مشاركة التجارب ليست انتظارًا للتصفيق أو الهتافات..بل لتزكية التجارب وتراكم الخبرات و مواصلة البناء لاستمرارية دوران عجلة الحياة..
يغمرني شعور عظيم بالامتنان لكل الذين تكرموا و شاركوني تجاربهم الحياتية من خلال حوار أو مقال أو كتاب أو لقاء أو ڤلوق أو بودكاست، وذلك لأنهم ساهموا دون علمهم، في تشكيل حياتي الأسرية و العملية والفكرية والاجتماعية. لقد اقتطع كل واحد منهم من وقته ليدون تلك المواقف والتجارب التي مر بها خلال حياته والعبر التي استخلصها جراء ذلك، ويشارك بشجاعة حصيلتها مع الناس على شكل سيرة ذاتية، أو دروس قيادية، أو خبرة تعليمية، أو وصفة طبخة لذيذة، أو طريقة استخدام منتجات مفيدة.
إن مشاركة التجارب الواقعية الصادقة هو إثراء للحياة وإكمال للنواقص من المهارات التي قد لا نتمكن من اكتسابها خلال مسيرتنا الحياتية، فالعمر قصير ،مهما طال، كي نتمكن خلاله من خوض كل أنواع التجارب أو التخطيط لها، فالاحتياج لمعرفة معينة قد يظهر فجأة ودون أي مقدمات.
لازلت أذكر ، على سبيل المثال، عندما أبلغتنا الأخصائية أن ابننا الأصغر قد يكون مصابًا بطيف التوحد كتفسير لتأخر كلامه وبعض سلوكياته المختلفة عن أقرانه، رغم أنها قالت سيأتي اليوم الذي ستطلبون منه الكف عن الكلام وقد تحقق ذلك بحمد الله، و أستحضر بوضوح الشعور بالقلق و الحيرة الذي انتابنا حينها، فماذا علينا أن نفعل بعد ذلك وكيف؟ فالمتخصص يمكن أن يعطي بعض التوصيات في مجاله، ولكن ماذا عن بقية تفاصيل الحياة اليومية التي تتطلبها تنشئة هذا الطفل البرئ والاهتمام به وبإخوته الصغار، بل وحتى بذواتنا وعلاقاتنا وحياتنا الزوجية.
لايشترط أن تبدأ مشاركة التجارب بعد تحقيق نجاحات مذهلة أو بطولات خارقة، بل يشترط فقط أن تكون عن تجارب إنسانية وجد أصحابها أنها نافعة وأحبوا أن يشاركوها مع غيرهم عسى أن يجدوا بها ما يفيد.
أخذت ووالدته نجول بين أرفف المكتبات وصفحات الانترنت وسؤال من استطعنا الوصول إليه من المتخصصين في الطفولة المبكرة، نبحث عن معلومة هنا وتجربة هناك، وجدنا بحمد الله بعض الكتب والمواقع، التي كانت شبه نادرة، خصوصًا باللغة العربية، قبل أكثر من عقدين من الزمان، و تلقفناها بشغف نقرأ الصفحات بل والأسطر والكلمات مرات ومرات ونحن ننقب عن أدق التفاصيل التي لم يبخل الآباء والمربون و المعالجون في سردها بدقة وعناية. كيف نعزز الروتين اليومي؟ ماذا نفعل مع نوبات الغضب؟ كيف نتعامل مع الأحداث اليومية المفاجئة؟ كيف نعزز علاقته بالإخوة؟ كيف نشرح حالته للآخرين؟ وكيف نمارس حياتنا الطبيعية؟..لم تكن الإجابات من توصيات المتخصصين فقط بل أيضًا من تجارب الممارسين الذين يخوضون غمار المعايشة اليومية بكل تفاصيلها، وبما لها وما عليها من نجاحات وإخفاقات.
تشمل مشاركة التجارب كل مناحي الحياة في الإدارة والتعليم والفن والعلم والهوايات و السياسة والرياضة وغيرها. كما لايشترط أن تبدأ مشاركة التجارب بعد تحقيق نجاحات مذهلة أو بطولات خارقة، بل يشترط فقط أن تكون عن تجارب إنسانية وجد أصحابها أنها نافعة وأحبوا أن يشاركوها مع غيرهم عسى أن يجدوا بها ما يفيد.
يحجم بعض الفضلاء عن مشاركة تجاربه خوفًا من نسيان بعض التفاصيل المهمة أو إغفال دور بعض من كانوا معه سهوًا مما قد يعد ظلمًا لهم وهذا موقف نبيل يمكن التخفيف من أثره بالمراجعة والتمحيص والاعتذار والتراجع إن ارتكب الخطأ. لذلك يجب على كل من شارك تجاربه أن لا يتوقع أن تقابل بالتصفيق الحار وهتافات التشجيع بل ربما تقابل ببعض القبول و شئ من التجاهل و كثير من النقد والتصحيح، وهذا طبيعي جدًا ويجب أن لايشكل عائقًا دون المشاركة وحرمان شريحة المهتمين من الاستفادة منها، فالحياة رحلة نتعلم ونتغير معها يوميًا..نصيب ونخطئ و نحاول من جديد، ونواصل خوض التجارب وتزكيتها بمشاركتها..
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات