ماذا و إن جاء يوم و هتزت فيه قناعاتك و حياتك في لحظة؟ حمامة صغيرة قادرة علي إعادة ترتيب أولوياتك

يعرض زوسكند في كتابة الحمامة بصورة غير مألوفة، فعادةٍ ما تشير الحمامة إلي السلام إلا أنه يعرضها من منظور جوناثان المنغمس في روتينة اليومي لمدة ثلاثون عاماً ، فتظهر الحمامة رمزاً للفوضي و القهر الذي وقع عليه. حركتها و رفرفتها في جميع الاتجاهات لا تتوافق مع حياة جوناثان التي تسير برتابة الغير مكتظة بالأشخاص و التفاصيل. إن ظهورها الغير متوقع كان بمثابة تهديد صريحاً له ، فجوناثان حارس البنك ثقيل الظل في مواجه طائراً لا يستطيع حتي التصويب بمسدسه نحوه ، فكانت النتيجة حاسمة. إن الموقف الغير متوقع أدي الي انهيار كل ما عاني للحصول عليه خلال الثلاثين عاماً في ثواناً فقط. فكل الأشياء التي تحملها الغير مبررة و لامنطقية باتت تشكل عاتقاً علي روحه. فاصبح في الجانب الآخر من قصته التي يهرب جوناثان من قراءتها. و يظهر الشحاذ الذي يبغضه و يحسده في الوقت ذاته؛ فشبح الشحاذ الذي يطارده جعلته يبحث عن الضمانات حتي و إن كانت دون المستوي؛ فأصبح يعيش في سجنه الصغير بنفس راضية. إن الحياة الخالية من الرتابة و تكبل العناء التي يعيشها الشحاذ دون تكلف، حياة لا تضمن أي شيء سوي الحفاظ علي الروح من الموت هي التي يحسدها جوناثان طوال الثلاثين عاماً حتي اقتحمته. فاصبحا متساويان، دون مأوي ، دون ضمانات. فتناول جوناثان عشاءه الأخير كتلك للشحاذ في الغرفه التي استقلها مودعاً حماقات يومه و لا يأمل بصباح جديد. فبات جوناثان الطفل العالق وحيداً في قبو منزل العائلة في الحرب أن يأتي أحدهم لينقذه من مأزقه ؛ تعاسته التي اختارها طوال تلك الأعوام. لم يكن ليدرك ذلك لولا ظهور الحمامة. كان يترجم تعاسته علي أنها الضمان لحياة مثالية فالزيف المُجمل شَيع حياته قبل ابتدائها. فباتت الحمامة انعكاس لحياته " ملأته رعبا، هو يتأملها، ويتأمل موضعها: علي جانب الرأس بدون رموش أو حواجب...عارية تماماً، موجهة نحوه بلا أي اهتزازة خجل أو خوف، ومفتوحة علي اتساعها. إلا أنه لمح فيها شيئاً من العزلة و الانكسار..! و بدت له كأنها لا مفتوحة و لا مقفولة..كانت بكل بساطة تبدو خالية من الحياة، أشبه بعدسة التصوير، التي تبتلع الضوء أي توهج ، لا يصدر عنها أي شعاع، حتي و لو كان خافتاً...ليس بها أي إشارة عابرة إلي أي شيء حي: كانت عيناً بدون نظرة حية...و كانت تحدق فيه" و في اللحظة التي وصل جوناثان الطفل ليواجه تلك الفزاعة، كانت قد رحلت ليعيد هو اكتشاف حياته التي تناسهها و شخصيته التي طمست طوال تلك الأعوام.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات فاطمة طارق

تدوينات ذات صلة