التطور الذاتي من أول ما يسعى له كل شخص عاقل و يفكر بعقلانية أو يعتقد الأمر كذلك، لذا بناءا عن ذلك فإني تحدثت عن أول إنطلاقة ...
في اللحظة التي تجلس فيها وحدك بمعزل عن الناس ، حينما تجد نفسك وحدك مع ذاك العقل، مع تلك الجوارح ، مع ذاك الجسد ، مع تلك النفس اللعوبة، مع تلك الصورة التي تدعي بأنها أنت ، حينما تكون أنت و ذاتك فقط ،... الشيء الذي يتبادر في ذهنك حينها أن تزاول نشاطك المفضل ، كأن تقرأ كتابا، أو أن تكتب ما يجول في خاطرك، أو أن ترسم تلك الوجوه التي أبت أن تغادر أوطان ذاكرتك ، أو أن تتفحص علبة رسائلك التي لا تمتلئ في الأصل، أو ربما أن تدندن ذاك اللحن الذي استعمر كيانك، أو أن تكلم صديقا عن أحوالك ، تشتكي له همك، وتحكي له تفاصيلك لعلك تجد في حديثه و مواساته ما يجبر قلبك، أو ربما تشاهد مسلسلك المفضل ، أو لما لا كرتونك المفضل فلا ننسى ذاك الطفل الذي لمراعاة سنك اكتسى زي النضج، تفكر في القيام بكل شيء سوى مجالستك، مجالسة ذاتك ...
فالبعض منا إن لم أقل معظمنا ، يرى من مجالسة نفسه هي أي يبقى وحده من دون الغير، فإن زاول نشاطا لوحده ظن أنه بذلك قد جالس نفسه، أو إن ظل ينظر من تلك النافذة، يسترجع تفاصيل يومه ، يقوم بتحليلها تحليلا عشوائيا تنقصه الدقة و الحكمة و النضج يظن أنه قد جالس نفسه ، أو أن يسترجع ذكريات ماضٍ لا ينسى بحجة أنه قد عانى فيدعي أنه يجالس نفسه، فلا يخرج بأي نتيجة أو قاعدة صالحة لكل زمان و مكان... ففي رأيي، الأمورلا تسير على هذا النحو، فإن لن تكن غايتك الأسمى أن تطور نفسك و تعلي من قدرها أولا كهدف في ذاتك لتسمو ثم كهدف في الغير لتشرق بك وسط ظلمة أفكارهم ، فلا تفكر أبدا أن تجالس تلك النفس ، فإنك بذلك فقط سوف تتعب و تمل، إضافةً إن كانت كثرة الناس من حولك يزودونك بتلك الثقة اللحظية والزائفة ، فحتما ستكون تكره الوحدة ، بل تكره أن تنصت لصوت الحقيقة الذي يناديك من داخلك، أو إن كنت لازلت لم تتحرر من قيود نفسك الخبيثة، التي تعطيك آلاف الأعذارأو الحجج لكي تظل أسيرا لديها، فلا أنت و لا هي تروا النور...
فمجالسة النفس هدفها الأول تطوير الشخصية، و بذلك فهي تريدك أن تكون قويا، مستعدا لأي هجوم ستشنه عليك أفكارك ، فغالبا عند بداية رحلة التطور سوف تحاول أن تعطيك تلك الفكرة كونك ستكون منبوذا وسط الناس، أو ستكون محط سخرية الجميع ،فَتُكَوِّنُ لك صورة عن الإختلاف الذي سينبع من داخلك على أنه تخلف، لكنه فقط تفردك الذي نكرت وجوده، قمعته بداخلك، دفنته بجانب أحلام ذاك الطفل الذي بكى بشدة حين موت العم فيتالس،...
هي مسألة إعتياد و ممارسة، فلا تظن أن الهادئون لا يعرفون السبل التي تؤدي للفت الإنتباه، لكنهم يؤمنون بأن الأفكار تصبح أكبر عدو لك حينما تحاول أن تستقيم مع ذاتك، حينما تريد أن تكون صريحا في آراءك و كلماتك، أو أن يكون لديك مسار واضح يصعب اتباعه، أو أن تكون خالصا لنفسك و لصانعك، فلست وحدك مع أفكارك، و لست وحدك من تتحكم بها ، بل أنت إختصاصك مجاهدة نفسك و تهذيبها، محاربة تلك الأفكار و ترتيبها، التمييز بين الخطأ و الصواب ...
لا شيء يأتي بالسهل، فالنضج ليس محطة يمر عليها قطار السن، بل هو غاية و رغبة تستوجب السعي و بذل الجهد في الوصول إليها أو فقط الإقتراب منها ، فإن عُدْتُ إلى مجالسة النفس، فهي حينما تضع في عقلك فكرة أنك مستعد لتخوض تلك الحرب مع نفسك، أنك مستعد لرحلة بحث لن تنتهي أبدا، أنك لن تنظر خلفك أبدا ، أنك تملك جوابا لمجموع أسئلة سوف تحاول من خلالها نفسك أن ترجعك إلى الوراء، إنك ستتقن التظاهر بالغباء مع كل من حاول أن يستخف بمجهوداتك، أنك ستتجاهل كل ما لن ينفعك أو كل ما سوف يزين لك الماضي لتعود له بحجة أنه ذكرى ...، هاته و غيرها أفكار تهيء لك تلك الظروف المناسبة لكي تتمكن من حصر اعتقاداتك و مشاعرك بهيمنة ذاك العقل، أو بل هي بمثابة درع سيحميك من هجوم نفسك عليك و التي في البداية سترفض التغيير و التطور خاصة إن كان صادقا و صحيحا...فالبداية ستكون أصعب خصوصا إن أنت سوف تتغير عليها لا على الغير فقط، لكن صدقني تلك حقيقتك، التي تبحث عنها في أماكن أخرى ...
جالس نفسك حينما ترغب حقا في التطور ...
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
عفوا 💜
شكرا ندى
جميلة جدا احسنت💗💗