سوف أسرد لك الآن تاريخ معدن الذهب مروراً بالحضارات والأديان
معدن الذهب..
يعتبر الذهب واحداً من العناصر الكيميائية النادرة القابلة للسحب والطرق باللون الأصفر الذي يميل للإحمرار والمصنفه ضمن الفلزات النبيلة ويتواجد على شكل قطع أو حبيبات في داخل الصخور وعند مصبَّات الأنهار، وأسفل الجبال، وأحياناً على شكل عروق مدفونة تحت طبقات الأرض ويدخل المعدن في بعض المجالات الصناعية والطبية.
ويعتبر الذهب العنصر الأكثر نقاءً من باقى العناصر الطبيعية الأخرى ،فهو عنصر لايتحد مع الأكسجين أو مع الكبريت ،وإنما نجده غالباً بجوارعنصر آخرنادراً مثله، وحتى عندما نجده بكميات بسيطة فى الصخورعلى شكل حبيبات فإنه لايدخل فى التكوين البلوري للفلزات الأخرى ولايتحد معها ليشكل مركبات ،ولكن يظل كما هو ذهباً خالصاً وهذا يعني أنه المعدن المتوج على رأس المعادن الأخرى ويظل صاحب المكانة السامية.
وهناك شيئان يحددان قيمة الذهب وهما قيمته المادية وقيمته الفنية وهما قيمتان مترابطتان ،ويحددهما الدور الذى يلعبه الذهب فى النقد وصياغة المجوهرات والحلى.
وكان الذهب فى مصر القديمة أول ثروة معدنية ساهمت فى نمو الدولة وقوتها وقد تم إستخراج حوالي ثلاثة ألاف وخمسمائة طناً من الذهب مروراً بثلاثين أسرة من أسرالفراعنة. وسنجد أن من ساهم بشكل رئيسي في إعطاء معدن الذهب هذه القيمة العالية هم آلهة العصور القديمة والملوك والنساء نجد مثلاً أن الإله رع إله الشمس فى مصر القديمة وملك الآلهة فى ذلك الوقت مصنوعاً من "الذهب" .
وفي كتاب التوراة نجد أن كلمة الذهب قد إحتلت مكانة لم تحتلها فى أى كتاب آخر .وأما المعابد منذ العصور الفينيقية واليهودية كانت مكان يتراكم فيه معدن الذهب، وضع الملوك تيجانا ذهبية مرصعة بالجواهر على رءوسهم ليزيدهم هيبة وقداسة, كما قام الكيميائيين القدماء بتحويل بعض الأحجار العادية إلى ذهب وأطلقوا عليها إسم "حجر الفلاسفة".
ومما قد يُدهشك عند سماعه بعد كل ما ذكر مسبقاً أن الذهب في البداية لم يكن ذا قيمة عالية في العصور القديمة، على عكس الأيام الحالية تماماً والتي وصلت فيها أسعار المشغولات الذهبية والسبائك الذهبية إلى أرقام قياسية على مستوى العالم ..ولازال هذا الرقم غير ثابت حيث يتأرجح بين الصعود مره والهبوط مرة أخرى.
وذلك لأن معدن الذهب كان يتعامل معه الناس في العصور القديمة كأي معدن يتم إستخراجه من باطن الأرض، ويرجع السبب في تدني القيمة الربحية للذهب بالحضارات القديمة إلى توّفر المعدن بكثرة مثل غالبية المعادن، لكنه تربع فيما بعد على عرش المعادن وتوج ملكاً عليهم بعد أن خطف أنظار الحضارات والعالم أجمع ببريقه وأناقته.
لعلك تتساءل الآن ..متى كان أول إكتشاف لمعدن الذهب؟ وعندما تبحث ستجد أن الإجابه الأكثر دقة هي أن معدن الذهب مادة عثر عليه خلال العصر الحجري أو العصر البرونزي،وهوعصر ظهور السبائك وعلم الفلزات وبداية معرفة الخلط بين المعادن، كما يرجح أيضاً أن الظهور الأول للمعدن كان بالقرب من الأنهار في منطقة آسيا الصغرى.
