الكثير من الناس يأتيهم الشعور بالفراغ ويعجزون عن وصف هذا الشعور،

إذا كنت قد اختبرت فقدان شيء بالغ الأهمية في حياتك، أو فقدت شخص عزيز، ستسيطر عليك مشاعر الحزن والوحدة والفقد لفترة من الزمن وبينما أن هذه المشاعر تبدو أمراً طبيعياً وربما تولد الشعور بالفراغ النفسي والعاطفي، إلا أن البعض يراها غير ذلك .

الكثير من الناس يأتيهم الشعور بالفراغ ويعجزون عن وصف هذا الشعور، وتأتي تعبيرات كثيرة لمحاولة التعبير عن هذه الفوهة الداخلية، لكن لا تسعفهم الكلمات المناسبة، ولأن المصطلح غير شائع الاستخدام تصبح المهمة أصعب، حتى أنهم يبذلون جهداً كبيراً لفهمه فهو أشبه ما يكون بفقدان الاحساس بالشعور أو غياب الشعور، وقد يسميه البعض أيضاً الثقب الأسود، أو الخواء النفسي.

الفراغ هو ليس فراغ الوقت بل هو شعور بالخراب الداخلي: الغياب التام للفرح أو الأمل أو الرضا عندما يعاني الشخص من الفراغ ، فإنه ينغمس في هاوية داخلية تؤدي غالبًا إلى الإدمان وسلوك الهروب.

ويلجأ البعض لمحاولة تعبئة وتعويض الشعور بطرق غير صائبة في غالب الأحيان وهذا ما يجعل الأمر أكثر تعقيداً، لذلك من المهم أن تفهم من أين تأتي المشاعر، وإدراكك لجذور المشكلة واتخاذ خطوات نحوها ، فإذا لم تجد وسائل لمعالجة المشكلة فقد تحاول ملء الفراغ بخيارات غير صحية لا تعالج المشكلة الحقيقة ، بل تخدرها بشكل مؤقت وفجأة سيعود هذا الشعور القديم ... الشعور بالخراب ، الشعور بفتحة داخلية متداخلة. تتألم داخلك تحت الضغط الشديد لهذا الفراغ العميق، كيف يمكن للشعور بالفراغ أن يكون مؤلمًا للغاية؟

" علمتني رسم الدائرة .. لكنني لم أكن أعلم أني سأبقى عالقة بها بقية عمري، تركتني بهذه الدائرة المفرغة التي ليس لها ابعاد ألتف حول نفسي وأرى الحياة كدوامة بنصف البحر وأنا بداخلها، "


قد تتساءل عن الأسباب التي جعلتك تشعر بالفراغ، أياً كان السبب لا تلُم نفسك! فقط تقبلها وتعاطف معها ولا تقم بجلدها كما تفعل أغلب الأوقات .

فقد يكون السبب عدم وجود دعم عاطفي جيّد في الماضي أو الحاضر ، فذلك يكون فرصة جيدة لظهور هذا الشعور لأن استمرارك بقمع عواطفك تصل إلى درجة أنك تصبح لا تشعر بها، ويعود ذلك إلى نمط التربية أو الوسط العائلي الذي لا يعترف بالمشاعر ولا يقدرها فتعطي رسائل للطفل أن عليك تجاهلها ودحضها وعدم إعطائها الأهمية الكافية فينشأ الطفل بتغلغل هذه الرسالة في جوانب الحياة العاطفيّة كافّة. هل تعرف من أنت؟ فعدم معرفة نفسك وعدم وضوح أهدافك يودي بك لفقدان القيمة والمعنى مما يجعلك فريسة سهلة الاصطياد ، و انعزالك عن الآخرين أو مغادرة أشخاص تحبهم من حياتك ، وعجزك عن تقبل الماضي أو التجارب التي أثرت على حياتك بشكل سلبي مثل: فقدان الوظيفة، و الانفصال عن الشريك ، أو موت شخص عزيز ، وانتهاء علاقة في غاية الأهمية يترك فراغاً كبيراً وذلك يجعلنا نشعر بالضياع بدونهم خاصة إذا كانت هذه العلاقات مرتبطة بهويتنا. وربما لا تعتني بنفسك كفاية بسبب تركيزك على حياتك المهنية أو على أطفالك وتنسى الاهتمام بنفسك والترفيه عنها.

