضعف، فغالبا ما كنت أرفض الإستسلام و الإنسحاب و أسعى دائما أن أكون أنا سيدة الموقف، ظنا مني أنه دائما ما يكون الضعيف قليل الكلام و القوي هو من لا تنتهي عباراته، و دائما ما تجد أجوبته على طرف لسانه. فبهذا كنت أجد متعة في ان أرى البعض يتكلمون عني، كيف لا أخضع و لا أسمح ولو بفرصة واحدة لمن أمامي أن يتكلم او يناقشني، وهذا ما فسرته بأنهم يخافونني، فكنت أزداد فخراً و أرى أن هذا ما يميزني عن الآخرين إلى جانب الصفات الأخرى. فأنا التي عندما أغضب أتكلم، عندما أتوتر أتكلم، عندما أفرح أتكلم ، بل ولا حتى مرة أذكر أني التزمت الصمت ، بل و الأكثر من هذا حتى في أماكن الصمت و الهدوء لم أكون أصمت ،
ألهذا السبب كنت تلك الفتاة الملفتة للنظر بشكل كبير ؟ ألهذا كان الجميع يتكلم عني ؟ ألهذا السبب كنت حديث لسان كل من حضر موقفاً حيث من أمامي التزم الصمت ثم انسحب ؟!
فبعداً لتلك المواقف و اللحظات الخادعة التي جعلتني أرى من الحماقة و السخافة قوة و شجاعة . و آه على الذاكرة التي تحيي تلك الذكريات التي لا تشعرني إلا بالحسرة ، فما أتمنى الآن سوى لو أني إلتزمت الصمت ، فإبن آدم لا يمضي جل حياته ذلك الشقي الصغير و لا حتى ذاك المراهق الضعيف ، ففي هذا السياق صدق من قال : " ستنضج في اليوم الذي تضحك فيه على نفسك من كل أعماق قلبك ".أيضاً عبارة أخرى، جعلتني أفكر فيما جنيت من كثرة كلامي ، فهو لم يرتقي بي ولم يعلي مكانتي بين الناس ، بل حط من شأني ، و زاد من تطاول غيري علي، حتى لم يكن بالنسبة لي شيئاً مهما انتقاء الكلمات و الأسلوب، و هذا ما سميته "التفتح".فأنا أعود إلى العبارة و أقول أنها ذكرتني أيضا بأناس لم يتركوا لي إلا صمتهم، ما تركوا لي سلاحاً أصوبه نحوهم كي أبرر ضعفي اليوم، فما بقت عليه ذاكرتنا جميعا هو كلماتي تلك ...
مع مرور الأيام ، تعلمت دروسا كثيرة أهمها هذا الدرس الذي سميته "ثقافة الصمت"، أطلقت عليه مصطلح "ثقافة"، لأنه في منظوري الخاص، إن كان اللباس، الموسيقى، الفن و غيره ثقافات تعبر عن الفرد و تصفه ، و تدل على هويته و جوهره فإن الصمت كذلك يدل على طريقة تفكير الانسان ، يدل على مدى تصالحه مع ذاته، على مدى قوته و جديته، فكلما كان الإنسان يصغي أكثر كلما زادت حكمته،.. قيل :" تعلمت الصمت من الثرثار "
لا أعلم كم عدد الأشخاص التي تعلمت مني ، لكنني أعترف بفضلي على نفسي، كيف "أنا" القديمة علمت "أنا" الحالية و لازالت تفعل، فكلما فكرت فيما أنا عليه حاليا عدت إليها ، فتريني أخطائي و تعلمني دروساً ثمينة فقط أرجو أن لا يكون قد فات الأوان .ها قد امتلأت جميع سطور الورقة، لكن ما زال بداخلي ما يقال عن "ثقافة الصمت"، فهأنذا أعلن تبرئي من كثرة الكلام و أشهد انتمائي لعالم لغة الصمت، و أردت أن أنهي بهذه المقولة الرائعة :
" لا تحسبن صمتي جهلاً أو نسياناً ، فالأرض صامتة و في جوفها بركان ، الصمت لغتي فآعذروني لقلة كلامي فربما ما يدور حولي لا يستحق الكلام".
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
العفو ولو 💐
شكرا ندى 💛
كلام معبر جدا 💫😍😍