متى كانت بداية ظهور معدن الذهب:
بالرجوع إلى الحضارات والثقافات الأولى، في مصر القديمة وأفريقيا وروما واليونان، نجد أن معدن الذهب يدخل في الصناعات اليدوية الفنية وبالتحديد في مصر، ومما يؤكد على توافر المعدن بكثرة في مصر القديمة عبارة ذكرها خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوب سيناء ..أن أحد حكام الشرق الأدنى المعروف ب دوشراتا (أحد ملوك ميتاني) أرسل بردية قد عُثر عليها في منطقة تل العمارنة إلى الملك إخناتون (1369- 1354 قبل الميلاد ) مكتوباً فيها ( إبعث لي بكمية من الذهب لأن الذهب في بلادكم مثل التراب!) وهي مقوله موجوده وتشير إليها (البردية الذهبية)،وتعتبر هذه البردية من أقدم الخرائط الموجوده بمتحف تورينو الإيطالي ويرجع تاريخها إلى الملك سيتي الأول من الأسرة التاسعة عشرة ويعتقد أن هذه البردية كتبها الكاتب المصرى اميناخت وهي تعبر عن أن مصر غنية بمعدن الذهب وتملك منه ثروة ضخمة , ويذكر أن هذه البردية تم إعدادها وترتيبها ودراستها من جديد عام 1992، بواسطة اثنين من العلماء الأجانب.
وتشير البردية الذهبية أيضاً إلي مناجم الذهب المنتشرة بالصحراء الشرقية ، أما عن الإكتشافات الأثرية المتتابعة فهي تعكس مدى تمتع القدماء المصريين بخبرة كبيرة في مجال التنقيب عن المعادن وخاصة معدن الذهب واستخراجه من عروق صخور الكوارتز والبازلت بالإضافة إلى خبرتهم الكبيرة في مجال التصنيع واستخدام اللهب أوالنار والغاب المصنوع من الخزف وإمكانية صهره.
تاريخ معدن الذهب:
سوف أسرد لك الآن تاريخ معدن الذهب مروراً بالحضارات والأديان، وماهو السر خلف ارتفاع قيمته التسعيرية عن باقي المعادن على مر السنين:
الحضارة المصرية القديمة ومعدن الذهب
تعتبر الحضارة المصرية القديمة من أولى الحضارات التي أضفت على الذهب جاذبيته الخاصة الحالية، ولتوافر المعدن بكثرة في هذه الآونه تعلقت الحضارة المصرية القديمة بالمعدن فقد تم إدخاله من قبل المصريون القدماء في صناعات عديده منها صناعة التماثيل الأثرية صغيره كانت أوكبيره وصناعة الحلي والتوابيت وبعض الأدوات ولتزيين الملابس وصناعة الأقراط ونقشوا أيضاً بالمعدن على الجدران،ولا زالت هذه القطع الذهبية موجوده إلى وقتنا هذا بالمقابر المكتشفه والتي لم تكتشف بعد ترافق الجثامين المحنطة بالمقابر ،وبعضها موجود ومعروض بالمتاحف المصرية والمتاحف العالمية أيضاً.
إن لمعدن الذهب مكانتة الخاصة فى مصر القديمة ذلك لأن لونه و لمعانه يرمز إلي الشمس ويعبر أيضاً عن الحياة الأبدية والخلود بحسب معتقداتهم الدينية وكان يستورد الذهب من النوبة وتم استخراجه من الصحراء وقد برع صانعي المجوهرات في الورش الملكية في صناعة الحلي المزينة بالذهب والصفائح المعدنية وأضافوا لها الأحجار شبه الكريمة و قطع الزجاج الملون .
وأضاف أيضاً الدكتور عبد الرحيم ريحان خبير الآثار المصري، أن المصريين القدماء اكتشفوا حوالي مائة وخمسة وعشرون منجماً بالصحراء الشرقية ومنطقة البحر الأحمر والنوبة وكما نعلم أن النوبة تعني أرض الذهب في اللغة المصرية القديمة.
وتبين بعض الخرائط مثل الخريطة الجيولوجية المدونة على ورق البردي والموجودة بمتحف اللوفر بفرنسا، أحد مناجم الذهب بمنطقة فواخير في الصحراء الشرقية بمحافظة البحر الأحمر ,وأيضاً البردية الذهبية التي ذكرناها من قبل يعتقد البعض أن تلك البردية كانت وراء اكتشاف منجم السكري في منتصف القرن الماضي..
وأيضاً هناك إثبات ودليل آخر على ثراء مصر بالذهب حسب الموقع العالمي آرتسىhttps://www.artsy.net/
المختص ببيع وشراء واكتشاف القطع الأثرية والفنية، هو كثافة مواقع المناجم لاستخراج الذهب،التي كشفتها الخريطة الأثرية أو البردية الذهبية ،مثل منجم الفواخير وسلسلة مناجم الذهب بين الأقصر والبحرالأحمر وحوالي ألف منجم غيرهم.
سبائك الإلكتروم وهي عباره عن خلط معدن الذهب بنسبة عشرون بالمئة من معدن الفضة أو الرصاص وألوانه تختلف درجاتها من أصفر فاتح إلى أصفر لامع وقد استخدمها القدماء المصريين في صناعة التماثيل والمشغولات الفنية والذهبية وأيضاً كطلاء خارجي لقمم المسلات والأهرامات، كما ابتعدوا تماماً عن عملية تكرير الذهب وذلك لعدم حاجتهم أصلاً للمزيد من تنقية المعدن ،ومن هنا بدأ يتعلق القدماء المصريين بالذهب،فبعد استخدامه بصناعة التماثيل سرعان ما انتقل إلى كافه فنون الصناعة من المجوهرات وأدوات التزيين والملابس للرجال والنساء.
وبحسب ما ذكرأن المصريين القدماء المختصين بصناعة القطع الذهبية ،بدءوا في إبداعاتهم بصناعة القطع اللامعة في فترة ما قبل الأسر (الألفية الرابعة قبل الميلاد)، حتى قبل توصلهم إلى لغة الكتابة،وبمرورالوقت أصبح الذهب لديهم جزءاً من العبادات مما أدى إلى ارتفاع قيمته،وأصبح بلونه المائل للحمرة رمزاً للشمس أي أنه يرمز للإله رع، كما قاموا بصنع تمثال الملك رع من الذهب.
ومن هنا تنوعت وتعددت أشكال وصور الصناعات الذهبية، وقاموا بصناعة أغطية التوابيت العلوية للملوك والنبلاء من معدن الذهب، وكانت التوابيت محفوره ومرصعة بالأحجار الكريمة،وكانت تصنع التوابيت تاره من الخشب وأخرى من الحجر وتصنع لكبار رجال الدولة من الذهب أوالفضة وذلك يرجع لمعتقداتهم الدينية بأنها تعكس بركات الإله رع على أجسادهم وأرواحهم الخالدة.
أيضاً قام القدماء المصريين بتغطية وجه الجثامين المتوفاه بالأقنعة الجنائزية المصنوعة من معدن الذهب، وهي أغطية للوجه الملفوف بالكتان، وكانت تختلف خامات صناعة القناع بناءً على قيمة صاحبه ومكانته بالدولة، فاستخدام الذهب بالأقنعة اقتصرعلى الأثرياء والطبقة العليا، تلك الأقنعة بدأ تاريخ استخدامها في عصر ما قبل عصر الأسرات، وقد صنع الفراعنة من الذهب أشياء كثيرة هامة ذات قيمة عالية منها مثلاً القبة الذهبية التي وجدت ضمن آثار مقبرة الملكة حتب حرس، والدة الملك خوفو وزوجة الملك سنفرو،وأما الأقنعه فمن أشهر الأمثلة للأقنعة الذهبية هوقناع الملك الفرعوني توت عنخ آمون من الأسرة الـثامنة عشر، ويصل وزن القناع الذي يغطي وجهه داخل التابوت التاريخي، حوالي أحد عشر ألف كيلوجرام من الذهب الخالص والتابوت الموضوع فيه يصل وزنه إلى حوالى 110.5 كيلوجرامات من الذهب الخالص أيضاً!
وهناك قطع أخرى هامة ذات قيمة من حُلى الفراعنة جاءت من تانيس (صان الحجر) مثل القناع الذهبى للملك بسوسنس الأول من الأسرة الحادية والعشرين، ومجموعات عديدة من الأوانى الذهبية، وكذلك التاج الذهبى للأميرة سات حتحور يونت،وأيضاً بعض أساور الملكة حتب حرس وهي ملكة من الأسرة الرابعة، وأساور من عهد الملك جر من الأسرة الأولى كما ذكر عالم الآثار الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية.
