تدوينة تخص التداوي بالنشاط البدني كحل مبدئي للأحزان والإحباطات والضغوط النفسية.
علاقة النشاط البدني بالنشاط الذهني
هناك ارتباط وثيق بين النشاط أو الحركة بشكل عام وتدفق الأفكار في عقل الانسان بشكل خاص؛ فعقل الإنسان بطبيعته لا يتوقف عن التفكير أبدًا، حتى أثناء النوم.. تتدفق الأفكار مع بعض الأنشطة الذهنية خلال النوم أيضًا، وهناك عدة دراسات تعتقد أن الأفكار التي تجول بداخل العقل البشري تتراوح بين ستين ألفَ وسبعين ألفَ فكرةٍ في اليوم الواحد!
إذًا هذا الكم الهائل من الأفكار يكون في أي حقل؟
يتنوع هذا الكم من الأفكار بين القرارات البسيطة اليومية، نحو: أي طعام سآكل؟ أي سروال سأرتدي؟ ... إلخ، وبعض الأفكار تتعلق بالاهتمامات الشخصية والعمل، أو الدراسة.. تختلف من شخصٍ لآخر.
أمّا باقي الأفكار تتعلق بالمشاهدات اليومية العابرة: رأيت اليوم حادث سيارة؛ فسأفكر لعدة دقائق أو ساعات في هذه الحادثة وتحليلي لها وما الذي سينتج عنها في حياة أطرافها... إلخ من المشاهدات اليومية العادية.
ومما سبق يتضح لنا استنتاج منطقي وبسيط، وهو إذا كان الإنسان كثير النشاطات، ونشاطاته متنوعة، ومقسمة بين المهام اليومية وعمله، أو دراسته؛ فستتنوع وتنقسم أفكاره بين أفعاله ولن تتركز بعمق في حقل واحد.
ذلك سيقودنا إلى استنتاج آخر، كلما زاد نشاط الإنسان البدني أو على الأقل مَارسَ نشاطاته اليومية العادية قل شعوره بالحزن.
الحزن شعور عميق ويحتاج تجذر في عقل الانسان؛ فلكي تشعر بالحزن فما عليك إلا أن تجلس وحيدًا، وتفكر كثيرًا؛ سيتوالى على عقلك تباعًا الأفكار العادية، فيقوم بتحليلها عميقًا، ثم تتحول إلى أفكار سلبية تسحب طاقتك وتُسكنك فراشك..
حسنًا.. الوصفة السحرية السريعة للحزن هي: افرغ وقتك.. اجلس ساكن الجسد.. فكر كثيرًا بسلبية.
يقول محمود درويش: "..ولنا أحلامُنا الصغرى، كأنْ نصحو من النومِ معافين من الخيبةِ لم نحلمْ بأشياءَ عصيّةْ نحنُ أحياءٌ وباقون... وللحلمِ بقيّةْ"
النشاط البدني (كعلاج).
من أولى النصائح التي يقدمها الطبيب النفسي لمرضاه من قبل التشخيص النهائي، هي "افعل أي شيء"؛ قم وحضر فطورك، امشِ لمدة ١٥ دقيقة يوميا، احصل على عمل، مارس الرياضة.. إلخ.
الأصل في حياة الإنسان هو الإنجاز، وفي حالة وجود أحزان أو آلام نفسية ما يفقد الشخص طاقته لفعل أي شيء ويسكن فراشه؛ فهو مستغرق في أفكاره حد الإنهاك، ولكسر هذه الدائرة السلبية -التي تتكون من فراغ في الوقت.. فتفكير.. ثم استغراق ذهني وملازمة المنزل والفراش.. ثم فراغ من جديد- يجب أن يفعل الإنسان أي شيء.. أي شيء بدني، هذه الطريقة تفلح دائمًا مع الأشخاص الذين يشعرون بأحزان وإحباطات متعددة الأسباب؛ فعلاجهم أن يفعلوا أي شيء، وأن يكسروا الدائرة لأول مرة، ثم يتتابع التحسن بتلقائية.
النشاط البدني كمسكن للآلام.
هل يمكن للمجهود البدني أن يُرجئ الألم النفسي إلى وقتٍ ما؟
يروي (ميخائيل زوشينكو) في رحلته من التخلص من مرض العُصاب والألآم النفسية والكآبة الدائمة المصاحبة له، أنه لاحظ كلما استغرق وفكر في أمراضه وحياته وذكرياته كلما زادت حدة الكآبة، ويتطور الامر لهُزال واعتلالات جسدية أيضًا؛ فترك عمله بالأدب لفترة وظل يبحث عن أعمال تتطلب مجهودًا بدنيًا، كان يشعر بتحسن مبدئي، ثم عند الاعتياد كانت (على ذلك العمل) تعود حدة الكآبة بشكل أشرس، فيترك العمل ويبحث عن غيره يتطلب مجهودًا بدنيًا أكبر.. وهكذا، حتى دخل في دائرة مفرغة من الأعمال البدنية التي لا تنتهي وتستنفذ مجهوده وصحته الجسدية..
لم يفلح زوشينكو في تثبيط آلامه النفسية بالمجهود، فكانت تتوقف لفترة ثم تعود، بلا أمل في الشفاء الدائم.
"لِكُلِّ داءٍ دَواءٌ يُسْتَطَبُّ بِهِ
كان حل (ميخائيل زوشينكو) هو أن يلجأ للطب النفسي؛ فبدأت رحلته مع الطب النفسي والأدوية، ثم رحلته المشهورة بأنه عالج نفسه بطريقة (بافلوف) طريقة الاستجابة الشرطية.
- إرجاء الألم لوقتٍ بعيد ليس الحل النهائي والسحري في بعض الاوقات، إنما إخراجه ومعالجته.
- إذا لم تتوقف آلامك النفسية اذهب للطبيب النفسي لتشخيص المشكلة وحلها، حتى تصل بنجاح إلى اليوم الذي تستيقظ فيه مُعافى من كل خيبة.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
ارجو منكي ان ترشيدنا فيما يخص الرهاب والقلق وكيفية تخلص منها
رائع جدا و ملهم ❤💖
جميل جدًا وملهم. ❤