يمكن التحديد أيضاً اذا ما كان شعورك بالخواء هو إصابتك باضطراب نفسي مثل اضطراب الشخصية الحدية (BPD) أو القلق والاكتئاب الحاد أو أحد اضطرابات الأكل ، أو إدمان تعاطي المخدرات والكحول .

كن حذراً فيما يسبب لك الفراغ حقاً لأنك ربما تقع بأسباب خاطئة مثل : أنا لست ناجحًا بما فيه الكفاية، شريكي لم يعد يحبني بعد الآن، ليس لدي أصدقاء مقربين، ليس لدي ما يكفي من المال.. الخ. وحذراً بمحاولة سد هذا الفراغ بطرق غير صحية مثل : قضاء وقت طويل على وسائل التواصل الاجتماعي أو التلفاز ، أو إسراف الوقت على ألعاب الكمبيوتر ، أو إدمان الكحول والمواد المخدرة، أو التسوق المفرط، أو الأكل بشراهة... وغيرها كلها وسائل عديمة الجدوى، فلا تضفي أي من وسائل الراحة المؤقتة هذه معنى على حياتك، ومن المرجح أن تزيد هذه الأنشطة من شعورك بعدم الرضا عن حياتك، حتى لو شعرت بالرضا للحظة عابرة. بدلًا من تجاهل مشاعرك ، جرب بعض الخطوات الموضحة أدناه:


1- التقبل الراديكالي للشعور وإدراكه وفهم أسبابه تلك أول خطوة لمعالجة ما تمر به ،كما قال كارل روجرز: " المفارقة الغريبة هي عندما أقبل نفسي كما أنا" يمكنك الاستعانة بصديق للتحدث عما يجول بخاطرك أو الكتابة بمذكراتك أو التسجيل الصوتي على هاتفك النقال، ويتم ذلك بقبول الواقع تمامًا (وفي الواقع احتضانه) تمامًا، بتقبل الذات والحياة والأشخاص بدون حكُم وبدون استثناءات وبدون محاولة إصلاح الموقف. لا يمكن أن يقلل القبول الراديكالي من معاناتك فحسب، بل يساعدك أيضًا على عيش حياة أكثر سعادة وإرضاءً.


2- التعاطف مع الذات واحتضانها والتنفيس عن المشاعر، ابذل جهداً واعياً للاعتراف بمشاعرك والكف عن انكارها والانفصال عنها والعودة بالاتصال بمشاعرك ، قد تظهر مشاعرك بشكل غير لائق في البداية ، مثل التعبير عن الحزن من خلال الغضب ، لكن تذكر أنه لا توجد مشاعر خاطئة أو سيئة ، طالما أنك تواصل بذل جهد للتعرف عليها والنمو.

يجب التأكيد أن عواطفنا ليست هنا لكي "تُثبت" أو "تُعالج". لا يمكنك ببساطة التخلص من الغضب أو الغيرة أو الحزن طوال حياتك، هذه المشاعر طبيعية وهي جزء من التجربة الإنسانية، ما يمكننا فعله هو تعلم كيفية السماح لهم بالتدفق من خلالنا دون التشبث بهم أو التهويل عليهم.


3- فهم نفسك بشكل أفضل، مهما بلغنا قدراً كبيراً من فهم انفسنا إلا ما يكون هناك شيئاً نجهله ومنسجم معنا بطريقة لا نلاحظها غالباً، ابدأ باكتشاف نفسك بالسفر وقضاء وقت مع نفسك وترتيب أولوياتك وأخذ دورات وقراءة الكتب التي تتكلم عن اكتشاف الذات وخوض تجارب مختلفة والتعرف على أصدقاء مختلفين.