وهناك العديد من القصص التى تتحدث عن الذهب فى مصر القديمة، منها مثلاً أن الملك سبك حتب مسئول وزارة الخزانة فى عهد الملك تحتمس الرابع،كانت مقبرته تشبه آشعة الشمس بسبب لونها الذهبى، إضافة إلى أن هناك مقابر تصور مجموعة من النوبيين يحملون الذهب إلى ملك مصر.
وبحسب المعتقدات الدينية ظل القدماء المصريين يستخدمون معدن الذهب كطريقة للتعبيرعن تعلقهم بآلهتهم وملوكهم، لكن لم تتوغل فكرة استعمال الذهب إلى الحياة اليومية، سواء على شكل عملات أومادة معدنية متداولة بين الصنّاع، بل كان الذهب علامة للقوة الروحية ,وارتبط أيضاَ معدن الذهب بالطقوس الجنائزية ويحتل الذهب فى الحضارة الفرعونية أهمية كبيرة فى الحياة الإجتماعية وطقوس الموت والبعث والحياة،.
وعلى الرغم من كثرة الآثار الذهبية الفرعونية، بين المتعلقات الشخصية بالقبور، إلا أن نسب ومعدلات استخدام القدماء المصريين لمعدن الذهب، لم تتصدر قائمة الحضارات الأكثر استخداماً للذهب،حيث قدر حجم استخدامهم لمعدن الذهب بحوالي طن من الذهب سنوياً، أما عن الحضارة الرومانية مثلاً فقد استخدموا ما يعادل ألف وربعمائة طن من الذهب خلال السنة،مما يظهر أن الحضارة الرومانية كانت مولعه بالذهب بدرجات تفوق الحضارة المصرية القديمة.
في التاسع من سبتمبر لعام 2017، أعلن خالد العنانى وزير الآثارعن اكتشاف مقبرة جديدة لصانع وتاجر المجوهرات "أمنمحات" الذى عاش فى عهد الأسرة الـثامنة عشر فى الدولة الفرعونية الحديثة، الذى دفن معه فيها زوجته "أمونحتب" و"نب نفر" ابنهما فى جبانة دراع أبو النجا بالبـر الغربى بالأقصر.
وتعتبر الأسرة الثامنة عشرة من أشهر الأسر المصرية القديمة ،لأنها تضم الكثير من ملوك الفراعنة المشهورين فى مصر وملوك الأسرة الثامنة عشرة بالترتيب هم:الملك أحمس الأول، الملك أمنحوتب الأول، الملك تحتمس الأول، الملك تحتمس الثاني، الملكة حتشبسوت، تحتمس الثالث، أمنحوتب الثاني، تحتمس الرابع، أمنحوتب الثالث، أمنحوتب الرابع/أخناتن، سمنخ كا رع، الملكة نفرتيتي، الملك توت عنخ أمون، آى، حور محب."
وتشكل الأسرة الثامنة عشرة والتاسعة عشرة والعشرون فترة الدولة المصرية الحديثة من التاريخ المصرى القديم،فقد حكم فراعنة الأسرة الثامن عشر لحوالى مائتين وخمسين عاماً (1550- 1298 قبل الميلاد) ويشير التاريخ إلى أن الأسرة الثامنة عشرة بدأت قبل بضع سنوات من التاريخ التقليدى من 1550 قبل الميلاد وقد تناوب على حكم البلاد من الأسرة خمسة عشر ملكا وملكة، بدأت مع تولى الملك أحمس الأول الحكم في الفترة 1549- 1524 قبل الميلاد، وانتهت مع نهاية حكم الملكحور محب 1319– 1292
وقد أوضح الدكتور وسيم السيسى عالم المصريات أن القدماء المصريين قد اشتهروا بتجارة الذهب والفضة، فأغلبية الملوك من الدول الأخرى كانوا يطلبون من ملوك مصر إرسال كميات من الذهب إليهم,
وأضاف أن مصر غنية بالذهب وإذا قمنا بعملية التعدين اكتشفنا كميات أكبر من الذهب الخالص ,خاصة فى الجبال الموجودة حالياً فى منطقة حلايب وشلاتين، وينتظر أهالى هذه المنطقة سقوط الأمطار حتى يشاهدون "عروق الذهب" ظاهره فى الجبال ثم يقومون باستخراجه.
