خنفساء صغيرة تروي لنا بعض المواقف في حياتها العادية تماماً..

حدثتني صديقتي الخنفساء أن و بعد رحلة طويلة قد استقرت – لو بضع أيام- علي أوراق تلك الشجرة الزاهية ؛ فهي مناسبة تماماً لتحضن حجمها الضيئل و تمدها بالطعام و الظل.

حدثتني صديقتي الخنفساء أنها سارت لتلك الشجرة رغم ضئلتها بخطوات ثابتة واضعة هدفها نصب عينها. لم يكن الطريق سهلاً بل قابلت تعرجات و إلتواءات الشارع و أقدام المارة الذين لا ينظرون أين يضعون أقدامهم و غبار و رياح مفاجئة و في أوقات عدة أصابها الذعر من أصوات لا تعرف مصدرها تَمُر بجانب الطريق غير أحد أعدائها الذي يبحث عن شيء يملئ به معدته بعد يوم طويل إلا أنها وصلت إلي شجرتها.

شكرتني صديقتي الخنفساء علي التقاطي لها صورةً تذكاريه فهي لا تهتم كثيراً بالصور و التذكارات. إنها تعيش اللحظة كأنها الأولي و الأخيرة و تنغمس فيها فتنسي أنها قد تكون الأخيرة.

شكرتني مرة ثانية علي الاهتمام بها في المقام الأول ، حدثتني أن خنفساء سوداء مثلها لا يكترث أحد لأمرها سوي للصراخ في وجهها و اللحاق بها لقتلها. فهي ليست كأبناء خالتها الفاتنين ذو اللوني الأحمر و الأسود الذين يكن فأل حسن حين يراهم الناس. و إن جلست أحداهن علي كف فتاة ستفرح بها رغم خوفها الشديد من الحشرات لأنها محظوظة في تلك اللحظة بل سيفرح أصدقائها لذلك. و في واقع ، عندما يبحث أحدهم عن الطعام لا يفكر في كون الأخري فاتنة أو كونها سوداء عادية. تصبح كلتاهما في خطراً و ذعر، تبحثن عن مخبأ ربما كف إحداهن أو كتفها و لا تجد هي سوي حتفها معاذ الله.

حدثتني صديقتي الخنقساء أنها رغم ضئلتها اليوم ستكبر و سينبت لها جناحين تحلق بهما متي شاءت و أين ما شاءت. أكدت لي إن اهتمامها بغذائها اليوم سيكون تحليقها أكيد، فالمهم أن تؤمن بحلمك و سيؤمن بك علي الفور. بجناحيها ستصبح أقوي و أمهر من ذي قبل حتي و إن صادفتها يد الفتيات الفزيعات لن تستطعن إهلاكها. مسألة بسيطة، إن التغير الذي يحدث من الداخل لا من المحيط الخارجي كفيل لينجيها. حتي و إن بات كل شيء كما هو؛ ستمضي هي في الحياة و تجلب الحياة لخنفسات أخري مثلها.

حمدت صديقتي الخنفساء الله أنها قد قابلت أحد مثلي محباً لشكلها العادي. فهي دائماً ما تسمع القصص من أمها و عائلتها بأن خنفساء سوداء مثلها ليس لها مكان في هذا العالم و لا في قلب البشر. أخبروها أن أفضل ما يمكن فعله هو أن تهتم بمنزلها و قوت يومها و ألا تأمل في أكثر من ذلك ، فهذا سيضمن لها العيش في أمان. فإن خاطرت مثل أولئك المجانين من أقاربها ، فستلقي حتفها أو ستنجو بأعجوبة إن لم يتضرر أحد أجنحتها أو قدميها. فهي لا توجد في قصة واحدة إلا و كانت سوداء عادية مضرة مخيفة للبعض. لم يخبرها أحد من قبل أن لونها الأسود الداكن اللامع يتماشي تماماً مع الأخضر الزاهي و أنها تحفة من آيات الله. لم يروي أحد أنها تمتلك مثل أبناء خالتها نفس الموصفات و القدرات و أنها تفعل ما يفعلون من معيشة و سُبل البقاء علي قيد الحياة، بل أنهم جميعهم يمرون بنفس التجارب إلا أن الفرق فرق اللون و حكايات الجدات الأسطورية. اطمئنت لكونها موجودة، لها صورةً تذكاريه مستقلة تعكس جمالها و قدراتها و براعتها ، تقول و بكل شجاعة : أنا الخنفساء السوداء العادية.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات فاطمة طارق

تدوينات ذات صلة