4- مراقبة يومك ، هل لديك عادات سلبية؟ هل تدمن على المواد الكحولية ؟ ماذا تفعل أغلب الوقت؟. إن المشاعر مرتبطة بالسلوك والأفكار وكل واحد منها يؤثر بالآخر، فتوقفك عن الممارسات السلبية والتفكير السلبي يحد من شعورك السلبي، يمكنك وضع جدول لكتابة أفكارك ومشاعرك وسلوكك، ومن ثم محاولة تصحيحها ووضع أفكار وممارسات أكثر نفعاً لك.

يمكنك الاستعانة بالأسئلة التوجيهية لتحصل على فهم أفضل لشعورك:

· متى لاحظت شعورك بالفراغ لأول مرة؟ لأي مدة استمر هذا الأمر؟ ما هو عمر مشاعر الفراغ النفسي بداخلك؟

· ما هي المشاعر التي تسيطر عليك في وقت شعورك بالفراغ والخواء؟

· هل أنت عرضة لهذه المشاعر في أوقات أو أماكن معينة؟ ما الذي تلاحظه حول البيئة المحيطة في معظم الأوقات التي تشعر فيها بالخواء النفسي؟

· ما هي نوعية الأفكار التي تجول بخاطرك في أوقات سيطرة مشاعر الفراغ النفسي عليك؟


5- محاولة الاتصال مع قيمك الخاصة : ذكر نفسك بالأشياء التي تهتم بها في حياتك وتقدرها، وما الأشياء التي تعجبك في نفسك سيساعدك ذلك على الشعور بالثقة بدلا من الشعور بالفراغ ، عادة مبادئنا ومعتقداتنا تنبع من تجارب الحياة الخاصة وخلفياتنا الثقافية والمجتمعية، حاول التفكير بها واسترجاعها والتفكير بمدى ملائمتها لك.


6- ايجاد معنى لحياتك اليومية، يمكنك ممارسة التيقظ الذهني لأن تكون واعياً باللحظة الحالية واستشعار كل ما فيها وكل من حولك مثل الاستمتاع بتذوق طعامك وشم رائحته والتأمل بلونه، و ممارسة الامتنان لثلاث أشياء يومياً، وممارسة العبادات، و العودة لممارسة هواياتك، أو الخوض بممارسات ومغامرات جديدة لم تقم بها من قبل ، والبدء بالسعي وراء أهدافك العالقة من جديد والقيام بخطوات ولو كانت بسيطة وقد تراها غير مجدية ولكنها خطوة جيدة لاستعادة نفسك من جديد، ولا تنس الاعتناء بنفسك بممارسة الرياضة يومياً والتنفس بعمق وشرب ماء بشكل كافي وتناول الطعام الصحي والحصول على أوقات الراحة الخاصة بك.


7- إنشاء شبكة الدعم الخاصة بك، نحن البشر اجتماعيون بطبعنا نحن بحاجة إلى نوع من الاتصال الاجتماعي والرعاية والدعم لنكون أصحاء عاطفياً ونفسياً، قد لا تكون مستعداً للتخطيط بنشاط لقضاء وقت مع الأصدقاء أو العائلة ولكن إذا تمت دعوتك في مكان ما ، فابدأ واقبل الدعوة. قد تزيد العزلة من شعورك بعدم المعنى والفراغ إذا وجدت نفسك تقضي معظم وقتك في المنزل، فانتقل إلى مكان يجتمع فيه الآخرون.


8- اذا وجدت أن لا جدوى من كل الخطوات التي ذكرت سابقاً، أرجوك اطلب المساعدة من مختص نفسي ، لا تشعر بالخوف من ذلك، اذا كنت تواجه صعوبة بالذهاب لمعالج نفسي فهناك عشرات المواقع الالكترونية التي تقدم مساعدة عبر الانترنت.


نظمية سعد

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

الصلاة و قراءه القران و اتباع صراط الله المستقيم حل لكل مشاكلك نفسية (بتجربتي)

تدوينات من تصنيف صحة نفسية

تدوينات ذات صلة