وقد صرح الأستاذ بسام الشماع عالم المصريات، إن المقبرة المكتشفة فى الأقصر تعود إلى الأسرة الثامنة عشرة فى الدول الحديثة، والتى تعد من أهم الأسر التى استخدمت الذهب بشكل كبير.وتعد ضمن المقابر العائلية، التى تم رصدها من قبل الأجانب بدليل رقم كامب 390، ولكن اكتشاف ما بداخلها واستخراجه جاء بأيدي مصرية.
المصري القديم وبراعته في صناعة الذهب:
كانت بداية الطرق المستخدمة في المراحل الأولى من صناعة وتشكيل الذهب عند المصريين القدماء لم يقم المصري القديم بصناعتة إعتماداً على النار ولكن كانت عن طريق تحويل أشكال الذهب وتغييرها بواسطة المطرقة والسندان وبعض أدوات الضغط .
إستطاع القدماء المصريين إستخدام بعض الطرق والأدوات لفصل معدن الذهب الخام عن الشوائب العالقه به، ومن هذه الطرق والأدوات الصخور والحجارة والرمال،كانوا يقومون بصنع مناخل ذات ثقوب مختلفة الأحجام، وبعد ذلك يضعون في هذه المناخل الرمال والحجارة التي تحمل بين أجزائها حبيبات الذهب ، فتنزل حبيبات الذهب مع الحجارة الصغيرة والرمال في وعاء آخر،وبعد ذلك يبحثوا بين الحجارة والقطع الكبيرة التي لازالت موجوده داخل المناخل ولم تنزل بعد حتى يتأكدوا من عدم وجود قطع ذهبية كبيرة لم تنزل من الثُّقوب.
ويتم استخدام طبق مخروطٌّي يكون مصنوع إما من الخشب أوالحديد، ويضعون فيه المكوِنات التي حصلوا عليها بعد عملية الغربلة، ويقوموا بسكب الماء عليها، بعد ذلك يقوموا بعمل أرجه دائرية وذلك للتخلص من الرِمال والحصى الصغيرة حيث تطفوا إلى الأعلى وعلى الأطراف ذلك لأنها أخف وزناً من الذهب، وبذلك تنزل المعادن الثقيلة كالذهب والفضة وتتركز في المنتصف والأسفل، بعد ذلك يقوموا بغسل الجزء العلوي من هذه الشوائب ويتخلَصوا منها، ويقوموا بتكرار هذه العملية عدة مرات حتى يرتكز الذهب وحده في قاع الطَّبق المخروطي، وعندها يجمعونه ويقوموا بصهره.
وقد ذكر الدكتور خالد غريب رئيس قسم الآثار اليونانية بكلية الآثار بجامعة القاهرة أن الرسومات المحفورة على جدران المقابر وخاصة على جدران مقابر ملوك الدولة القديمة (2700– 2250 قبل الميلاد ) مثل مقبرة الملك زوسر بسقارة وأيضاً النقوش الممتدة على الطريق الصاعد لهرم خوفو, توضح هذه الرسوم والنقوش أن المصريين القدماء قد أدخلوا النار في صناعة وتشكيل معدن الذهب.
وتصور هذه الرسومات والنقوش بعض العمال وهم يقومون بصهر معدن الذهب في أوعية كبيرة من الخزف يقف حولها العديد من العبيد والعمال وهم ينفخون النار بأنابيب طويلة مصنوعة من الغاب، أطرافها من الخزف الذي لا يحترق، ثم يقومون بصب الذهب بعد صهره في قوالب ليتمكنوا من تشكيلة وصناعة الحلي والمجوهرات.. وكل هذا يدل على براعة المصري القديم في التنقيب والإستخرج والصناعة والتشكيل لمعدن الذهب هذه البراعة وثّقتها جدران المقابر.
وعن القدماء المصريين أيضاً, أكد الأثري علي أبودشيش عضو اتحاد الأثريين المصريين أنهم كانوا دائمي التنقل بين الصحارى للبحث عن الثروات والخيرات،ولذلك برعوا في استخراج الذهب ومعرفة أماكن تواجده.وأضاف أيضاً أن في عهد الملك سيتي الأول خرجت أول خريطة جيولوجية، وأقدم خريطة منجمية في العالم أجمع والتي ذكرناها من قبل، وقد اهتم الفراعنة باستخراج معدن الذهب كأحد الخامات المستخدمة في الفنون الخاصة به وبرع قدماء المصريين في تشكيل الذهب واستخراجه.
