لكل من يود معرفة كيف يراه الغير، أو عنوان المقالة من بين الأسئلة التي تتبادر في ذهنه دائما، فهذا المقال فيه جواب، لكن لا أدري إن كان جوابا مقنعا لك أم لا
كيف يرونني ؟ سؤال مثير للإهتمام إلى درجة أنني كلما كبرت أكثر، كلما رأيت من الإجابة عليه شبه مستحيلة، فكلما كبرت أدركت أنهم لا يرون تلك الفتاة التي أراها أنا و أظنها هي التي تظهر للجميع، بل يرون شيئا آخر لازال مبهما لدي، شيئا لم أصل إليه حتى الآن، و كلما حاولت البحث عنه وجدت أنني أبتعد عن ما أَلِفْتُ نفسي عليه، خوفي ليس في أن أبتعد عن ما أَلِفْتُ ذاتي عليه ، بل أخاف أن أبتعد عن حقيقتي، أخاف أن أكون أنا التي أنظرمن الجانب الصحيح و ليس هم، أخاف أنه لقائي بذاك الشخص الصحيح الذي قد بلغ من النضج ما سوف يجعلني أرى نفسي من الزاوية الأصح لازال بعيدا وليس ممن ظننت أنهم كذلك، حتى آخذ فقط نظرة عن كيف أبدو من الزاوية الصحيحة، التي ستدلني عن أخطائي الحقيقية، التي ستدلني عن ما إذا كانت تصرفاتي التي أظنها صائبة أنها كذلك حقا أم لا، ...
أحيانا ترى البعض يمجدونك و يشجعونك، وأحيانا البعض دائما يصفك بأنك مخطئ ولا تعرف شيئا، بين هاتين الفئتين كنت عالقة في البداية، كنت أحاول أن أعرف أيهما على حق، أ هم أولئك الذين يمجدونك ؟...، فهناك فئة لايرون الأمور كما يرونها ذوي العقول النيرة فيمجدونك، أم هم الذين يخبرونك بأنك لست على حق؟...فهناك من يراك على الخطى الصحيحة فيحاول أن يعكر صفو طريقك بأن يُكْسِي كل مجهوداتك طابعا من الخطأ و قلة النضج ، فأيهما على حق؟ ...هاتين الفئتين بالضبط، كنت كلما حاولت أن أتبع واحدة، ما يمر وقت حتى أرى خطأ في اتباعها، فقد كنت في مرحلة من العمر أُوصَفُ بأنني إجتماعية، ذات شخصية مختلفة، ذات حضور قوي، ذات أفكار صحيحة و منطقية، لا أخضع و لا أستسلم، لا أهان و لا أعاب، أحترم الغير و لا أفرض نفسي على أحد...، هاته إحدى آراء فئة كانت تمجدني كثيرا، فلم أكن أبحث في العمق، بل ببساطة تكونت لدي نظرة تجاه نفسي من هذا القبيل، فصدقت كون تلك الصفات تميزني و تصفني، لكن ما مر وقت طويل حينما بدأت أسعى إلى تطوير ذاتي أكثر و تحسينها، أولى الأشياء التي بدا لي أنه من الضروري أن أتخلص منها، وهي تلك الأخطاء التي كانت تتوارى خلف تلك الصفات، فإن كنت إجتماعية فما هو إلا كوني كنت أنسى مبادئي و أتأقلم مع الغير الذي لم نكن لنتفاهم إلا إذا أحدنا تخلى عن مبدأ أو أحدنا اكتسب أوتبنى بمبدأ، كوني لا أخضع و لا أستسلم، ما هو إلا أنه كان البعض ينسحب كلما وصلنا إلى الجدال، أما كوني أحترم الغير، ففسرته بكوني كنت بعيدة عن التواصل مع الأشخاص الذين كانوا معارضين لأفكاري أو ربما كانوا يرون أنني على خطأ، فحين النقاش مع أحد يرفض أفكارك ربما لكونها تفتقر إلى الوعي و الواقع، سترى ما إن كنت تحترم أم لا، لذا فهنا ظهر المشكل في كوني اتبعت الفئة التي تمجد و تمدح، أما في المقابل عندما بدأت في البحث عن نفسي، كيف أتصالح مع ذاتي، أبحث عن راحة البال و الوضوح، كي لا أحتاج لأختبئ وراء أفكاري أو أحتاج إلى أن يجالسني الشخص حتى يتعرف علي، فبعدما عرف البعض كون هاته الأشياء أصبحت شاغلي الأول، أصبحت محط إنتقاد الأغلبية، بكوني تخليت عن من أكون، و كوني أصبحت أكثر جدية و أن الأمر لن ينفع فأصبحت في نظرهم مخطئة و لا أسعى سوى لشيء لن أبلغه أبدا، وهذه ليست إلا الفئة الثانية ، لكن كي لا أكرر نفس الخطأ، لم أؤمن بهاته الآراء، بل أخذتها فقط محط تحليل، لأنني في ذاك الوقت كنت بدأت الإعتماد على نفسي أكثر و أصبحت أتلقى أي شيء على أنه يحتاج إلى مراجعة أولية...
