هناك من يحكم على البعض بالمظاهر فقط قلة من يقرأ لغة القلوب ويعرف مدى نقائها ففى هذه القصة لنا عبره

فى يوم قارس البرودة باكر صادفنى فى آحدى إشارات مصر المحروسة رجلُ فقير يرتدى جلباب ثقيل متلفح بعمامه بيضاء وعلى كتفيه ينسدل شال ثقيل يغطى عنقه وكتفيه عابراً الطريق ممسكاً فى آحدى يديه سلسله صغيره وفى نهايتها كلب أبيض صغير مدلل ،

يمشى الفقير فى ثبات وخلفه كلب لولو أو كما يسموه البعض شيواوا ( كلب الذوات )، لفت انتباهى هذا المنظر العجيب، رجل فقير الحال ومعه كلب صغير غالى الثمن لا يمتلكه سوى أثرياء القوم خاصة السيدات ، فكيف لهذا الرجل ذو الملامح الصعيدية الحادة أن يمتلك مثل هذا الكائن الصغير ذات الفراء الأبيض الطويل ولديه طوق لامع حول رقبته وشريطتان حمر ستان يضمان خصلتان من شعره الأبيض الجميل، حقاً أنه منظر غريب يدعوا للمراقبه .


فضولى دفعنى لتوقف قليلاً فى الطريق لمشاهدة هذا الرجل عابراً الطريق مصطحباً كلبه المدلل ، فمر أمامى ثابتاً ودلف داخل حانوت صغير يسأل صاحبه عن طعام يسد به جوع هذا الصغير الجميل . تعجب صاحب الحانوت من سؤال هذا الفقير لكنه على الفور دخل حانوته واعطى الرجل ما طلب ومعه وعاء صغير ليأكل فيه ، مد الرجل ليخرج المال من جيب الجلباب الممزق لصاحب الحانوت ،فقال له الأخير

- الحساب وصل يابلدينا.


قال بلهجة صعيدية أصيلة " معايا قرشنات كتيره، متخافيش " فأوقفه صاحب الحانوت وأشار لكلبه الصغير

- دى هدية من المحل .. هو اسمه أيه؟

- تصدق مسمتوشى ، هو أنت اسمك ايه؟


فضحك صاحب المحل من سؤاله وقال له " أصحابى بينادونى بديدو "

مسك الصعيد ذقنه للحظات قصيره واستطرد كلامه موجهاً أياه لكلبه " خلاص اسمك عاد بقى ديدو"

- ألا قولى يابلدينا الكلب ده بتاعك؟

- بقى صاحبى ورفيق عمرى ، أنا ديدو دهوا لقيته فى الشارع بليل من يومين عمال يهوهو المسكين ولاحد دارى بيه أخدته عندى فى عشيتى وكان الجو ساقع قوى ، ولعت خشب أدفى بيه انا وهو وتانى يوم قعدت اعس حوالين المكان اللى لاقيته فيه عن أصحابه لانه واضح أنه كلب مش واخد على البهدلة أى والله، قلبت الدنيا على اصحابه سألت بوابين العمارات اللى فى المنطقة ولاحد يعرفه ، فصعب عليا ،اخدته يعيش معايا فى عيشتى وبقينا أصحاب.


- إذا حبيت تبعيه أنا عندى مشترى ليه ؟


- ابيعه ازاى يااخينا ؟ ده بقى صاحبى ؟ ابيع صاحبى ؟ أما عجايب ، خلاص ياديدو متزعلش والله لانا مغير اسمك من ديدو لميدو قال ديدو قال .


وابتعد الرجل الصعيدى يضم لجسده الكبير الكلب محتمياً داخل جلبابه المرقع، ممتعضاً من طلب صاحب المحل ديدوا تاركاً ورائه الأكل والوعاء الذى اهداه له والأخير ينظر له فى استغراب من فعلته.

دون وعى منى لحقت بهذا الرجل منادياً عليه بصوت عال حتى يسمعنى فى ظل صخب المدينة التى تعج بالناس خاصاً فى فترة الصباح قائلاً :

- يابلدينا ممكن كلمه.


توقف الرجل وخرج ميدو من جلبابه متجهاً ناحيتى مكشراً عن أنيابه الصغيرة ينبح اتجاهى ظناً منه أنى امثل تهديداً لصاحبه.

هدئه الأخير وامسكه بين راحته حتى يهدأ كأنه طفل صغير وبالفعل استجاب ولم يعد يصدر صوتاً وصار لطيفاً وودوداً


- معلش ياافندى أصل ميدو ، ميعرفكش فخاف منيك بس هو خلاص عرفك ومش هيعاود يعوى تانى صح ياميدو؟ قال كلامه موجهاً لكلبه الصغير الذى كان يبادله النظرات كأنه ينصت لكلامته جيداً ويفهمها .

- يابلدينا تسمح تاخد منى المبلغ ده ؟


قبل أن اخرج المال من جيبى قاطعنى الرجل بحزم قائلاً :

- يابيه أنا مش شحات أنا بشتغل يمكن هيئتى فى البس مش ولابد بس أنا الحمدالله معايا قرشنات تكفينى اعيش مستور أنا وصديقى ميدو.

- طيب تسمح لى أنك تاخد الاكل ده والطبق كمان لميدو.


نظر الرجل لى فى حيره أيقبل به أم لا والأهم كيف عرف مدى احتياجه ليطعم هذا الصغير الذى صار جزءاً من حياته لا يتخيل عيشته دونه.

- ارجوك مترفضتش طلبى!


- ياابوى ..ده كتير قوى ، واكيد ده كلفك مبلغ كتير قوى وأنا معيش فلوسات تكفى الحاجة دى.

- ادعيلى يا .. هو اسمك ايه ؟

- صميده سويلم القناوى

- عاشت الاسامى ياصميده .


تبسم صميده وبعد الحاح شديد منى أن يقبل هديتى دامت أكثر من نصف ساعة استجاب لطلبى على أن يردها فى وقت قريب جداً ،فابتسمت من إصراره العجيب والأهم وفاءه لكلبه ميدو والبقاء عليه رغم الظروف.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات يلا نكتب مع مى عصمت

تدوينات ذات صلة