وقد سجل قدماء المصريين على جدران مقابرهم طرق مظاهر استخدام الذهب وصياغته فمثلاً في مقبرة "الملكة تى" الموجوده ب سقارة في عصر الدولة القديمة، وفى مقبرة "مريروكا" نجد رسوم ونقوش تصف عمليات وزن الذهب وحصره وتسجيله، ثم تسليمه بعد ذلك إلى العمال ورؤسائهم لصناعة وتصميم الحلى والتمائم والقلائد.وعرف أيضاً أن الفراعنة هم أول من صنعوا فرن لصهر معدن النحاس وهو من أكثر الخامات والمعادن التي استخدمها الفراعنة بعد معدن الذهب.
أشارت دراسة فرنسية نشرت بدورية التراث الثقافي )Journal of Cultural Heritage(
أنه من المحتمل أن تكون شارة أحمس الموجودة بمتحف اللوفر في فرنسا من ذهب أعيد تدويره من القطع الذهبية التي تم استردادها خلال الحملات التي قام بها الملك ضد الهكسوس ,وقد عثر فريق البحث الفرنسي المشترك بين قسم الأبحاث بمتحف اللوفر وجامعة "نانتير"،على نوع مختلف من الشوائب في معدن الذهب المصنوع منه شارة الملك أحمس والتي لم تظهر في باقي القطع التي كانت محل الدراسة، كما لم تظهر أيضاً في الأبحاث الأخرى التي أجريت على باقي القطع الذهبية وهذا يدل على براعة المصري القديم في تشكيل وصناعة وتنوع صياغة الذهب.
وقد أسفرت نتائج تحليل القطعة الذهبية للملك أحمس (الشارة الملكية ) والمنقوش عليها حروف بالهيروغليفية تشير للقمر،إلى أنها تحتوي على شوائب لم تسجل من قبل في المجموعات المصرية حيث تم إنتاجها عن طريق إعادة تدوير المجوهرات الذهبية المسترده خلال الحملات الحربية.
وقد كانت أغلب القطع الأثرية محل الدراسة والخاصة بالملك أحمس الأول وأمه الملكة "إياح حتب"، من نوعية ذهب تسمى بـ"الذهب الغريني أو شذرات الذهب "، والذي تم استعادته واستخلاصه بطرق تعدين تقليدية (غرينية ) لاستخراج معدن الذهب من الصخور والحصى.
وكانت تتم عملية الإستخراج هذه عن طريق قطع الصخرة التي تحتوي على المعدن و تفتيتها إلى قطع صغيرة، وبعد ذلك تطحن وتحول إلى مسحوق ناعم مثل البودرة وتوضع بعد ذلك على سطح مائل ومن ثم يمرر تيار من الماء فوقه حتى يمكنهم فصل ذرات معدن الذهب عن الصخور والحصى.
وكشفت الدراسة عن احتواء السبائك المصنعة بهذه الكيفية على نوعية من الشوائب ( تسمى PGE ) وتتطابق تركيبتها مع تركيبة حبيبات الذهب من مناجم الصحراء الشرقية.
حضارة الإنكا وأسطورة الذهب المفقود:
عرفت (الإنكا) وهي الإمبراطورية القديمة التي بنتها شعوب الهنود الحمر بأمريكا الجنوبية في العصر قبل الكولومبي ,معدن الذهب, وارتبط تاريخ هذه الحضاره بالصناعات الذهبية، حتى أنه يوجد أسطورة معروفة عن هذا الشعب وتسمى بأسطورة (ذهب الإنكا المفقود).
وتعني كلمة إنكا (المالك أو الإبن الأوحد للشمس) واستمرت حضارة الإنكا حوالي مائة عام وشملت أرض هذه الحضارة بوليفيا والبيرو والأكوادور وجزء من تشيلي والأرجنتين.وعرفت عاصمتهم كزكو أوكوسكو أو(مدينة الشمس المقدسة) كما أطلقوا عليها بمعابدها وقصورها العالية والتي وصل ارتفاعها إلى حوالي أحد عشر ألف قدماً فوق سطح البحر فى جبال الإنديز..وكانت اللغة الرسمية لحضارة الإنكا تعرف بإسم رونا سيمي، وهي لغة شفهيه متوارثة منطوقه فقط وليس لها حروف أي غير مكتوبه.
أما عن الأسطورة ..
قيل أن الجبال البعيدة المغطاة بالضباب في وسط الإكوادور تحمي ذهب الإنكا المفقود، حيث قيل أنه في مكان ما في أعماق سلسلة جبال “ليانجاناتيس″ يرتكز مخزون هائل من ذهب الإنكا تم إخفاؤه بعيداًعن أعين الغزاة الأسبانيين.
بدأت تلك الأسطورة في القرن السادس عشر عندما وقعت إمبراطورية الإنكا العظيمة في غرب أمريكا الجنوبية في أيدي الغزاة الإسبان ..حيث كان “أتاهوالبا” ملك الإنكا الذي أسره القائد الإسباني “فرانشيسكو بيزارو” في قصره كاجاماركا فيما يعرف اليوم بدولة البيرو، بعد أن حارب “أتاهوالبا” الإسبان مع أخيه الغير شقيق “هوسكار”.
اتفق “بيزارو” على إطلاق سراح “أتاهوالبا” ولكن مقابل مليء غرفة كاملة له من الذهب، إلا أنه خان العهد بعد ذلك فأعدم ملك الإنكا قبل تسليم آخر وأكبر جزء من الذهب .. وتقول الأسطورة أن كنز الذهب قد تم دفنه في كهف بجبل سري، وهكذا ظلت الأسطورة تتحدى الناس أن يثبتوها.
وبعد الإستمرار في البحث ,لم يهتم أحد بعد ذلك بالبحث عن الذهب ,إلى أن سافرعالم النبات الإنجليزي “ريتشارد سبروس″ في خمسينيات القرن السابع عشر،إلى الإكوادور للبحث عن شجرة “سينشونا” التي كانت جذورها تستعمل في إنتاج مادة الكينين المستخدمة في صناعة دواء للملاريا.. وعندما عاد إلى بريطانيا قال إنه اكتشف الكتاب الإرشادي لـ”فالفيردي” مع خريطة توضيحية له رسمها رجل يُدعَى “أتانازيو جوزمان”.
وببقاء بعض القطع الأثرية التي تعبرعن ثقافة هذه الحضارة القديمة سيظل أثر (ثقافة الإنكا) باقي ويظهر أيضاً مدى تعلقهم بالذهب في عباداتهم، وقد عثر على أقنعة وجوه والتي تخرج من الأجزاء العليا لها أشعة للشمس مجعدة.ويعبر القناع عن إله الشمس "إنتي" عند الإنكا، والموجود ومعروض في الوقت الحالي بالمتحف الوطني بالعاصمة الإكوادورية كيتو، وبذلك تعتبر شعوب الإنكا من ضمن أقدم الحضارات التي اهتمت بمعدن الذهب وأدخلته في طقوسهم ومعتقادتهم الدينية وصناعة أدوات الزينة والحلي.
وأيضاً كان من إهتمامات حضارة الإنكا بناء المعابد لعبادة آلهتهم (الشمس)وكانت تمتليء المعابد بالذهب ،ومن بين أبرز معابدهم المليئة بالذهب، معبد الشمس "كوريكانشا" في كوزكو أو كوسكو عاصمة الإمبراطورية، ويحتوي على تماثيل ذهبية متنوعة تعبرعن الطبيعة، وعمل الإنكا في صناعة المجوهرات والأقنعة ليرتدوها من معدن الذهب،وذلك أثناء أداء طقوسهم الدينية.
(إهدار الذهب) والعصر الروماني:
لم يهتم الرومانيين بالصناعات الذهبية أوبالفنون الذهبية، بل قاموا بإدخال الذهب في صناعة الإكسسوارات والتماثيل وأهدروا المعدن دون استخدامه وصناعته بطريقة تظل إرثاً وأثراً للإمبراطورية الرومانية.
وكانت النساء تتجمل بالأقراط والحلي الذهبية بشكل يومي، فقد قاموا باستهلاك كميات كبيره من الذهب تعادل أطناناً لسنوات عديده ولكن دون فائده، حتى بدأ السكندريين في إدخال معدن الذهب بالصناعات الزجاجية لأغراض جمالية.