إكترث لكيف يرونك، لكن لا تؤمن بذلك، هذا مبدأ تبنيته أنا لكن أنت لست مجبر على أن تتبناه مثلي، فربما نحن مختلفين من حيث التجربة، لكن استنبط المضمون أو حاول فقط فهمه جيدا و من ثم حوله بصياغتك الخاصة مع الأخذ بعين الإعتبار أي الفئتين تؤثر فيك أكثر إلى مبدأ يخصك، فحتى إن أردت تغييره، فذلك لن يؤثرعلى ما أنت عليه الآن، و لن تكون على خطأ في يوم من الأيام بتبنيك له،...
فبخلاصة، ما أردت إيصاله ببساطة هو حينما لن تبدأ أنت في تطويرذاتك و معرفة أخطائك بنفسك، فلن يدلك أحد عليها، ناهيك عن الأسرة، فلم أتحدث عنها لأنه ليست جميع الأسرعلى حق، فإن أنا وجدت أسرتي كفيلة بأن تدلني على أخطائي بشكل دقيق، فليس الجميع يجدها كذلك، وهذا لا يدل على أنه لن تسعى بنفسك، فالأسرة تحصرك بين أخطائك، و أنت ربما تتجاهل الأمر و ربما تأخذه بعين الإعتبار، لكن حينما ستبدأ في التفكير بعقلانية فحتما ستأخذ ذلك بعين الإعتبار، وغيرالأسرة هناك فئة صحيحة بإمكانها أن تدلك، رغم كون ذلك نادر حاليا، لكن ما دمت على خطأ أو إن لازلت في البداية، فلن تستطيع التمييز بين أي الفئتين أصح ،... فأنا أولى محاولاتي كانت مراجعة تلك الآراء التي كنت أعترض عنها أو أرفضها، حاولت أن أرى الخطأ في الناس التي اعتدت أن أراهم على حق، بشكل أوضح شككت في كل شيء فكرة صحة صدقه تبقى نسبية، شككت حتى في نفسي، و تركت الأشياء المطلقة التي لا شك فيها كقاعدة، و هي الفطرة أو الدين، فهنا بدأت في ربط أي فكرة بتلك القواعد المطلقة حتى أتمكن من دراسة صحة تلك الآراء، و شيئا فشيئا أصبحت ولو قليلا أستطيع أن أوفق بين الفئتين...
التغير ينبع من داخلك و لا أحد يستطيع أن يزرعه فيك بالشكل الصحيح، و لا ترهق نفسك بمعرفة كيف يرونك فيما يخص شكلك، فحتما لن تستطيع، فما تراه أنت ليس ما يرونه هم، فكلُّ يَرَكَ حسب مبادئه، حسب الشيء الذي ينقصه و أنت تملكه، كل حسب ذوقه، ولا تحاول حتى تقييم نفسك حسب ذوقك الخاص، أترك نفسك كما أنت، أحرص على أن تكون شخصا جيدا لنفسك و لمحيطك فقط ، فربما قد خلقت جميلا حسب ذوق من تحبهم ...
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات