قصة قصيرة تحكي عن شخص قرر أن يتصل بداخله بعدما انقطع الاتصال بالعالم الخارجي نتيجة لجائحة فايروس كورونا.
"ابتَعد عن مّن تكرَه، لا تّجامل كذبًا، وَلا تٌوافق خجَلًا، لم يمنَحك الله هَذه النَّفس لتعذّبها"
محمد متولي الشعراوي
في صباح يوم الجمعة قمت بشكل لا إرادي وكالمعتاد بتشغيل الكمبيوتر المحمول حتى أبدا العمل، ولكن تذكرت أنّ اليوم إجازة وأنّ ظروف منع التجوال والحظر المنزلي جعلت التفريق بين الأيام أمر صعب. وفي تلك الأثناء، قمت بفتح ملف خاص بصوري التي كنت أحب جمعها على الجهاز حتى لا تضيع.
كنت أنظر إلى صوري في مراحل مختلفة من حياتي. حقًا كان شعور غريب ينتابني؛ لأنني كنت أشعر أن ذلك الشخص الموجود في تلك الصور لم يعد يمثلني. وهذا الأمر جعلني أُحدد العلاقة السادسة التي يجب عليَّ مراجعتها. وهي علاقتي بنفسي.
كيف للشخص أن يوطد العلاقة مع نفسه؟
أليس من المفروض أن يكون التقييم من شخص آخر يستطيع رؤية هذه النفس من خارجها ويكون تقييمه لها بدون تحيز؟
ولكن مهلًا، من هذا الشخص الذي يعرفني أكثر من نفسي لدرجة تجعله جديرًا بتقييمي؟
لا يوجد إلا شخص واحد وهو أنا.
لا أحد يعرفني كما أعرف نفسي؟ وتذكرت قول الله تعالى:
((بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ))
احترت في طريقة تقييمي لنفسي محاولًا أن أكون محايدًا ومستقلًا عنها، ووصلت إلى أنّ أفضل وسيلة لتقييم نفسي هي أن أطرح أسئلة واضحة ومُحددة ويمُكن الإلمام بجوانب الإجابة عليها من كُل وجه. وعزمت أمري على استخدام هذه الطريقة حتى أستطيع تقييم طبيعة علاقتي بنفسي ومعرفة مكامن الخلل فيها والبدء في تصويبها. وأحضرت كراسة يومياتي وبدأت بكتابة الأسئلة.
السؤال الأول: لماذا أخفقت في علاقات كثيرة في حياتي؟
فعلا كان هذا الأمر الذي يجول في خاطري ولكني لم أملك الجرأة الكافية لسؤال نفسي هذا السؤال بشكل مباشر. هل السبب خوفي من الإجابة أو خجلي منها؟ الصراحة لا أعلم ولكن ما أعلمه أنه يتوجب عليّ الآن الإجابة على هذا السؤال حتى أتمكن من قياس ذلك والاستفادة منه في تقييم علاقتي بنفسي، وتلافي أخطائي السابقة.
أظن أن السبب هو رفضي لفكرة الإخفاق وعدم تقبله. وأعتقد أن الخلل يكمن هنا، فنحن بشر ولسنا ملائكة، والخطأ وعدم التوفيق في بعض الأمور هو سنّة من سنن الحياة. وتذكرت الحديث النبوي الشريف الذي قال فيه المصطفى عليه وعلى آله الصلاة والسلام:
"لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين"
وبالتالي ليست المشكلة في الخطأ ولكن المشكلة من تكرار ذات الخطأ. يجب علي٘ أن أُقر بأنني أخطأت وأسأت التصرف مرات عدة ولكن بسبب تلك الأخطاء أصبحت أعرف ما هو الصواب. نعم يجب عليّ أن لا أقسو على نفسي، وأن لا أجلد ذاتي، وأن أتقبل الأخطاء التي أرتكبها وأن أحاول جاهدًا عدم تكرار تلك الأخطاء، وأن أتعلم من الدروس المستفادة منها. ويجب عليَّ أن أتريث في تقييم الأشخاص، وأن أخضعهم لعدة اختبارات حتى يتسنَّى ليّ الحكم عليهم بشكل دقيق.
السؤال الثاني: هل يوجد شيء يجب علي٘ تغييره؟
ربما من الأمور التي يجب علي٘ تغيرها في أقرب فرصة هو نظامي اليومي. وأقصد بذلك الاهتمام بمختلف الجوانب الحياتية في يومي؛ لأنني أدركت في فترة العزلة أني أهتم كثيرًا بالجانب العملي وأهمل الجانب الترفيهي والاجتماعي والروحي لدي. وهذا الشيء يؤثر بشكل مباشر على صحتي النفسية والجسدية. فأنا لا أنام جيدًا بسبب كثرة التفكير وشرب المنبهات طوال الوقت. ولا أمارس أي نوع من أنواع الرياضة. ناهيك عن حبي للمأكولات السريعة والحلويات الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية. فعلًا يجب أن أضع نظام غذائي وألتزم به وممارسة الرياضة بشكل يومي وإلا ستكون بعض الأمراض المزمنة رفيقة لي خلال أعوامي القادمة.
السؤال الثالث: هل أنا راضي وسعيد؟
قد يكون هذا السؤال هو من أهم الأسئلة التي طرحتها على نفسي، والتفكير فيه يجعلني أرغب في مراجعة وتقييم أهم علاقة في جميع العلاقات التي يمكن لأي إنسان التفكير فيها. علاقة إن صلُحت، صَلُحت باقي العلاقات وإن فسدت فعلى الدنيا السلام. وهي العلاقة التي ستكون العلاقة السابعة والأخيرة التي سأقوم بمراجعتها خلال فترة العزلة هذه.
رابط تحميل القصة مجانًا من #متجر_أداة_الالكتروني :
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات