ما الذي يُخبئهُ لنا الفكر الغربي؟ وماذا عن العادات الدخيلة؟
في أحد غرف كلب هوس، كان هناك مجموعة من المغتربين في البلدان الغربية يتناقشون عن هوية الأطفال وكيف يجمع الأطفال بين انتمائين مختلفين ..
أحد الأشخاص بدأ بفكرة مختلفة عن موضوع النقاش، قائلًا أنه Global citizen ثم علق بعنف -نوعًا- باتجاه الآباء الذين يتحدثون عن الموضوع، العنف المضمر كان باتجاه الحديث أن هؤلاء الأباء “متأخرون” وراغبون في حبس أطفالهم في قمقم - الألفاظ من تعبيري، اطلعت على البروفايل على كلوب هاوس، يعبر الأستاذ عن نفسه باعتباره جلوبال سيتيزن مع قائمة طويلة لشركات دولية وعابرة للقارات، خرجت من الغرفة ولكن الفكرة شغلت تفكيري طويلًا ..
الجلوبال سيتيزن تبدو للوهلة الأولى فكرة لطيفة، لنا نحن المغتربين، العاجزين عن الإمساك بأي أرض تحت أقدامهم، وبتاريخ شخصي ينتمي لبقعة عاثرة في هذا الكوكب، أن تنتمي لكل شيء لطيف وجميل، أن تكون منفتحًا ومتقبلًا لكل شيء ..
لكن تحت اللطف أشياء ..
أولاً: الفكرة غربية بإمتياز، مرجعها هو الجسد الأبيض، وال”فاليوز” البيضاء، الجسد الذي سيتخلى عن أشياء ليتحصل في مقابلها على أشياء أخرى.. سيتخلى عن الأرض ليحصل على حرية التنقل عبر القارات واستكشاف الجديد (تبدو النكتة مضحكة لشخص شرق أوسطي عليه أن يدفع اللي وراه واللي قدامه لأجل استخراج تأشيرة لأي بلد مجاور) سيتخلى عن الماضي، لأجل المستقبل، إذن فالتخلي ليس لأي أحد، التخلي مرهون بأن تكون لك ميزة التجول والترحال باعتبارك صاحب الأرض “ لا أستطيع أن أفصل هذا عن تاريخ استعماري قديم طويل في بلداننا” سيتجول الأبيض المستعمر في أرضك وأرضه، أما أنت فمحبوس، لأنك لست “مثله” لا تحمل قيمه ، وعد باهر لأجساد معينة، وينحيها عن أجساد أخرى ..
ثانيًا: هذا الوعد بأن تصبح جلوبال وسيتزين كمان مرتبط بأن تصبح مثل نموذج معين، يعني أن فكرة ال No-where ، باطلة، لأن المكان والمساحة والاستقرار هي التي ستولد نموذجًا معينًا و social- bonding الذي يولد هذه القيم، فحتى لو اتفقنا على صور القيم التي يتخذها الجلوبال سيتزين لحياته فإن جوهرها مختلف تمامًا عما نفهمه نحن ، هناك where وهناك open where ، حيث ال where لنا، وال open where لهم ..
ثالثًا: لا يمكن للجميع أن يصبحوا جلوبال سيتزين، أن تكون جلوبال سيتزين يعني أن تنفتح لك الحدود - كما أسلفت - هذا الانفتاح يستلزم نوعًا جديدًا من “الخدمة” المتجولون، المنفتحون، أصحاب الحظوظ سيحتاجون حتمًا لآخرين مستقرين يقومون بأدوار الخدمة في حال حالفك الحظ وشرفك أحدهم بالقدوم عليك، تقدم لهم الخدمات الذي يعني نشؤها إستحالة ترحالك وتجوالك، تقسيم طبقي جديد ..
رابعًا: هذه الفكرة - الجلوبال سيتزين- لا يمكن أن تقوم بغير الشركات العالمية العابرة للقارات، هذه الشركات التي ستحتاج للعقول الذكاءات أن تتنقل باستمرار من الشرق للغرب ومن الجنوب للشمال، لتتوسع ولتكبر ولتسيطر على أراضٍ "والكلام في هذا يطول" هذه بذرة لمواطنة جديدة قوامها ليست الدولة والمواطن، بل الشركة والمواطن، حيث تصبح الشركة نوعًا ما جنسيتك الجديدة، التي إن حزتها ستخفف كثيرًا من وطئة “ثالثيتك وشرق أوسطتيك”
رابعًا: هذه الجلوبال سيتزينشب، تقلل من ارتباطك بالأشياء والمفاهيم والأفكار، حيث تكون ال Globality هي المرجعية وهي الأتاتشمنت الرئيسي الذي ينطلق منه الناس ليفهموا العالم ، هذه الجلوباليتي هي ما تحرك مشاعرنا وعواطفنا وتثير دموعنا وأحزاننا وتعاطفنا مع آخرين “يشبهوننا”، هوية كوزومبلياتنية تعترف بالأخر طبعًا، بشرط أن يكون “مثلي” و “يشبهني” ..
حتى لو تفاعلت مع آخر فذلك لأنك تتفاعل مع "objects of ‘your feeling’" وليس لأن هناك إرتباطًا حقيقيًا منطلق من أرض وتاريخ وذاكرة مشتركة ..
هذه الهوية التي تبدو لطيفة وناعمة، هي هوية شديدة العنف، هوية ظالمة، وحتى عنفها قاسي، فالذي يحمل سلاحًا ليقتل شخصًا ما بالتأكيد ستتحرك بعضًا من مشاعره إتجاه هذا الأمر، أما ذلك المواطن العالمي الكيوت، الذي سيتحرك في هذا العالم وتكون هويته هي أساس لسحق آخرين، لا يشبهونه ولا يعرفهم، ولا يدري عنهم أصلًا، فبالتأكيد لن تتحرك له أي مشاعر ولن يسعى لأن يتبرأ من كل هذا الظلم والعنف ..
أما الكلام عن القيم ومالذي سيتعلمه طفلي عن الآخر وكيف سيتعلمه فالكلام في هذا يطول مما لا يحتمله مقال..
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات