من مجموعة قصصية " قهقهة واحدة تكفي" الصادرة عن الأهلية للنشر والتوزيع عام" 2013"

تنتصبُ واقفةً لتسقط، هكذا كانت ... هكذا أرادوا لها أنْ تكون، ما أنْ تقفَ حتى يتلقفَها أحدُهم بضربةٍ، ترخي أعصابَ قدميها، وتطيحُ بها أرضاً، مترنحةً من هولِ الضَّربة. هذا نصفُ شللٍ وبعضُ الارتخاءِ النَّاجمِ عن الملل: قالَ لها الطبيبُ بعد المعاينة. ضحكت في سرِّها، وسرُّها غدرَ بها أيضاً؛ لتنطلقَ من جوفِها قهقهةٌ مجنونةٌ، تعلنُ جنونَها على الملأ، وتدفعُ الطبيبَ للإشارةِ لمشكلةٍ نفسيةٍ أو عقليةٍ وراءَ هذا الألم. لو أنهم فقطْ أزاحوا اللثام عمَّا وراء السَّقطةِ ربما تنفذُ منْ تهمِ الطَّبيبِ ومن جرمِ القهقهة، ولكنَّ الوقتَ فات والـ (لو) فعل تجنٍ وتمنٍ ... وفعل خرفٍ أحمق. تخرج منْ عندِ الطبيب لفضاءِ المدينةِ الملبَّد بهم ... يحملون العصيَّ، ويختارونَ الضَّحيةَ بدقةٍ متناهية، هي وبعضُ الدواليب من توضعُ العِصيُّ بين أسنتهم كيما يكونَ هناكَ حركة، والقدمُ مثلُ اليد، يُعوَّلُ عليها كثيراً في الحركة، والمدينةُ تهوى النَّوم، والاستيقاظُ يعني وقفَ دورانِ الدَّواليب ووقفَ حركتها أيضاً.للنوم فوائدُ جمّة، الهروبُ والراحةُ وفوائد أخرى لمنْ تسلَّلَ لنومِ غيره؛ ليقتنصَ فرصةً لسرقته بدافع حُبٍ مذابٍ فيه انتهاكٌ لحرمةِ النوم، وينسابُ منه روائحُ تبعث على تشويهِ فراشٍ، كانَ قبلَ دقائقَ من تسللَ حلمِ حالمٍ بالنوم، هاربٍ من سلطةِ جنونِ القهقهةِ وتُهم الطبيبِ بالشلل. هدوءُ المدينةِ مشوبٌ بالخوف، والحركةُ لا تعني بالضَّرورةِ الحياةَ، والموتُ تجارةٌ رائجةٌ للنَّاس، وهم على سُدَّة الحياة، بينَ بياضِ السَّماءِ واسودادِ الأرضِ تقفُ المدينةُ حائرةً، لا تملكُ إلا أنْ تعيشَ غبشَ اللحظة، وتعيدَ تجميعَ أصواتِ المتسللين نهاراً؛ لتعاقبَ بهم لصوصَ الليل. لكلِّ شيءٍ إذا ما تمّ نقصان، إلا تلكَ المدينةَ كلما اكتملَ نموُّ الموتِ فيها، زادتْ مصادرُ تغذيته؛ ليرفرفَ شامخاً كأنه بعضٌ من آلهةٍ حطَّتْ ذاتَ خطيئةٍ بأرضٍ لمْ تُدرجْ في أسفارِ القوم؛ لتهبهم صكوكَ غفران، وتبرئَهم من تهمة العصيان، وتنثرَ فوقَ ترابِ أجسادهم المبللةِ بنجسِ التَّعدي ماءً آسنا، لا يُحيي الزرعَ ولا يغيثُ الضِّرع. تنبهتْ على صعقةِ ألمٍ قوية، أخرجتْ من فمها الزبدَ مدفوعاً بوابلٍ من الصُّراخ، الذي تحوَّلَ بفعلِ القهرِ لقهقهةٍ، دفعتهم لزيادةِ قوةٍ الصَّعق، شعرتْ بالدفءِ يتسللُ لجسدِها المحطَّم، تنهدتْ طويلاً، أشارتْ لهم للتَّوقف. " لقد فهمتُ المطلوبَ " قالتْ وقد غطَّتْ وجهها سحابةٌ من ضبابٍ لا يدع مجالاً للشَّكِّ بانتصارهم على ضعفها، لقدْ ربحت المدينةُ، وخسرتُ أنا ومنْ أراد التأكدَ فلينظرْ في عمقِ عينيَّ. أزاحوا عنْ جسدها أدواتِ الصَّعقِ، وبعضَ الأربطةِ بعدَ أنْ تأكَّدَ كبيرُهم أنَّ المدينةَ ابتلعتْ عينيها، وأنَّ ساقيها قد علقتا بالسَّرير، واليدين قد تعطلتا تماماً، ولم يبقَ لها غيرُ جزءٍ من لسان، إنْ حرَّكته خرجَ الحرفُ عائماً يبحثُ عمَّنْ يُخرجُ ما في جوفِه منْ معنى.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

وهذا حالنا وضعفنا و المدينة والعصي

إقرأ المزيد من تدوينات رائدة زقوت

تدوينات ذات صلة