حيث رجع الفضل لصنّاع الزجاج في الإسكندرية إلى ترك بعض الأثر روماني بعيداً عن صك العملات وأدوات الزينة الرومانية، وحدث ذلك وقت سيطرة الإمبراطورية الرومانية على مدينة الإسكندرية، حيث قاموا بوضع شرائح ذهبية بين الزجاج، وعرف هذا الفن بإسم ساندوتش الزجاج الذهبي وهو شكل فاخر من الزجاج حيث يتم دمج تصميم زخرفي من أوراق الذهب بين طبقتين من الزجاج.
معدن الذهب وأهميته في الكنيسة الغربية:
لقد ارتبط معدن الذهب بالفن الغربي المسيحي،وخاصة في العصور الوسطى،وظهر معدن الذهب ببريقه الجذاب من خلال لوحات فنية مطعمة بالذهب تعبرعن الرموز والشخصيات الدينية المسيحية حيث ارتبط استخدام المعدن لديهم آن ذاك بالرموز الدينية.
وفي ذلك الوقت زين المسيحيون الكنائس بالذهب،وأدخلوه في صناعة الصلبان والشمعدان والكؤوس وصناعة تابوت العهد أيضاً،وهو ما يظهر في محتويات كنيسة القيامة بالقدس،والكنائس الأخرى أيضاً على مستوى العالم.ويرجع إيمان المسيحيين بأهمية استخدام الذهب إلى العهد الجديد، حينما جاء ثلاثة رجال عُرفوا بالمجوس للإحتفال بميلاد الطفل يسوع، داخل مزود في بيت لحم،جالبين ذهباً ومُراً،لذا يشير الذهب لديهم للفرح.
وقد ذكر في سفرالرؤيا،الذي كتبه الرسول يوحنا،(كان 24 شيخاً يرتدون أكاليل من ذهب،كما رأى وسجل يوحنا بالسفر في الإنجيل المقدس،فكتب«وحول العرش أربعة وعشرون عرشاً ورأيت على العروش أربعة وعشرين شيخان جالسين متسربلين بثياب بيض وعلى رؤوسهم أكاليل من ذهب).ونجد في هذه الكلمات إشارة لقيمة الذهب وارتباطه بالقديسين والرموز الدينية،وأصبحت تصميم الهالة الذهبية يلازم رؤوس القديسين بالأيقونات وقباب الكنائس.ومن أشهر اللوحات التي تم دمجها وتزينها بالذهب، لوحة الفنان دوتيو دي بونينسينا ،وتبرز صورة السيدة العذراء بمنتصف اللوحة وتحمل المسيح الطفل بين ذراعيها ويحيطها جماعة من الرجال والنساء.
ودخل معدن الذهب أيضاً في صناعة الفسيفساء بالكنائس(وهو فن عباره عن مربعات صغيرة من الحجر أوالرخام تركب بجانب بعضها البعض لتكون في النهاية لوحة فنية)،وتزين قباب الكنائس بفسيفساء الذهب وأفضل مثال يعكس الفسيفساء الذهبي، جدران وأسقف كنيسة زينو في سانتا براسيدي بروما،والتي تأسست في القرن الثاني عشر. واستمر إدخال معدن الذهب في الكنائس حتى عصر النهضة المُبكر.
وانتقلت بعد ذلك أيضاً هذه الفكرة الفنية إلى الكنيسة الأرثوذكسية في مصر ولا يزال إدخال اللون الذهبي على النقوش والهالات الذهبية حول رؤوس القديسين أمر معتاد عليه, فقد أشبه الطلاء الذهبي بالكنائس المصرية لمثيله الحقيقي المستخدم بالفنون المسيحية بالكنائس الغربية.
وبدافع ارتباط الدين بالحكم ذلك الوقت وتمركزه في أوروبا ،تأثر الملوك بمعدن الذهب وأدخلوه في صناعة الملابس،وكان من أول من ارتدى الثوب الذهبي هي الملكة مارجريت الثانية ملكة الدنمارك،وسرعان ما توالى ارتباط الذهب بالملابس بعد ذلك.
توالت الحضارات وتوطدت صلتها بالذهب تدريجياً،من الثراء والخلود للجمال، وتتبع الحضارات السابقة الحضارة الإسلامية واليابانية.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات