تخلت دنيا ذات الخمس وأربعون عاماً عن حلمها وطموحها لأجل تلبية طلبات أبنائها وزوجها

توجهت دنيا ذات خمس وأربعون عاماً إلى المطبخ كعادتها كل صباح ، فى تمام الساعة السادسة صباحاً، تعد وجبة الإفطار لاسرتها المكونة من ثلاث أبناء وزوجها أدهم.أشعلت نيران الموقد ووضعت عليه غلاية المياة والآخرى وضعت عليه اللبن حتى يسخن لأن زوجها يحب أن يتناول فطوره مع كوب الشاى بلبن ساخن متصفحاً جريدة الصباح . أما فلذات أكبادها يحبون تناول البيض نصف مسلوق بعكس زوجها الذى يحب تناوله عيون بزبده بلدى ، لانه لا يستطعم الزبده الأفرنجى.

أحضرت الأم الطعام وبدأت توقظ من فى البيت لتناول الطعام ساخن وذهاب زوجها لعمله والأولاد لمدراسهم ، بصعوبة بالغة أستفاق الأولاد وارتدوا ملابسهم على عجاله ، يلمون أمهم أنها لم تحاول إيقاظهم قبل السابعة كما طلبوا منها ، متجهين نحو باب البيت


- طيب والأكل ياولاد عملت ليكم البيض اللى بتحبوه . قالتها الأم محاولة منها أن تثنيهم عن الخروج بدون طعام


لم يلتفت لها الأولاد متجاهلين صيحات أمهم حتى لم يلقوا عليها التحية . نظرت الأم للطعام بحسره وبغضب شديد ألقت الطعام الذى تعبت فى إحضاره فى سلة المهملات، والدموع تملئ مقلتيها من تصرفات أولادها الجاحدة.


قطع صوت زوجها الحبيب حالة الحزن التى اصابتها بصرخة منه ناهياً أياها عن إلقاء النعمة فى القمامة وأنه يشقى من أجل أن يحيوا عيشة كريمة وهى لا تشعر به وأنها غير مسؤلة وكلمات كرصاص أوجعتها غير مبال بدموعها وبالطريقة التى عاملها الأولاد بها .

لم تنطق دنيا وترد على كلمات زوجها الجارحة بل ظلت تنظر له شارده فى حياتها التى أفنتها فى تربية الأولاد والاهتمام بزوجها الذى يتهمها بالإهمال وعدم المسؤولية وتخلت عن أحلامها ووظيفتها من أجل تربية الأبناء.

هزها زوجها بيده حتى تعيره اهتماماً ليستكمل صراخه قائلاً بعصبية

" ياهانم ، حتى أبسط حاجة طلبتها منك تسخنى اللبن معرفتيش تعمليها صح "


وظل يصرخ فى وجهها ودنيا تنظر له محدثة نفسها .

- أنا مخطئة فعلاً فى التفريط فى أحلامى والاهتمام بأسرتى ومشاكلهم والغوص فيها ونسيان نفسى


ظلت كالتمثال تسمع وعيناها تملئها الغيظ من كلمات زوجها الجارحة عاصرة يديها فى عصبية محاولة أن تسيطر على غضبها فى ردها على زوجها


- " أنا آسفة " قالتها وعينيها تملئها الدموع


لم يهتم أدهم باعتذارها ولا بعبراتها قائلاً بشئ من اللامبالاة

" وحيعمل إيه الاعتذار، وأنا نازل من غير فطار "

قالها متجهاً إلى باب البيت ، مستعداً للنزول يسب ويلعن لانه تأخر على عمله ولم يتناول إفطاره والسبب إهمال زوجته

ظلت دنيا شارده نحو باب بيتها ، لم تنتبه لدقات تليفونها ، وفى عينيها آلاف الكلمات لم تنطق بهم لشريك حياتها الذى أغلق الباب فى وجهها ، ولم يعر لمشاعرها انتباهاً.

ظلت دقات التليفون متلاحقة ودنيا فى عالم آخر ، قطع شرودها الرياح التى فتحت نوافذ البيت حتى طارت الستائر فى كل أركان البيت ومن قوتها كسرت صوره زفافها فى ركن البيت المتواجد مع التحف المنسية. انتبهت لصورة زفافها التى خرب إطارها من فعل الرياح ، حاولت أن تلملم إشلاء ماتبقى من الصورة فجرحت يدها دون أن تشعر.

التفتت دنيا لتليفونها الذى طال دقاته دون رد ، لكن المتصل لم يفقد الأمل وظل متمسكاً بقراره فى الاتصال ، فأجابت دنيا بدموعها على المتصل

- نادية ، أنا تعبانه جداً ..

- آلو دنيا


لم ترد دنيا على إجابات آختها الصغرى فى الهاتف مما أوجسها خيفة ، فقررت أن تذهب لملاقاتها فى البيت حتى تطمئن عليها.

لم تلمس الأخت الصغرى باب شقة دنيا لتدق عليه بأناملها وسرعان ما انفتح الباب، وخرجت منه أختها ومعها حقيبة صغيرة ناظرة إلى بيتها نظرة طويله تودعه ،وأغلقت الباب ورائها وفى عينيها دمعة على فراقها لذكرياتها.

تفاجأت من رؤية أختها عند عتبة الباب وارتمت فى حضنها فللاطالما احتاجت لهذا الحضن ولم تجده من أقرب المقربين لها.

حاولت الأخت جاهده أن تفهم سر بكاء أختها ، لكن دنيا لم تجيبها سوى بخطوات ثابتة نحو سلم البيت للخروج وكأن هذه الإجابة التى تريد سماعها.

- تفتكرى الرحيل هو الحل يادنيا ، تهربى من مشاكلك ولا توجهيها . قالتها لنفسها حاملة حقيبتها متجه لبيت العائلة بخطوات ثابتة دون الرجوع فيه

حاولت الأخت طوال الطريق معرفة سر هذا القرار المفاجئ ، فالأخيرة كانت رافضة أن تبتعد عن مسكن الزوجية لبضعة أيام ، لأن أبنائها لا يستطيعون العيش بدونها وكذلك شريك حياتها الذى لا يستطيع الاستغناء عنها فهى أم أولاده وحبيبته قبل كل شئ ، كل هذا تبدل وصار أولادها كبار قادرين على القيام بكل الأعمال المنزلية ، لكنها أفرطت فى تدليل صغيريها ولم تقدر أنهم صاروا كبار مسؤلين عن اختيارتهم ، أما زوج الذى يراها الحبيبة فى الماضى الآن أصبحت زوجة عديمة المسؤلية لا تقدر مايفعله من أجلهم، لذا القرار المناسب كان البعد. كل هذه الأفكار كانت تطارد دنيا فى رأسها حتى وصلت لبيت العائلة التى لم تدخله طوال خمس سنوات كاملة لاهتمامها ببيتها، ناسية نفسها وأهلها .

- نورتى بيتك يادودون. قالتها نادية بصوت مبتسم


أدلفت دنيا البيت الذى تغير أثاثه وحوائطه وأرضيته لكن رائحته وذكريات الذى يضمه جدران هذا البيت مازالت محفورة فى كل ركن من أركانه. ظلت دنيا تنظر للبيت بتمعن وكأنها تحتضن كل شبر فيه بنظراتها التى تخللها بعض العبرات.

- يلا بينا نفطر أنا وانتى زى زمان فى التراس . قالتها وهى ممسكة بيد أختها

تبدلت دموع دنيا بضحكات من القلب طوال جلستها فى التراس مع أختها ، تذكرت والدتها رحمها الله محذرة دنيا من اللعب أمام باب البيت لكنها لم تعر لكلام أمها بالاً فما كان من الأم أن تعاقبها وتحرمها من اللعب . ليترحما الأختين على أمهما لتمسك الأخت الصغرى يد أختها الكبرى.


- ياااه وحشتنى ضحكتك ، أوعى تخبيها تانى.


وعدتها الأخيرة أنها بعد اليوم لن تعير للحزن بالاً.

فى وقت الظهيرة ظل تليفونها يدق من أبنائها ، والأم لا ترد وهذا على غير عادتها . قلق الأبناء على أمهم وحدثا والدهم عسى يعلم شئ عن مكانها، فالأخير تفاجأ من خروجها دون علمه. كلمها لم ترد ، ارسل لها العديد من الرسالات ولم تجيبه . بدأ القلق يسيطر عليه فأم العيال لم تخرج بدونه منذ سنوات فأين ذهبت ؟ هل حدث لها مكروه لا قدر الله؟

ترك الأب العمل قلقاً على زوجته التى اختفت دون إنذار، محاولاً التواصل معها لعلها ترد. اتصل الأخير بأخت زوجته التى لم يحدثها منذ سنوات بعدما انفصلت نادية عن زوجها وعاشت بمفردها فى بيت العائلة برغم رفض العائلة وأولهم أدهم الذى لم يعجبه تصرفاتها وطلب منها أن تعيش معهم لكنها رفضت وأصرت أن تستقل بحياتها.

تواصل معها على مضض، فأجابت نادية بصوت بشوش

- أهلاً عمو أدهم ، أخبار حضرتك ايه؟


لم يعر لترحابها باتصاله بالاً ورد عليها بجفاء

- هى دنيا عندك؟

- فى التراس ، تحب تكلمها ياعم .... انقطع الاتصال من جانبه ، وأدركت بردها على زوج أختهاأنها اشعلت الخلافات بينهما أكثر فجائتها أختها الكبرى تطمئنها أنها لم تفعل شيئاً وأنها سمعت دقات تليفونها من أبنائها ومن زوجها وتعمدت ألا ترد عليهم وأنها تنتظر مجيئه .


أغلق أدهم الهاتف غاضباً من تصرفات زوجته الغير مسؤل وتركها لبيته دون إخباره و توعد لها وأن هذا التصرف لن يمر مرور الكرام

طرق الأخير الباب بعصبية حتى فتحت له نادية بخطوات سريعة مرحبة به محاولة منها أن تكسر حالة التوتر الموجوده فى المكان ومن وراء ظهر الأخيرة قالت دنيا قبل أن يتكلم زوجها

- اتأخرت قووى يا ادهم .. قالتها بثبات وصمود


قالتها ناهية الحوار بينها وبين زوجها،فانصرف زوجها غاضباً، بينما ظلت تنظر نادية لأختها دنيا بإعجاب شديد وكأنها ولدت من جديد


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات يلا نكتب مع مى عصمت

تدوينات ذات صلة